زواج القاصرات في الصعيد والتخلص الوهمي من عبء الفتاة
تزويج الفتيات دون السن القانوني ظاهرة ذات جذور وأبعاد قاسية ينتشر مداها وتزداد آثارها السلبية مع مرور الوقت على الأسرة والمجتمع، سواء ارتبط الأمر بالصحة النفسية أو الإنجابية للقاصرات أو بقدرتهن على إنشاء أسرة سوية.
أسماء فتحي
القاهرة ـ زواج القاصرات واحد من الأمراض التي تحتاج لتكاتف الجهود من أجل الحد من تبعاته السلبية والتي لا تضر بالفتاة وحدها بل بالمجتمع كاملاً لما ينجم عن تلك الزيجات من آثار ونتائج كارثية خاصةً إذا اقترنت بإنجاب أطفال.
ارتبطت تلك الجريمة لعصور طويلة بالمناطق البعيدة عن قلب العاصمة وخاصةً في صعيد مصر وهو الأمر الذي حاولنا استطلاعه من خلال زيارة ميدانية استهدفت التعرف أكثر على قضايا النساء هناك ووضعهن مقارنة بما يشاع.
وكانت لنا عدد من اللقاءات مع نساء منهن متعلمات وأخريات ربات منزل قمن برواية تجاربهن حول تلك الظاهرة وحجم وجودها في مجتمعهن الصغير متمثلاً في الأسرة والكبير داخل محافظة قنا بقراها ونجوعها المترامية.
كوارث بالجملة منها نسب الطفل للجد وإيصالات الأمانة
قالت الكاتبة كواعب البراهمي، أن تلك الظاهرة مازالت منتشرة وتتم للفتيات في سن يتراوح من 14 حتى 18 عاماً في عدد من القرى ولها العديد من الآثار السلبية على الأسرة الناشئة.
وواحدة من الكوارث التي روتها كواعب البراهمي، تمثلت في نسب الطفل للجد من الأب وما يترتب على ذلك من تبعات لا حصر لها فعلى الورق يكون الطفل أخا لأبوه وفي حال وفاته يحق له رسمياً الزواج من أمه باعتبارها زوجة الأخ، وهو أمر يصعب إثباته ويحدث في كثير من الزيجات بقرى ونجوع الصعيد.
ولفتت إلى أن هناك بعض الزيجات في حالة كون الفتاة قاصراً يتم فيها كتابة إيصالات أمانة للحماية من قيام أحد الحضور بالتبليغ عن تلك الجريمة وهو ما يجعل الكثيرون يصمتون عن تلك الفعلة التي ما زالت تتم في الخفاء وبشكل واسع.
واعتبرت أن واحدة من أكثر الأزمات التي قد تواجه الطفلة التي تزوجت قاصراً هي عدم قدرتها على طلب الطلاق وذلك يرجع لانتفاء التوثيق ذاته، لافتةً إلى أن بعض الأزواج قد يتوفون ويتركون طفلاً وزوجة بلا إثبات أنها بالفعل تزوجت وهو ما قد يدمر حياتها ويجعلها أسيرة لتلك الجريمة طوال حياتها.
أسباب تزويج القاصرات في الصعيد
أكدت الكاتبة كواعب البراهمي، أن هناك أسباب عديدة لتزويج القاصرات في سن مبكر واحد من أهمها هو التعجيل في التخلص من أعبائها وهو تصور خاطئ على الإطلاق لأن عدد ليس بالقليل من تلك الزيجات تفشل ومن ثم تعود الابنة بأطفالها لبيت أبيها وهو ما يحمل الأسرة مسؤوليات أكبر مما كانت عليه في الماضي.
وأرجعت الزواج في الصغر للفقر لأن عدد ليس بالقليل من الأسر التي لا يكون بإمكانها العيش أو الإنفاق عادة ما تقرر التخلص من أول فتاة تبلغ شكلاً، ويرون فيها القدرة التقليدية على الزواج دون مراعاة عنصر الموضوع أو المضمون العقلي أو حتى الصحي ذاته.
وعلى العكس تماماً رأت الكاتبة كواعب الإبراهيمي، أن هناك حالات لأسر يعد عنصر الثروة والمال بها هو المحفز للقيام بتلك الجريمة، ولكنه ليس منتشراً كالفقر، فحرصاً على عدم ضياع الميراث يتم تبادل الزيجات في سن مبكر بين بعض العائلات الكبرى أو تزويج القاصر لأحد أفراد العائلة كابن العم لحماية أموالهم من الغرباء.
"عجوز في العشرين"
"أترين حالي عجوز في العشرينات" عبارة استوقفتنا لدقائق حينما حاولنا التعرف على عمر فتاة تسير برفقة طفلتين والتي قالت عن قصتها "تزوجت وعمري 14 عاماً واليوم عمري 28 وأشعر أن رسالتي في الحياة انتهت فقد أنجبت 4 أطفال الكبرى فيهم بالصف الأول الإعدادي وأحارب من أجل منع تزويجها كما حدث لي".
وقالت سلوى عمر، وهو اسم مستعار، ذات الملامح الشاحبة والعيون الضيقة والمرتسم على جبينها بعض خطوط كبر السن ذات الـ 28 عام "كنت طفلة ولدي 6 أشقاء وأنا الفتاة الأكبر ووالدي يعمل في الأرض لا يملك الكثير من المال لإنفاقه علينا ووقتها بدأ العرسان طرق الأبواب لقد كنت جميلة في صغري لذلك كثر طالبي الزواج، وهو ما كان مبهج وقتها لطفلة وكنت فرحة أنني سأتزوج وأترك بيت عائلتي، ويصبح لدي بيتي الخاص وأحلام كثيرة كالاستيقاظ في وقت متأخر، وعدم تنظيف المنزل مجبرةً، حتى تزوجت ودخلت لبيت العائلة وعشت لنحو 14 عام أخدم الجميع مكرهةً وهم غرباء عني حتى الآن ولا أستطيع أن أرفض طلباً للطفل الصغير قبل الكبير".
وأضافت "الآن يريدون تزويج طفلتي الكبرى ولن يفعلونها إلا على جثتي لقد تشاجرت وقاتلت لتعليمها في هذا النجع البائس وسأقاتل لتكمل أحلامها وأصحح ما لديها من أفكار عن الذكور أن وجدت، فجنة الزواج وهمية والمسؤولية تحتاج لصحة وعقل، أنا لم أتعلم ولكن الحياة التي قتلت أحلامي بداخلي أكسبتني خبرة، ولم أعد أملك شيئاً ولا أرغب في تقديم شيئاً للحياة فبالفعل أشعر أن رسالتي انتهت ولكني لن أسلمهم طفلاتي ولن أتركهن تخدمن الغرباء وتعانين ما أعانيه من إهانة وقسوة".