بين التحدي والنجاح... تستمر المرأة في إدلب بعملها الإعلامي

استطاعت المرأة السورية في مدينة إدلب دخول المجال الإعلامي بكثير من الجرأة والتحدي، ونجحت في تغطية التطورات الميدانية، والمعيشية، والإنسانية، والاجتماعية، متجاوزة كل القوالب النمطية المقيدة لعمل المرأة في مجتمع ذكوري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

سهير الإدلبي
إدلب ـ .  
واجهت نهى الحسن (٣١ عاماً) الكثير من المصاعب حين بدأت العمل في مهنة الإعلام منذ أكثر من أربع سنوات، لاسيما التحديات المتعلقة بالوضع الأمني المتردي، والعادات والتقاليد الرافضة لعمل المرأة في هذا المجال، لكنها صمدت ونجحت بعملها؛ لإيمانها الراسخ بأهمية العمل الصحفي بالنسبة للمرأة في إثبات وجودها، وإيصال صوت المستضعفين إلى العالم.
تقول نهى الحسن أنها تعمل كصحفية مستقلة بمجال الصحافة المكتوبة، ولم يثنيها النزوح والأوضاع المعيشية والأمنية السيئة من متابعة عملها، كإحدى الوسائل الهامة في نقل الحقيقة ومعاناة الأهالي في ظل ما يتعرضون له من جرائم، وانتهاكات متعددة من كافة أطراف النزاع، مشيرةً إلى أن هذا العمل لا يخلو من الصعوبات المتعلقة بنظرة المجتمع السلبية لعمل المرأة، الذي يعتبر دخولها لمجالات كالإعلام "خرقاً للأعراف والتقاليد"، لكنها تمكنت من كسر تلك القيود والعقد المجتمعية، بعد أن أصبح عملها كامرأة أكثر وضوحاً وثباتاً ونجاحاً.
وتضيف أنها تعمل على تغطية المواضيع الإنسانية وقضايا المرأة التي تعتبر ضحية في الحرب، "مع إبراز ضعف المرأة وحاجتها إلى المساعدة أعمل على إظهار أدوارها الاجتماعية الأخرى، كصاحبة مبادرة وقيادية وناجحة، إذ لا يمكن أن نربط صورة المرأة دائماً بالضعف، لأننا سوف نبخسها حقها خاصة بعدما أظهرته خلال الحرب من صبر وإرادة وتحدي، وتأقلم ونجاح رغم كل ما مرت به من ظروف مأساوية، كفقدان المعيل والاعتقال والنزوح والفقر وقلة فرص العمل".
ومع بروز عدد من الإعلاميات ممن نجحنَّ على شاشات التلفزة، ووضعنَّ بصمتهنَّ على صفحات الجرائد والمجلات المحلية والإقليمية لم يعد ينظر إلى عمل المرأة في المجال الإعلامي على أنه محدود ونادر قياساً بالإعلامين الرجال، حيث تمكنت المرأة الإعلامية من رسم مجتمعها بقلمها وصوتها في جميع المجالات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة وحتى الإلكترونية.
ولعل أهم ما يميز عمل المرأة في المجال الإعلامي هو أن المرأة تكون أقرب في التماس مشاكل النساء السوريات، فتنظر إلى النواحي الإنسانية أكثر من النواحي العسكرية الأكثر ملائمة للإعلاميين الرجال، ليس ضعفاً من المرأة وعدم قدرتها على خوض هذه التجربة، وإنما لنظرة المجتمع الذي يعطي الإعلامي وزناً وقيمة أكبر في تغطية هذه النواحي الأكثر خطورة ومجازفة.
أما الإعلامية والكاتبة الصحفية سها العلي (٢٨عاماً) فقد أنجزت العديد من التحقيقات، ولم تتوانى عن كتابة أكثر التقارير خطورة من حيث التجاوزات والانتهاكات الواقعة بحق المدنيين، من خلال تحقيقات استقصائية أعدتها بكثير من "الدقة والمهنية والحذر". فكما تقول "الإعلام سلطة حقيقية وهو العين التي تراقب ما يجري، أشعر بأهمية عملي الصحفي حين أتكلم ولا أسكت عن الظلم، وأتناول كافة القضايا التي تتعلق بالفئات الأكثر تهميشاً كالأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة، وقضايا المرأة السورية".
كل التحديات التي واجهت عمل المرأة في العمل الإعلامي لم تقلل من درجة الاتقان الذي تضفيه على إنتاجها الإعلامي، ولم تمنعها من تطوير قدراتها الإعلامية باستمرار. 
الإعلامية والمدربة الصحفية هاديا المنصور أطلقت العديد من التدريبات الصحفية لتمكين النساء في العمل الصحفي، وتم تخريج العديد من الصحفيات ممن يمارسنَّ المهنة بقوة في مناطق شمال غرب سوريا. تقول "دخول المرأة مهنة الإعلام أمراً في غاية الأهمية وسط ما يحدث داخل المنطقة من متغيرات، ولأن المرأة السورية جزء من المجتمع، فلا يمكن الاستهانة بقدراتها بكل المجالات، والمجال الإعلامي ليس استثناءً، ولعل قضية مشاركة المرأة ومساهمتها في مختلف نشاطات المجتمع لم تعد مجالاً للمناظرة، بل إن الواقع وسير الأحداث يفرضها حقيقة موضوعية".
وتتابع إن الإعلام المعاصر لم يعد مجرد أداة لتوصيل المعرفة، وتزويد الناس بالخبر والحدث، أو حتى مجرد وسيلة للترويح والترفيه والتسلية، بل تعدى ذلك بعد تطور وسائله وتعددها ليصبح محتوياً على جميع ما سبق، بالإضافة إلى تحوله إلى أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مستقبلاً للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقلياً وفكرياً وسلوكياً بها، لذا كان لابد من منع إقصاء المرأة السورية من المشاركة بالعمل الإعلامي الذي أثبتت نجاحها به يوماً بعد يوم.  
وتواجه الصحفيات والإعلاميات مخاطر عديدة ومتنوعة، وانتهاكات كان آخرها ما حدث مع الناشطة الإعلامية نور الشلو التي اعتقلت لدى هيئة تحرير الشام مدة ثلاثة أشهر وأفرج عنها مؤخراً، لكنهنَّ يؤكدنَّ الاستمرار بالعمل، ومواجهة هذه المصاعب لإيصال صوت الناس ونقل الصورة كاملةً عن المعاناة في هذه المنطقة. 
وفي إحصائية للمركز السوري للحريات الصحفية عام ٢٠١٧ تبين أن هناك مجموعة من الانتهاكات بحق العاملات في المجال الإعلامي، حيث تم توثيق ٢٢ انتهاكاً بحق الإعلاميات بينها مقتل ٤ إعلاميات، و١٢ حالة خطف واعتقال، و٦ انتهاكات أخرى كالضرب والتهديد والتعنيف والضغوطات لمنع العمل.