من أرض الواقع... هل تراجع ختان الإناث في مصر؟

تعتبر أزمة بتر وتشويه الأعضاء التناسلية للنساء واحدة من القضايا التي بذلت بها جهود على مختلف مستويات، وتمكن العاملون عليه من الدفع نحو التغيير التشريعي وتجريم الممارسة بشكل نهائي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أعاد إحياء مصر اليوم الوطني لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء الذي يصادف الرابع عشر من حزيران/يونيو من كل عام، قضية الختان إلى الواجهة من جديد وهل تراجع ممارستها على أرض الواقع في البلاد في ظل الجهود المبذولة أم لا.

يعد هذا التشويه الباتر لأحلام الكثيرات ومتعتهن معقد لكونه متجذر في ثقافة ووعي المواطنين تساق خلاله الادعاءات المرضية الهادفة للتأكيد على السيطرة والهيمنة الذكورية، والتي لا تتحكم في قرارات النساء واختياراتهن وحسب، بل أنها تفعل بأجسادهن ما شاءت، تارة تقرر بتر جزء منها للتحكم بها، وتارة أخرى تتاجر بها في صفقات مربحة وتزوجهن دون السن القانوني.

والتشويه العمدي للأعضاء التناسلية يبتر تطلع الفتاة ويرسخ في وجدانها أن هناك آخر يتخذ القرار خارجها حتى في جسدها لتسلب منها إرادتها وهويتها وبالتبعية فإن أي عنف لاحق سيمارس عليها قطعاً سيكون الأقل والأبسط ويمكنها تقبله بدوافعه المزيفة كما سبق وأقنعوها أن التقطيع في جسدها وتشويهها قد يحمل في مضمونه حباً وخوفاً.

 

من واقع التجارب... نساء تتألمن في صمت

"لم أنس يوما ألم تلك اللحظة ومخاوفها، ولم أستطع منع ارتكابها في حق ابنتي"، عبارة به قدر كبير من اليأس والألم عبرت بها سمر فوزي (اسم مستعار)، عن معاناتها أثناء وصف واقعها من تشويه أعضاء النساء التناسلية الذي تخطى الحدود في كم العنف والأذى المغلف كذباً بأسباب واهية لسلب المرأة سلامها النفسي واستقرارها المستقبلي.

وعن تجربتها تقول "اتذكر ذلك اليوم جيداً أخبروني أني كبرت وسيسمحون لي بنزول نهر النيل والاستحمام الذي حرمت منه لأني فتاة، وأيضاً إطعامي مأكولات كنت قد حرمت منها ووعد بالخروج واللعب في الشارع بعد التعافي وفوجئت أنهم يجمعوننا نحو ٦ بنات في عمر واحد بعد الابتدائية وأتذكر تلك المرأة ذات المظهر المقبض لقلبي وكيف تمكنت مني ولم تأبه لصرخاتي ودموع أمي وخوفها وفرحة أبي الغريبة".

مضيفة "رغم أنهم نفذوا كل ما وعدوني به وفعلته وقتها، إلا أني حتى اليوم لا أعلم لماذا كانوا سعداء حينما بتر جزء من جسدي، ما كل هذه القسوة التي تملكت من قلوبهم؟ كيف لهؤلاء أن يقنعوني أن هذا كان حب وأنهم يخافون علي، الآن أدركت وأخبرت أمي أنها أجرمت بحقي وحتى اليوم أنا لا أثق بهم وإن كنت أحبهم ولا أصارح نفسي والمحيطين بي بتلك المشاعر".

وكشفت أنها لم تستطع إنقاذ طفلتها "رغم ما عانيته من ألم ولكني لم أتمكن من حماية طفلتي والوقوف في وجه أبيها رغم أني هددته بالطلاق وتركت المنزل، ولكنه قام بالأمر وسط دعم من جميع المحيطين به وبينهم عائلتي".

 

بتر وتشويه الأعضاء التناسلية للنساء... الإسماعيلية مازالت تنزف

وقالت المحامية آية حمدي أن نسبة تشويه أعضاء النساء التناسلية مرتفعة إلى حد كبير لديهم، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تراجع نسبي ولكنه غير ملبي للتطلعات ولا يناسب حجم الجهد المبذول من المهتمين بملف المرأة سواء كان من الجهات الحكومية أو المجتمع المدني بمختلف تكويناته.

وأوضحت أنه من المؤسف أن من يرتكب تلك الجريمة حتى اليوم أطباء تحت مسميات غير حقيقية، جانب منها يلصقوه بالشق التجميلي والآخر يعتبرونه جزء من إجراء علاجي ضروري وجميعها أساليب للتحايل والاستغلال القانوني الذي لم يتم التعامل معه على النحو المرجو.

واعتبرت أن السبب في استمرار هذه الجريمة لا يتعلق بحجم التوعية الموجودة بالفعل ولكن بالأصوات المقابلة لها والمرتبطة بالجانب الديني والأخلاقي المرجو من تلك العملية المشوهة لأعضاء النساء التناسلية، فضلاً عن تجذير الاتجاه الذي يدفع بكون أجساد النساء ملكية خاصة لذويها يفعلون بها ما يشاؤوا، لافتةً إلى أن القائم على اتخاذ القرار بشأن الختان قد يكون الأب أو الأم أو كلاهما معاً، موضحةً أن النساء تتأثرن بتلك الجريمة على المدى البعيد في عدة مناحي ومستويات منها النفسي والاقتصادية والاجتماعي.

وكشفت المحامية آية حمدي أنها لم تتعرض بشكل شخصي لتلك الممارسة ولكنها لمست معاناة حقيقية من قبل المحيطين بها، موضحةً أن بعضهن تكتمن ما يعانينه لفترات، وأحياناً تنكرن تأثير الأمر عليهن، ولكنهن مع الوقت تتحدثن أنهن بالفعل مأزومات وموجوعات من هذا الانتهاك.

وأشارت إلى أنها سبق وصادفت حالة اعتبرتها مزعجة لكون صاحبتها كشفت عن اقبال أسرتها على ممارسة الختان لأحد أفرادها وحينما اخبرتها أنه عليها اتخاذ قرار التبليغ عدلت عن حديثها وأخبرتها أنهم تراجعوا عن الأمر، مضيفةً أنها لم تقتنع بحديثها ولكن لم يكن هناك مجال للتأكد.

 

الختان في أسيوط... الوضع يحتاج لجهد لإحداث التغيير

وأكدت المحامية والباحثة في القانون فاطمة العوامري، وهي المسؤولة في مكتب المساندة القانونية بمبادرة آمنة في أسيوط، أن هناك معرفة بتبعات تلك الجريمة ولكن الوعي غير كافي لتغيير الواقع الذي تعيشه الفتيات، وترى أن الوعي بضرورة التبليغ ليس مكتمل حتى الآن وهو الأمر الذي جعل ممارستها طبيعية وتقليدية حتى الآن ولم تقف أو تتراجع بالقدر الملحوظ.

وأكدت على أن النساء تعانين من تلك الأزمة بدرجة كبيرة وخاصة على الصعيد النفسي، مضيفةً أنها أثرت بشكل كبير على العلاقة الزوجية لدرجة جعلتها لدى البعض مستحيلة بسبب هذا الانتهاك الذي تعرضت له النساء في صغرهن.

واعتبرت أن نسبة الطلاق مرتفعة بفعل تشويه الأعضاء التناسلية للنساء، وبعض الرجال يعددوا في الزوجات بأغلب قرى الصعيد كنوع من التعامل مع تلك الأزمة ولكن الجميع يهرب من التصريح بأسبابه، مؤكدةً أن هناك نساء تقررن فعل تلك الجريمة في الكبر بدعوى العفة ومحاولة للموائمة مع أفكار المجتمع والهرب من الوصم المجتمعي لهن.

أما عن دور الجمعيات والمبادرات في محافظة أسيوط فقد أوضحت فاطمة العوامري، أنهم يعملون على تغيير الوعي الخاص بالنساء وتغيير الثقافة الخاصة بأجسادهن وكذلك التحفيز على التبليغ عن تلك الجريمة، مؤكدةً أن الأمر يحتاج للكثير من الوقت والجهد حتى يتم جني ثماره.

 

 

لكونها ثقافة متجذرة تحتاج لوقت وجهد... أبرز الحلول الممكنة

واعتبرت آية حمدي أن واحد من أهم المعوقات التي تحول دون القدرة على إنهاء واقع تلك الممارسة ومنع ممارستها تتمثل في عدم القدرة على التبليغ لكون مرتكب تلك الجريمة عادة ما يكون أحد أفراد الأسرة وبالتالي فالتحفيز وبحث ضمانات الحماية ضرورة، مشيرةً إلى أن الأطباء عادةً هم من يقومون بارتكاب تلك الجريمة بحق الفتيات ممن لا تستطعن امتلاك القدرة على اتخاذ إجراء التبليغ، وهو الأمر الذي يستوجب القيام بالتدخل اللازم لردعهم عن القيام بذلك.

وأكدت على أن الضرورة تقتضي مواصلة العمل على التوعية المجتمعية بخطورة الأمر على مستقبل النساء مما قد يعالج خلل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، فضلاً عن ضرورة تفنيد الادعاءات التي يتم سردها في هذا الأمر.

وترى فاطمة العوامري أن الواقع بحاجة لمزيد من العقوبات المشددة في تلك الجريمة، خاصة ما يرتكبه الأطباء فيها من جرائم تهدد أرواح النساء وليست أجسادهن فقط، مضيفةً أن للوعي دور هام لذا فلابد من الاستمرار على القيام به وعلى مساحات ومستويات أوسع.

واعتبرت أن جانب رئيسي من الحل يتمثل في التشجيع على التبليغ عن الجرائم باعتبار أن الردع أحد أهم وسائل منع ارتكاب هذا النوع من الجرائم، وإثناء من يمارسها عن ذلك.