منها الوصم المجتمعي... معاناة النساء بعد الطلاق

الطلاق واحد من الأزمات التي تعاني منها النساء خاصة في ظل الظروف شديدة التعقيد والانغلاق، فعادة ما يتبعه لوم أو وصم للمطلقة وتظل بعدها في معاناة اجتماعية مركبة تعيقها عن مواصلة الحياة بشكل سوي.

غفران الهبص

حلب ـ تدفع النساء ضريبة الطلاق من مستقبلهن الذي سرعان ما يتوقف تماماً عقبه، فهي إما أم لأطفال بات عليها راعيتهم بمفردها، أو امرأة باتت بلا أسرة وعليها تحمل الوصم المجتمعي والنبذ في بعض الأحيان، وربما تندر فرصتها في إقامة حياة جديدة بزواج آخر نتيجة عدم تحملها المكوث مع زوجها السابق.

 

مستقبل غامض ونتائج مؤلمة

رغم أن الطلاق خياراً مشروعاً لإنهاء العلاقات غير الناجحة، إلا أنه يظل محاطاً بوصمة اجتماعية ثقيلة، وتروي فاطمة أحمد البالغة من العمر 26 عاماً قصتها قائلة "بعد زواج دام 13عاماً تحملت خلالهم الكثير من القهر والآلام، وتعرضت لمختلف أشكال العنف، وحتى خيانة زوجي التي كانت فارقة لي، فقد تحملت عقمه واستهتاره بالأمر لدرجة أنه لم يذهب لطبيب لمرة واحدة محاولاً البحث عن حل دوائي".

وأوضحت أنها لجأت إلى أهلها وروت لهم ما تعرضت له من انتهاكات غير إنسانية خلال علاقتها الزوجية ومدى تحملها طوال نحو 13عام لخوفها من وصمة الطلاق، حتى تجعلهم يقفون إلى جانبها ولا يعارضون قرار انفصالها عنه "حاولت الحصول على حقوقي المالية لكن لضيق حالنا لم أستطع تدبير أجر المحامي الذي سيتولى القضية واضطررت للتنازل عن حقوقي كاملة مقابل الحصول على حريتي والانفصال".

وأكملت فاطمة أحمد التي تبدلت ملامحها وباتت أكبر سناً بعشرين عاماً، حديثها "تخيلت أن حياتي ستكون أفضل بعد الطلاق وأنني سأنعم بالراحة التي حُرمت منها وستجد الأحلام الوردية طريقها إلى قلبي، إلا أن الواقع خذلني لكوني أحيا بمجتمع تقليدي الفكر ولا يقبل على الإطلاق فكرة الطلاق وبدأت مرحلة جديدة من حياتي مقيدة بسلاسل العادات والتقاليد ووصمة الطلاق فلا يمكنني الانتقال بحرية وأسمع عبارات تنال من كبريائي ويرى المحيطين بي أني سأكون فريسة سهلة لأصحاب النفوس المريضة".

وفي ذات السياق قالت المرشدة النفسية (ن. ص) إن أسباب الطلاق كثيرة وشديدة التعقيد ومنها "الخيانة الزوجية واختلاف نظرتهما للحياة، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية ونقص الدخل المالي الذي زادت حدته مؤخراً نتيجة الأزمات التي مرت بها مناطق حلب المحررة".

وأكدت أن "هناك الكثير من الآثار النفسية والاجتماعية التي تعرضت لها المطلقات وفي مقدمتها الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس، فضلاً عن تعرضهن للكثير من التغيرات التي تطرأ على علاقاتهن الاجتماعية بفعل الطلاق".

وأوضحت أن أضرار الطلاق تشمل مختلف نواحي الحياة لذلك الأمر يحتاج لإجراءات تخفف من تلك الأضرار ومنها البحث عن الدعم النفسي والاجتماعي واستشارة متخصصين في التوجيه الأسري والاجتماعي "النساء تستطعن النجاة من مرارة تلك المرحلة بتعزيز مهاراتهن وتحديد أهدافهن والتفكير في خطوات واقعية لبناء حياة جديدة مما يساعدهن على خلق بيئة صحية تتمتعن فيها بسلامهن النفسي وأمانهن الذاتي".

 

مقترحات للحد من وصمة ما بعد الطلاق

أزمة النساء بعد الطلاق لها العديد من الأوجه التي تفقدهن الثقة في قدرتهن على تكوين أسر أخرى، وهو الأمر الذي يجعلهن فريسة الوصم والنبذ المجتمعي والتعامل مع هذا الأمر يحتاج العديد من التدخلات الخاصة والعامة.

وأوضحت المرشدة النفسية (ن. ص) أن التخفيف من وصمة الطلاق يتطلب جهوداً مجتمعية وتوعية كاملة من خلال تنظيم حملات توعوية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي للتأكيد على أن الطلاق قد يكون الخيار الأفضل في بعض الحالات وأنه لا يجب أن يُنظر إليه على أنه فشل.

وأكدت على ضرورة إدخال موضوعات حول العلاقات الصحيحة والزواج والطلاق في المناهج الدراسية لزيادة الوعي بين الأجيال، مضيفة أن توفير خدمات الاستشارات النفسية والدعم الاجتماعي للمطلقات تساعدهن على التكيف مع التغيرات في حياتهم، بالإضافة إلى العمل على تحديث القوانين والتشريعات لضمان حقوق المطلقات، وتوفير حماية قانونية لهن ضد التمييز والوصمة.

وشددت على أهمية دور منظمات المجتمع المدني التي تعمل على مساندة المطلقات وتنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لهن وتسليط الضوء على نماذج إيجابية لمطلقات نجحوا في حياتهن بعد الطلاق، من خلال قصص نجاح وبرامج إعلامية.