حقائق لم تُروَ... شاهدة علوية تكشف كواليس مجازر الساحل السوري
الحقيقة لا تبقى في الظلام، شاهدة من الطائفة العلوية تتحدث عن مجازر الساحل السوري، وتكشف كواليس الدراما الدموية لجهاديي هيئة تحرير الشام.

سيلفا الإبراهيم ـ آفرين نافدار
الحسكة ـ كانت الطائفة العلوية من إحدى الطوائف التي واجهت مجازر مروعة ارتكبت بحقهم من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام، التي تهدف من خلال عقليتها المتطرفة إلى طمس التنوع الثقافي والديني في سوريا، وبناء نظام سلطوي يعمّق القمع والاستبداد اللذان كانا يمارسهما نظام البعث في سوريا.
كشفت شاهدة من الطائفة العلوية عن حقائق تعمدت الحكومة السورية المؤقتة لإخفائها عن العالم والتلاعب بها، ولكن كما يقال "من سمع ليس كمن رأى"، وفي سياق الكشف عن الحقيقة التقت وكالتنا بإحدى الشاهدات على المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري والتي راح ضحيتها الآلاف، دون رادع أو محاسبة دولية.
لم تكن (س. ع) من مدينة بانياس تعلم بأن الـ 8 من كانون الثاني/ديسمبر 2024، بداية لمعانة وقصص جديدة ستكتب بدماء العلويين في الساحل السوري، بعد أن ظنوا أنها بداية لأمل جديد سيقود سوريا نحو بر الأمان، وتقول "عقب سقوط نظام الأسد ظننا أن بتسليم الأسلحة وإجراء التسوية في الساحل السوري سيحقن الدماء، وعلى هذا الأساس استجاب الجميع لهذه الإجراءات".
وأضافت "لكن ما إن استجاب أهالي الساحل لهذه الإجراءات، بدأ الهجوم على منازلهم وإخراجهم منها إلى الشوارع وإرغامهم على النباح لإذلالهم وخدش كرامتهم"، لافتةً إلى أن "هذه الانتهاكات أثارت مخاوف الأهالي من تطور الانتهاكات إلى حالات القتل، ولكن دائماً كنا نطمئن أنفسنا بأنها إجراءات سطحية وسينتهي الأمر عما قريب، ولكن المؤسف أن كل يوم كان يزداد الأمر سوءاً وتزداد الانتهاكات وحالات القتل".
أفرغوا الرصاص في بطن امرأة حامل
في السادس من آذار/مارس الماضي، لم تكن شبكة النت متوفرة لدى عائلة (س. ع) رغم كل ما رأوه بأم أعينهم ظنوا خيراً بالقوات التي ادعت أنها تحارب فلول النظام وتقوم بإجراءات تفتيش وملاحقة أشخاص مطلوبين لدى العدالة "سمعنا في صباح يوم الجمعة أنهم دعوا لفزعة من كافة المدن السورية للقضاء على الطائفة العلوية، لنتفاجأ في ساعات المساء عندما فتحنا شبكة الإنترنت بالمجازر ضد العلويين لندرك حينها بأن جميع الأصوات التي كانت تُسمع والأخبار المظللة التي كانت تُنشر على الإعلام بأنها للتفتيش والإجراءات الأمنية كانت في الحقيقة مجازر لم يسلم منها أحد"، ذاكرة الكثير من الشخصيات التي قتلت بهذه المجازر منها طبيبات ومحاميات ومهندسين دون أي ذنب، وهناك عائلات قتلت بأكملها، ناهيك عن قتل الأطفال والتجارة بأعضائهم.
ولفتت إلى إحدى الحوادث التي راحت ضحيتها عائلة بأكملها "تم الهجوم على عائلة قتل فيها الأب والأم والابن والابنة وبقيت ابنتهم الحامل، لكن عندما منع زوجها المرتزقة بعدم قتلها رفقاً بالطفل الذي في أحشائها أفرغوا الرصاص في بطنها، بينما استهدف الزوج بكتفه، وهذه إحدى الحوادث التي يدنى لها جبين الإنسانية".
حرق سيارات بداخلها أناسٌ أحياء
لم تبقى تلك المشاهد التي أفزعت قلوبهم مجرد منشورات على مواقع التواصل الافتراضي، بل وصلت المجازر إلى عتبة بيوتهم وقد شهدت بعينيها على تلك المجازر "شهدتُ بأم عيني حرق سيارات بداخلها أناس أحياء، فضلاً عن حرق منازل المدنيين والمحال التجارية والأماكن المعنية بخدمة الشعب، إلى جانب اختطاف الشباب والاستهزاء بمطالبهم بالأمن والأمان والسخرية منهم وإذلالهم".
تصاعدت المخاوف لدى (س. ع) وعائلتها عندما رأوا أن أبناء وبنات الطائفة العلوية باتوا هدفاً لهذه المجازر بكل دم بارد "أثناء هجومهم على منزلنا طرقوا الباب بقوة، والخوف يكاد يبتلع قلوبنا، وسط الرصاص الطائش من كل مكان، صعدوا المبنى وبدأوا بالتفتيش وقاموا بسرقة محالنا التجارية دون أن يحرك أحداً منا ساكناً لأن كل من يرفع رأسه ليدافع عن نفسه أو يطالب بحقه يُقتل"، مشيرةً إلى أنهم هجموا على منزلهم ثلاثة مرات على التوالي بالأسلحة.
المقابر الجماعية
وبينت أن الشوارع كانت مليئة بجثث المدنيين ولا أحد يستطيع الاقتراب منها "بقيت الجثث في الشوارع ما يقارب ثلاثة أيام، وعندما شكلت لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الأحداث التي وقعت في منطقة الساحل السوري، وتحديداً المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين لأن الحكومة كانت تبرر للعالم بأنها تحارب فلول النظام، قاموا بجمع الجثث بالجرافات ووضعها في سيارات الشحن الكبيرة ودفنها في مقابر جماعية، أما في الأحياء القريبة من البحر قاموا برمي الجثث في البحر، مستهزئين بالقول "إن الأسماك جائعة"، وسعوا بذلك لإخفاء آثار المجازر الدموية عن المجتمع الدولي".
وعندما ازدادت المجازر دون أي تحرك دولي، اتجه معظم الأهالي إلى الأرياف "ظن بعض الأهالي أنهم سيسلمون من المجازر إذا قصدوا الريف، فالعديد منهم ناموا بين الأراضي الزراعية والحقول وسط البرد القارس، ولكنهم كانوا يتابعون الأهالي عبر الطائرات المسيرة ويلاحقونهم، وقد قاموا بحرق المنازل والقرى، ناهيك عن اختطاف النساء واتخاذهن كسبايا"، موضحة أن "فلول النظام منذ يوم الأول من سقوط النظام خرجوا من البلد، إذ أرادوا فعلاً ملاحقتهم فليلاحقوهم خارج البلاد".
الشعور بالغربة داخل الوطن
وتطرقت (س. ع) إلى الواقع الاقتصادي "جميع الموظفين في الدوائر والمؤسسات التي كانت معنية في إدارة شؤون الأهالي فصلوا وانحرموا من فرص العمل فقط لأنهم ينتمون للطائفة العلوية، بينما الذين كانوا يعتمدون على الزراعة قتلوا بين حقولهم، وانقطع الأهالي من جميع مصادر الدخل نتيجة الخوف والقلق، فحتى الخبز بات الحصول عليه مرهوناً بالحياة والموت".
وأشارت إلى أن "الطلبة الجامعيين توقفوا عن التعليم خشية على حياتهم، فالواقع الاقتصادي والاجتماعي تراجع بشكل كلي في الفترة الأخيرة ولم يبقى شيء كما هو وباتت المنازل سجون يحتمي بها الأهالي، حيث أن المجازر لم تتوقف، بل لا تزال مستمرة بشكل فردي وليس جماعي، والخطف لا يزال مستمراً"، مضيفة "واقع النساء بات أشد قسوة في ظل الجرائم التي ترتكب حيث أصبحن حبيسات المنزل، ومحور مخاوف العائلة لأن أي فتاة لو أطلت من شرفة منزلها لربما تتعرض للخطف، أصبحنا نشعر بالغربة في وطننا وهذا أسوء ما يمكن أن يشعر به المرء".
قائمة الجرائم بحق النساء تطول والسبب واحد "ذهنية داعش"
وأكدت أن العديد من الفتيات يتم خطفهن دون أن تبدي العائلة أي ردة فعل لأن ذلك سيعرضهم للقتل "بعد خطف الفتاة وعندما تصبح الحادثة على أجندة الأخبار ومواقع التواصل الافتراضي يبررون جريمتهم بمقاطع مصورة يجبرون الفتاة فيها على التظاهر بأنها سعيدة كيلا تتعرض هي وعائلتها للقتل والتهديد، ورأينا الكثير من هذه الظواهر"، معتبرة أن هذه الانتهاكات لا تختلف عن الانتهاكات التي ارتكبها داعش في إقليم شمال وشرق سوريا قبل سنوات، وهذا يبين الذهنية المشتركة فيما بينهما.
وبصوت يملئه الأسف قالت إن "المجتمع الدولي لم يبدي أي موقف، لو أبدوا الموقف منذ أول يوم من المجزرة لما استمرت المجازر إلى يومنا هذا"، وقد تعهد أحمد الشرع (الجولاني) بمحاسبة مرتكبي المجازر بينما (س. ع) التي كانت شاهدة على مجازر الساحل وعلى المسرحية التي لعبها جهاديي هيئة تحرير الشام والفصائل المرتزقة التابعة لها تقول "عندما دخل ما يسمى بالأمن العام كان من المفترض محاسبة الفصائل التي ارتكبت هذه المجازر وهذه كانت بشرة خير بالنسبة لنا، ولكن أصابتنا الدهشة عندما رأينا هذه الفصائل اندمجت مع الأمن العام، مع مسرحية خروج سيارات ودخول السيارات ذاتها، وأدركنا حينها أننا وليمة ويودون تقاسمنا فيما بينهم على مرأى العالم".
اليد التي ارتكبت المجازر لا يمكن أن تمنح الأمان
ولفتت (س. ع) إلى أن "مصطلح الطائفة كان مغيباً في قاموس المجتمع السوري ولكن بعد ارتكاب هذه المجازر، عززت الحكومة هذا الفكر والتمييز بين المجتمع، ولا يمكن أن تبنى الأوطان بهذه الذهنية، وإذا كانت الحكومة تظن بأنها ستبني سوريا بهذه الذهنية، أنا أقول سوريا انتهت ولا تبنى بهذا الخطاب الطائفي، فالطائفة العلوية بعد هذه المجازر باتت منطوية على نفسها لأنها لا تشعر بالأمان".
وعن تطلعاتهم كطائفة علوية وجزء من النسيج السوري، تقول "نود أن نعيش مع المكونات الأخرى ونساهم في بناء سوريا بالتكاتف بعيداً عن الحقد وخطاب الكراهية، لأننا عشنا على هذه الأرض علوياً ودرزياً وكرداً وعرباً وأرمن وشركس وسنبنيها معاً".
قصدوا إقليم شمال وشرق سوريا بحثاً عن الأمان
بعد المجازر التي شهدها الساحل السوري، توجهت (س. ع) مع عائلتها إلى إقليم شمال وشرق سوريا، وعن المعاناة التي واجهتها مع عائلتها في حين بحثهم عن مكان آمن، قالت بعبارات مليئة بالألم والأمل "توجهنا إلى إقليم شمال وشرق سوريا بحثاً عن السلام والأمان الذي افتقدناه في الساحل وحتى عندما بحثنا عنه لم نجده، ولكن هنا دون أن نبحث كان موجوداً مسبقاً والأجمل من كل شيء أن جميع المكونات هنا رحبوا بنا، واحتضانهم لنا كان بمثابة ملاذ آمن فلن نشعر هنا بالتفرقة الطائفية أو الدينية، والشيء الذي لفت انتباهي في المنطقة هو أنه يوجد تعاون مشترك بين المكونات".
وأشادت (س. ع) بنظام الإدارة الذاتية "إقليم شمال وشرق سوريا لا يقارن مع المناطق السورية الأخرى يكفيه فخراً أنه يملك جيشاً قوياً بمقدوره حماية شعبه وترسيخ الأمان والسلام في أرضه، ولا يترك فرصة لأي ثغرة تثير الفوضى في المنطقة، فضلاً عن التماسك الشعبي فيه رغم اختلافه".