منبج تستغيث بذاكرتها... مزارات الشهداء هدف جديد للاعتداءات التركية

المقاطعة التي حررت نفسها من داعش تواجه اليوم اعتداء على رموز تضحيتها من قبل الاحتلال التركي، وسط صمت دولي وانتقادات قانونية تعتبر المساس بالمزارات جريمة ضد الإنسانية.

أسماء محمد

قامشلو ـ المحامية غفران خلف ونائبة هيئة المرأة نرجس يوسف، تؤكدان أن استهداف مزار الشهداء في منبج المحتلة انتهاك خطير لحرمة المقابر والقيم الإنسانية، وتدعيان المنظمات الحقوقية المحلية والدولية للتحرك العاجل لمحاسبة مرتزقة تركيا ووقف الاعتداءات المتكررة على ذاكرة المقاطعة.

منبج المحتلة التي نزفت كثيراً لتحيا من جديد، والتي كتبت حريتها بدماء أبنائها يوم تحررت من داعش في آب/أغسطس 2016، تجد نفسها اليوم أمام جرح جديد، بعد أن طال الاعتداء مزار الشهداء فيها في حادثة هي الرابعة من نوعها. الاعتداء لم يكن على حجارة أو رموز جامدة، بل على ذاكرة مدينة قاومت الإرهاب وقدمت خيرة أبنائها في سبيل الحرية والكرامة.

تُعد منبج، الواقعة شرق حلب، من أبرز مدن إقليم شمال وشرق سوريا بتنوعها القومي والاجتماعي. خلال الحرب، تحولت إلى ساحة صراع، إذ خرجت عن سيطرة النظام السوري السابق عام 2012، ثم وقعت تحت حكم داعش عام 2014، قبل أن تحررها قوات سوريا الديمقراطية بعد معارك عنيفة، وبعد تسع سنوات من التحرير، تعرضت المقاطعة لهجمات متكررة من مرتزقة تركيا، كان أبرزها تدمير أجزاء من مزار الشهداء، ما أثار موجة استنكار واسعة اعتُبر فيها هذا الفعل انتهاكاً لكرامة المجتمع وذاكرة نضاله ضد داعش.

 

الانتهاكات التي طالت مزار الشهداء في منبج

أكدت المحامية غفران خلف أن انتهاكات مرتزقة تركيا في منبج تمثل خرقاً صارخاً للقانون وحرمة المقابر والمزارات، وتُعد جرائم قانونية يمكن ملاحقة مرتكبيها قضائياً، مشددة على أن تكرار هذه الأفعال يشكل تحدياً قانونياً كبيراً، وأنها ليست تصرفات فردية بل انتهاكات متعمدة تستوجب المحاسبة القانونية.

وأوضحت أن "المؤسسات المعنية بحماية الممتلكات العامة والمزارات يجب أن تولي أهمية قصوى لرفع الدعاوى القانونية ضد الفصائل المسؤولة، وكذلك التحقيق مع الجهات التي أعطت هذه التعليمات بتدمير المقابر وانتهاك مزارات الشهداء، الذين لهم حرمة مقدسة باعتبارهم ضحوا بأرواحهم في سبيل الحرية وحماية المجتمع".

وبينت أن انتهاكات المرتزقة يمكن توثيقها نظراً لنشرهم مقاطع فيديو علنية، مما يتيح جمع الأدلة وملاحقة المسؤولين قانونياً محلياً ودولياً "هذه الأفعال تنتهك القوانين السورية وقوانين الإدارة الذاتية والعقد الاجتماعي الذي يضمن حماية الممتلكات للجميع بغض النظر عن الانتماء".

وانتقدت صمت المجتمع الدولي تجاه انتهاكات مرتزقة تركيا، معتبرة أن هذا الصمت ناتج عن تداخل المصالح مع الدولة التركية، ويُعد خرقاً غير مباشر للمسؤوليات الإنسانية والقانونية الدولية، داعية منظمات حقوق الإنسان والقانون، سواء كانت معترفاً بها أم لا، إلى التحرك الفاعل لمواجهة هذه الانتهاكات، مؤكدة أن الاعتداء على حرمة الشهداء والمقابر قضية إنسانية بالدرجة الأولى، ويجب على المجتمع الدولي أن يتجاوز مصالحه الخاصة ويتحمل مسؤولياته في محاسبة الجناة.

وفي ختام حديثها، وجهت المحامية غفران خلف نداءً "لكل من يمتلك وجداناً إنسانياً وقانونياً للمساهمة في توثيق الانتهاكات في المناطق المحتلة من قبل مرتزقة تركيا"، مؤكدة أن التوثيق يمثل حجر الأساس في محاسبة المعتدين، وأن العدالة قد تتأخر لكنها "حتمية"، كل جهد في هذا المجال يعزز حماية قيم المجتمع وكرامة الشهداء وحقوق الأجيال القادمة "التوثيق خطوة جوهرية نحو تحقيق العدالة ومنع إفلات الجناة من العقاب".

 

"استهداف المزارات اعتداء على القيم الوطنية والأخلاقية"

من جانبها أكدت نرجس يوسف نائبة في هيئة المرأة في مدينة قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا، أن الهجوم الأخير الذي استهدف مزار الشهداء في منبج، يمثل جزءاً من سلسلة الاعتداءات التي تشهدها المقاطعة على أيدي المرتزقة، وأن هذا الاعتداء لم يكن مجرد هجوم على موقع تاريخي، بل هو استهداف لقيم المجتمع ومبادئه، خاصة وأن المزارات تحمل قدسية كبيرة لدى الشهداء وأسرهم، وتعد رمزاً لتضحياتهم في الدفاع عن الأرض والقيم الإنسانية والأخلاقية.

وأوضحت أن استهداف مزارات الشهداء يكشف عن الفكر الهمجي الذي تتبناه مرتزقة تركيا، والذي يسعى إلى الترهيب وإلغاء الكرامة الإنسانية والفكر الحر، مؤكدة أن هذه الفصائل تهاجم كل ما هو مقدس، من مزارات الشهداء إلى أماكن العبادة، بهدف فرض أفكار متطرفة لا تقبل التنوع القيمي، مضيفةً أن هذه الهجمات ليست جديدة، إذ سبق استهداف مزارات في سري كانيه/رأس العين وجوامع للصلاة، مشيرة إلى أن الاعتداءات الأخيرة في منبج تأتي ضمن حرب ممنهجة تستهدف الفكر والثقافة في المنطقة.

وأكدت أن "الشهداء الذين ضحوا دفاعاً عن أرضهم ومبادئهم يجسدون تضحيات النساء والرجال معاً"، مشيرة إلى أن "استهداف المزارات يمس المرأة بشكل خاص، إذ تتألم الأمهات والزوجات اللواتي فقدن أحبّاءهن من هذه الانتهاكات"، معتبرة أن هذه الهجمات تمثل محاولة لطمس الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.

وأشارت إلى أنها تسعى لكشف الانتهاكات إعلامياً وتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة بحق المجتمع المدني والمزارات التاريخية، داعية المنظمات الحقوقية والإنسانية لتوثيق هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها قانونياً وأخلاقياً "توثيق هذه الانتهاكات ضروري للحفاظ على إرث الشهداء الوطني والإنساني، فالشهداء يجسدون قيم المجتمع ومبادئه، ومن خلالهم تُصان الإنجازات ويُثبت أن طريق الحرية والكرامة سيستمر".