عزيزة الصفراني: نخوض حرباً يظل المريض يصارع فيها الموت لساعات
كل شيء بدأ لي عكس ما كنت أتوقعه، حين دخلت العناية المركزة بمستشفى الهواري العام بمدينة بنغازي الخاص بحالات كورونا، أخبروني أن أظل بعيدة عن الحالات، وهذا يكفي مع ارتداء الكمامة، كنت خائفة أثناء ذلك، ولكن الممرضات يتحركن دون خوف ويعتنين بالمرضى، ويقتربن منهم أكثر مما كنت أتصور، يطعمنهم
ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، ويقمن بتغطيتهم أو إعطائهم علاج، وعلى الرغم مما يحدث داخل غرف العناية من مجابهة فايروس كورونا، هناك من يستهتر به ويكذبه، وأحيانا كثيرة يتطاول على الممرضات اللاتي يعتبرن الأقرب للمريض وهن أكثر عرضة للإصابة وبالتالي الوفاة.
يبدو أن الناس لم تدرك حجم المعاناة التي تعيشها الممرضات داخل أروقة العناية، وحول هذه المعاناة وما تسببه من آلام نفسية للممرضة تحدثنا مع الممرضة عزيزة حمد الصفراني وهي ممرضة بمستشفى الهواري العام، لتقول لنا أنها بدأت العمل والتعامل مع جائحة كورونا منذ شهر أب/أغسطس 2020، ومنذ ذلك الوقت لم تترك عملها.
وعن صعوبة عملها تقول "على الرغم من إنني أعمل ممرضة لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، إلا أن هذه الأعوام هي أصعبها".
"أخاف من الإصابة بالفايروس"
تصف عزيزة الصفراني يومها بالمستشفى وكيفية التعامل مع الحالات الموجودة بالعناية المركزة قائلة "اتعامل مع الحالات وكأنهم أهلي، حيث تبدأ ساعات عملي من الثامنة صباحاً إلى الثامنة ليلاً، يومين في الأسبوع، وعندما أدخل إلى العناية أتوجه فوراً إلى الحالات التي أشرف عليها، أتحدث معهم قليلاً وأطمئن عليهم، فهناك حالات يستلزم وضعها الماسك العادي، وأخرى لأنبوب الاكسجين، ثم أقوم بقياس الحرارة والنبض وسرعة التنفس كل ساعة، وإعطاء العلاج حسب مواعيده، وفي أحيان كثيرة عندما أدخل أجد أن بعض الحالات التي أشرفت عليها قد توفيت".
وتضيف عن خوفها من الإصابة بالمرض "أنا دائمة الخوف من الإصابة بالمرض، وأخاف على عائلتي وأهلي، ولكن إلى الآن لم أصاب على الرغم من أن هناك ممرضات أصبن، ومع ذلك بعد الدوام أعود لبيتي ولزوجي وأولادي وأزور أمي وأهل زوجي ولكن على فترات متباعدة، وأقلل قدر الإمكان من الخروج حتى لا أكون حاملة للفيروس وأنقله للناس خاصة كبار السن دون علمي".
من حق الأهل رؤية مرضاهم قبل الوفاة
وقالت عزيزة الصفراني عن تعاملها مع الحالات التي تشعر أنهم بين الحياة والموت "أقوم بالاتصال بأهلهم من أجل الحضور لرؤيتهم، نعم هذا الإجراء ممنوع، فمن خلال رؤية المريض لأهله قد تسوء حالته أكثر، ولكن هذا وضع إنساني، لابد أن يرى المريض أهله قبل أن يتوفى، فنقوم بعمل الاحتياطات اللازمة للأهل ثم ندخلهم لرؤية المريض".
وتستذكر حالة توفيت بعد رؤيتها لابنها فتقول "أم السعد، إحدى الحالات بدأت تبكي وتقول لي أريد رؤية أبنائي، فأخبرت المناوب بذلك، وقام بالاتصال بالابن من أجل أن تراه أمه، لتتوفى الأم في اليوم الثاني، لذلك أنا مقتنعة بدخول الأهل لرؤية المريض مع الأخذ بالاحتياطات اللازمة".
وحول التزام الأهل بالاحتياطات أثناء الدخول لرؤية المرضى تقول "لا يدرك الجميع خطورة عدم الالتزام بالاحتياطات، فهناك بعض الناس تسيء لنا بالألفاظ حينما نطلب منهم الالتزام بالاحتياطات، فهناك زائر رفض الالتزام وتحدث بألفاظ نابية عندما أخبره الطبيب أنه ربما يصاب بالمرض وينقله لجميع المحيطين به خاصة أسرته، فقال مادام أصيب أبي به لا يهمني باقي الناس، هذه عينة من الناس التي لا تدرك خطورة المرض".
"نركض مسرعين عندما نسمع الجهاز"
وعن مدى حرصهم في التعامل مع المريض تقول "هناك بعض الأخطاء التي نقوم بها، هي من دواعي الواجب والعمل، ولكن ليست في صالحنا مثلاً عندما نكون نأكل أو مثلا نشرب ونسمع الجهاز، نركض إلى المريض دون الانتباه إلى لبسنا للكمامة أو القفازات، وهذا خطر على الجميع".
وأشارت بأنها لم تتلقى اللقاح لأنها لم تكن موجودة في يوم التطعيم، حيث كان هناك صعوبة في القدوم للمستشفى لعدم توفر المواصلات، وأنها لم تجد مكان لوضع أبنائها، وتضيف بأن التطعيم قد يصيبها بأعراض مما يمنعها من أداء عملها.
عزيزة الصفراني تأثرت نفسيتها بشكل كبير أثناء عملها في مستشفى العزل الخاص بكورونا تقول "نفسيتي صفر، خاصة عندما أرى مريض يصارع الموت وهو على جهاز التنفس ولا أستطيع مساعدته، نحن في جبهة حرب، وربما الحرب الحقيقية الموت يكون بالرصاص ويكون أسرع ولكن هنا معاناة المريض، تدمرنا نفسياً، ولست أنا فقط من يتأثر ولكن طاقم التمريض بأكمله وجميع الزميلات نعاني من تلك الآثار النفسية وهذه الأثار نذهب بها إلى بيوتنا، فأنا بمجرد أن أخرج من العمل وأركب مع زوجي السيارة ابدأ بالتحدث عن المرضى ويخبرني زوجي أن أسكت وأريح نفسي، ولكن لا استطيع فبالحديث معه أحاول أن أخفف عن نفسي الألم".
لا أحد يهتم بالجانب النفسي
وعن تكليف اختصاصي نفسي لمتابعة حالتهم النفسية ولتحفيزهم تقول "للأسف لا يوجد لدينا اختصاصي نفسي ولا أحد يهتم بهذا الجانب، نحاول الحديث والتواصل مع بعضنا، وحتى عندما أذهب الى البيت أظل على اتصال بالممرضات في المستشفى من أجل الاطمئنان على حالة المرضى، حتى أنني أطلع باستمرار على صفحة وفيات بنغازي، وأدعو ألا أجد أحد من المستشفى فيها.
وعندما سألناها عن تلقيها لحوافز أو تأمين صحي أو علاوة خطر تجيب قائلة "للأسف منذ بداية الجائحة وعملي بالمستشفى، لم استلم إلا 1000 دينار فقط لمرة واحدة، وكل ما يشاع عن مبلغ 10 آلاف دينار هذا كلام غير حقيقي، وهذا الأمر ينطبق علينا كممرضات جميعاً لم نتلقى أي دعم أو حوافز حتى علاوة الخطر لم يتم صرفها لنا".
وأكدت على أنهن كممرضات يعملن كفريق واحد ويد واحدة "أثناء عملنا، حتى بعد أن تم إصدار قرار يقول إن كل ممرضة تستلم حالة للعمل عليها، بقينا يد واحدة ونقوم بعمل جماعي، ونقوم بتقسيم العمل فيما بيننا، وعندما "تتعب حالة عندنا" نقف مع بعضنا من أجل أن تتحسن ويستقر وضعها".
على الناس الخوف من المرض
وعن عدد الحالات المتواجدة حالياً وهل يكفي طاقم التمريض الموجود تشير "الأيام الماضية كان عدد الحالات كبير جداً، واستطعنا التكاتف والتعامل معهم بشكل جيد، ولكن الآن العدد أقل مما كان".
وتشير بأنه تم التعامل مع الممرضات اللاتي أصبن بكورونا كأي مواطن عادي، فيما تم منح بعض منهن غرف في المستشفى لأن لديهن كبار سن في بيوتهن.
وتوجه الممرضة عزيزة الصفراني نداء للناس بأنه يجب عليهم الخوف من هذا المرض والابتعاد عن التجمعات، والخوف على كبار السن، لأن هذا المرض حقيقي.
وانتشرت جائحة فيروس كورونا في ليبيا في عام 2020 وسجلت أول إصابة في آذار/مارس، ليبلغ عدد الإصابات حتى كتابة هذا التقرير أكثر من 198 ألف إصابة.