ثورة المرأة... تاريخ من المقاومة وبناء الذات الحرة

تهدف ثورة المرأة وهي حركة نسائية نشطة في إقليم شمال وشرق سوريا إلى تحقيق الحرية والمساواة، برزت بشكل كبير في مقاومتها ضد داعش وفي بناء نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتعد مثالاً عالمياً يلهم الحركات النسائية الأخرى.

براءة جالي

الرقة ـ تلعب المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا دوراً محورياً في القيادة والمشاركة السياسية، إذ تتبوأ مناصب قيادية في مختلف القطاعات ضمن نظام الإدارة الذاتية، كما تسعى إلى إطلاق مشاريعها الخاصة بهدف تعزيز استقلالها المالي وتحقيق حريتها الاقتصادية، مما يعكس حضورها الفاعل في بناء مجتمع متوازن وشامل.

في المقابل، تواجه هجمات ممنهجة من قِبل قوى معادية تسعى إلى تقويض دورها واستهداف مكتسباتها. ومع ذلك، فإن الثورة التي كانت المرأة في طليعتها تُعد تحدياً صارخاً للنظرة التقليدية التي تصوّرها ككائن ضعيف، إذ أظهرت هذه الثورة مدى قوتها وعزيمتها في الدفاع عن حقوقها وحقوق مجتمعها، مؤكدةً قدرتها على إحداث تغيير حقيقي وبناء مستقبل أكثر عدلاً ومساواة.

 

مقاومة المرأة مستمرة

أكدت رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية عدالت عمر، على أن ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا شكّلت تحولاً كبيراً منذ بداية الأزمة السورية، حيث ركزت على تحرير المرأة، خاصة مع إعلان الإدارة الذاتية في الجزيرة ثم كوباني وعفرين.

وأوضحت أن للثورة خصوصية نابعة من نضال المرأة ومقاومتها، فقد أثبتت المرأة جدارتها في مختلف المجالات لا سيما العسكري، متحدية الإيديولوجيات التي حصرت هذا المجال بالرجال، ورغم التحديات والمعاناة والعادات المقيدة لحريتها، إضافة إلى تهديدات الاحتلال التركي ونظام البعث والحكومة السورية المؤقتة وهجمات داعش، فإن مقاومة المرأة مستمرة بقوة وعزيمة.

وسلطت الضوء على الدور الريادي للمرأة خلال سنوات التحرير، مشيرة إلى مشاركتها الفاعلة عام 2014 في معارك التصدي لداعش، حيث أسست حركتها الخاصة وأثبتت قدرتها على المواجهة، مؤكدة أن قضية المرأة تتجاوز الحدود الجغرافية، فهي قضية عالمية، وقد وصلت صرخة "Jin Jiyan Azadî" من إقليم شمال وشرق سوريا إلى إيران وفرنسا والهند ولبنان والعراق.

وشددت على أهمية ربط نضال النساء السوريات بالحركات والتنظيمات النسوية العالمية، معتبرة أن الثورة النسائية ليست مجرد مقاومة عسكرية، بل مشروع سياسي واجتماعي يهدف إلى تقويض البُنى التقليدية وإعادة تشكيل المجتمع على أسس العدالة والمساواة.

 

مكتسبات ثورة المرأة

وأشارت عدالت عمر إلى أن المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا حققت إنجازات بارزة على مختلف الأصعدة، ففي المجال العسكري، تأسست وحدات حماية المرأة (YPJ) وقوى الأمن الداخلي الخاصة بالمرأة، إلى جانب قوة الحماية الجوهرية (HPJ) لتعزيز الأمن المجتمعي، أما في المجال السياسي، فتم اعتماد مبدأ الرئاسة المشتركة، وتواجد المرأة في الهيئات القيادية مثل المجلس التنفيذي ومجلس العدالة والشعوب، مع تمثيل مناصف بنسبة 50% من القاعدة إلى القمة، إضافة إلى تخصيص مكاتب للمرأة في كل هيئة.

كما نوهت إلى وجود تنظيمات نسائية مستقلة مثل مؤتمر ستار، تجمع نساء زنوبيا، ومجلس المرأة لإقليم شمال وشرق سوريا، إلى جانب عشرات المنظمات المعنية بشؤون المرأة، وفي الجانب القانوني تم إقرار قوانين تحمي حقوق المرأة في الحضانة، الطلاق، والميراث، وتجريم العنف ضدها ضمن قانون الأسرة.

وأضافت "تم تأسيس كومينات ومجالس خاصة بالمرأة لتمكينها في صنع القرار، وافتتاح أكاديميات متخصصة مثل أكاديمية الجنولوجيا (علم المرأة)، إلى جانب برامج تدريب وتوعية تهدف إلى تعزيز قدرات النساء في مختلف المجالات".

وأوضحت أن ترشيح الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية إلهام أحمد، لجائزة نوبل للسلام يُعد إنجازاً بارزاً يعكس التأثير العالمي للمرأة الكردية، مبينة أن هذا الترشيح يُمثل اعترافاً دولياً بدور المرأة في بناء السلام، خاصة أن إلهام أحمد دافعت بقوة عن مشروع الإدارة الذاتية، ورفضت الانخراط في أي محور استبدادي، كما حملت قضية المرأة الكردية والسورية إلى المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة وأوروبا، مؤكدةً أن نضال المرأة في المنطقة تجاوز الحدود وأصبح جزءاً من الحراك النسوي العالمي.

وشددت على أن التنظيم النسائي هو أساس بناء مشروع ديمقراطي كونفدرالي، معتبرة أن وحدة النساء شرط جوهري لنجاح أي ثورة على المستوى الوطني، داعية إلى نقل تجربة ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا إلى باقي المدن السورية والعالم.

وفي ختام حديثها، أكدت عدالت عمر،  رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، أن شعار "Jin Jiyan Azadî" لم يعد مجرد صرخة، بل تحول إلى نداء عالمي لكل امرأة تناضل من أجل الكرامة والحرية، معتبرة أن هذه الصرخة تمثل بداية لثورة شاملة، وأن الإيمان الحقيقي يكمن في أن لا وطن بدون نساء.