حين يصبح البيت خشبة مسرح... الدعم النفسي في زمن النزوح

في ظل النزوح والخوف، برزت مبادرة هبة شحادة التي استعانت بالعلاج بالدراما والمسرح لتقديم الدعم النفسي للنساء والفتيات في غزة داخل بيوتهن، بعيداً عن مراكز الإيواء المستهدفة.

رفيف اسليم

غزة ـ بدعم من مؤسسة "أيام المسرح" وفّرت هبة شحادة مساحة آمنة للنساء والفتيات للتعبير والتنفيس، وأعادت للمشاركات شعوراً بالحياة في قلب المعاناة التي تعشنها.

يعتبر الدعم النفسي حاجة ملحة للمرأة، مع اشتداد وتيرة الضربات في كل يوم خلال النزوح، لكن كيف يمكن للنساء والفتيات على حد سواء الوصول إليه دون تعريض أنفسهن للخطر؟

 

العلاج من خلال الدراما

تقول هبة شحادة أخصائية العلاج من خلال الدراما والمسرح، التي عمدت إلى الوصول للنساء والفتيات في بيوتهن، أن الفكرة خطرت لها من المنطلق الأمني، أي حفاظاً على سلامتها وسلامة النساء والفتيات التي تقوم بتقديم خدمة الدعم النفسي لهن في منازلهن، ونظراً لصعوبة الحركة والمواصلات أيضاً، وللابتعاد عن فكرة ممارسة تلك المهمة بمراكز النزوح والإيواء التي دوماً ما تستهدفها القوات الإسرائيلية.

وتقوم الفكرة على البحث عن بيت عائلة مناسب من الأحياء القريبة منها وتجميع نساء البناء في منزل واحد لتقدم داخله فترة التأهيل النفسي التي تستمر لمدة 15 جلسة، تعمل المشاركات على التفريغ النفسي المقسمة لعدة مراحل بداية من تمارين التنفس والاسترخاء، وصولاً لمرحلة الرسم واستخدام الألوان، وحتى كتابة كل منهن لقصتها وتمثيلها وكأنها تقوم بتأديتها على خشبة المسرح وهذا ما يقصد به العلاج من خلال الدراما.

وشددت هبة شحادة على أن تلك الفكرة هي دعم وتنفيذ من مؤسسة "أيام المسرح" التي على الرغم من كافة الصعوبات والمعيقات التي تواجهها إلا أنها لا تزال مستمرة بدعم نساء وفتيات قطاع غزة خلال الهجوم، وفي تلك الأوقات الصعبة التي يمررن بها من تجويع، ونزوح، وخوف وفقد للمنزل والأحباء ونمط الحياة القاس المفروض عليهن وسط غياب أبسط حقوقهن.

وقد لاقت هبة شحادة، ردة فعل مختلفة من النساء خاصة اللواتي تجاوزن الخمسين عام، فقد كن تتحركن وتقفن وتركضن وتعبرن عن أنفسهن بطرق مختلفة، كما أن القصص التي روتها النساء والفتيات كانت معبرة، فقد لا يصدق القارئ أن من كتبت تلك القصة هي ربة منزل أو فتاة في الثامنة عشر من عمرها، مرجعة ذلك للألم الذي كان يحثهن على إخراجه بطرق مختلفة من ضمنها الكتابة.

وقامت النساء والفتيات، بتمثيل مشاهد النزوح والعودة للمنزل بعد أيام من الشقاء، كيف كانت تتفقد جدران المنزل والأثاث وكأنها في أحد متاحف روما الفاخرة، كما قمن بتمثيل دور عن غلاء الأسعار وكيف يعود الرجل من السوق بعد ساعتين من البحث دون إيجاد شيء يؤكل لينتهي الحديث بجملة "دبري حالك".

لا تنكر هبة شحادة، أنها في بعض الأحيان كانت تلتقي بنساء غير متعاونات يحاولن هدم تلك الجهود التي تقوم بها لكن ذلك النموذج لم يكن يمثل فئة كبيرة، بل غالبية النساء والفتيات يدعمنها لكي تكمل الأنشطة بالشكل الذي تراه مناسب، ولو كان الأمر به شيء من المشقة والتعب خاصة بالتزامن مع اشتداد المجاعة، لافتةً أنها في أخر الجلسة عندما كانت تودع أحد المجموعات كن تحزن وتطالبنها بالمزيد من تلك اللقاءات التي يسودها الفرح من قلب مدينة الموت.

 

الشوق لعودة الحياة الفنية في القطاع المحاصر

وقد لاحظت، أن النساء بحاجة للحديث بشكل مطول وموسع عن مخاوفهن وأحلامهن على حد سواء، والأهم أنهن تفتقدن للأمان وبحاجة له لذلك اعتبروا تلك الجلسات مساحة يمكنها توفير ذلك الأمان الزائف ولو لمدة ساعات من اليوم ليهربن عبرها من البؤس الذي يحاوطنهن على مدار عام وثمانية أشهر، لتشعرن أنهن ما زلن على قيد الحياة، وما زال بوسعهن التحليق ورؤية شبح الأمل في الأفق البعيد.

وأشارت إلى أنها عندما كانت نازحة في جنوب القطاع استطاعت تنفيذ عرض مسرحي متكامل يجسد معاناة النساء تحت عنوان "كلها يومين وبتخلص" والذي لاقى حضور جيد على الرغم من كافة الظروف، وقد أثبت ذلك الحضور ليس دعم النساء للمسرح فحسب بل شوقهن لعودة الحياة الفنية في القطاع المحاصر والمنهك.

وقالت أخصائية العلاج من خلال الدراما والمسرح هبة شحادة في ختام حديثها "من الصعب على مؤسسة أيام المسرح الاستمرار بعملها في ظل الظروف الحالية بسبب محدودية الموارد، لكنها حاولت منذ بداية الحرب تكييف البرامج لتوائم الظروف الحالية كورش التعبير الحر الخاصة بالأطفال والتي تعتمد على الدراما والرسوم المتحركة وإنتاج أفلام من بطولتهم، وورشة الحكواتي"، لافتةً إلى أن عدم ابتعاد المدربين عن أماكن سكنهم ونزوحهم هو شرط أساسي خلال تقديمهم للخدمة للتخفيف عنهم.

وقد قامت المؤسسة بتقديم ثلاث عروض مسرحية، تجوال في مراكز الإيواء والنزوح لمعرفة كيف يمكن للنساء مساندة بعضهن البعض، ومسرحية "نزوح" التي تحدثت عن مخاطرة الأطفال كي يعودوا للبيت المقصوف أو الذي نزحوا منه رغماً عنهم، والأخيرة "ع 6 الصبح" وهي تروي كيف بدأ الحدث أي الهجوم وكيف تعامل كل شخص مع أحداثه خاصة في بدايته.