ارتفاع ظاهرة الانتحار في المغرب... الأسباب والدوافع

ارتفعت خلال السنوات الأخيرة في المغرب ظاهرة الإنتحار لدى النساء والرجال. وكالتنا وكالة أنباء المرأة أردت تسليط الضوء على هذه الظاهرة من خلال تقرير عن ظاهرة الانتحار في صفوف النساء من أجل الوقوف على الأسباب التي تدفع البعض على الإقدام على الانتحار

حنان حارت
المغرب- .
 
5 حالات انتحار خلال أسبوعين
لم يكن يتوقع معارف وأقارب حنان، أن تقدم على الإنتحار وهي في ريعان شبابها. ففي السادس من آذار/مارس الجاري، اهتزت مدينة طنجة شمال المغرب على وقع فاجعة انتحار فتاة في مقتبل العمر، بعدما وضعت حداً لحياتها شنقاً بواسطة حبل مضفور داخل منزلها.
وحسب مصادر مقربة من عائلة الضحية حنان، فإن الفتاة كانت تعيش حياة عادية دون أن تظهر عليها أية حالة اكتئاب أو مرض نفسي.
وتقول المصادر ذاتها إن إقدام الشابة حنان على الانتحار جاء بعد توقيفها عن العمل من الوحدة الصناعية المتخصصة في صناعة النسيج من طرف مشغلها، ويعتقد المقربون من حنان أن يكون طردها من العمل سبباً من أسباب إقدامها على الانتحار.
وليست هذه هي الواقعة الوحيدة التي حدثت في ذلك اليوم شمال المغرب، بل هناك حادثة أخرى وقعت في مدينة القصر الكبير، حيث أقدمت سيدة مغربية أخرى على وضع حد لحياتها شنقاً، داخل بيت الزوجية.
وحسب المعطيات المستقاة من مكان الحادث، فإن السيدة تبلغ من العمر 49 سنة، وهي أم لثلاثة أطفال، أقدمت على شنق نفسها بواسطة حبل داخل حجرتها في المنزل الذي تقطنه.
وذكرت مصادر مقربة من المعنية، أن الأخيرة كانت تعاني من اضطرابات نفسية نتيجة مشاكل أسرية، وسبق لها أن هددت مراراً بالانتحار، كما تم إنقاذها من موت محقق في واحدة من محاولاتها لإنهاء حياتها.
وفي 12آذار/مارس، سجلت مدينة اليوسفية محاولة انتحار لفتاة بتناول أقراص إبادة الفئران، حيث تمكنت أسرتها من إنقاذها بعدما أخذتها على وجه السرعة نحو المستشفى.
وفي 11 آذار/مارس، اهتزت جماعة سطيحات الساحلية، الواقعة بين إقليمي الحسيمة وشفشاون، على وقع إقدام سيدة أخرى متزوجة، بوضع حد لحياتها شنقاً.
وأوضحت المصادر، أن السيدة البالغة من العمر أربعين عاماً، خلفت وراءها خمسة أطفال، بعد أن تم العثور عليها جثة هامدة، معلقة بواسطة حبل داخل منزلها، وذلك في ظروف لازالت غامضة.
وفي 27 من شباط/فبراير الماضي، كانت سيدة أخرى في عقدها الخامس، ألقت بنفسها من الطابق الثالث لمنزل أسرتها الواقع بحي السلام بمدينة القصر الكبير، لتضع بذلك حداً لحياتها وسط ذهول أسرتها ومعارفها بالحي.
ووفق مصادر فإن السيدة البالغة من العمر 53 عاماً، لقيت مصرعها بالمكان عينه نتيجة ارتطامها بقوة كبيرة مع أرض صلبة، وإصابتها بكسور وجروح خطيرة على مستوى رأسها.
وبحسب المصادر ذاتها، فأنها كانت تعاني من اضطرابات نفسية ناتجة عن مشاكل مع زوجها، وكانت تتردد كثيراً على الأطباء، ما دفعها إلى وضع حد لحياتها بهذه الطريقة المأساوية.
 
نظرة المجتمع
التقت وكالتنا مع امرأتين، واحدة سبق وحاولت الإنتحار، فيما الأخرى كانت لها هواجس الإنتحار نتيجة الظروف التي كانت تعيش فيها، و ذلك من أجل فهم الأسباب التي تدفع بعض النساء إلى الإنتحار. 
قالت كريمة (اسم مستعار) 27عاماً، من مدينة الدار البيضاء والتي رفضت الكشف عن هويتها، أنه سبق وحاولت الإنتحار، لكن تم إنقادها.
تضيف كريمة إن الحادث وقع قبل ثلاث سنوات، حينما كانت تربطها علاقة مع شاب كان قد وعدها بالزواج، وبعدما سلمته نفسها، تملص من وعوده واختفى، وتكمل إنه خلال تلك المرحلة من حياتها لم تعرف كيف تتصرف ولم تدري كيف ستعيش بعدما فقدت حب حياتها، "كم كنت حمقاء عندما فكرت في وضع حد لحياتي، ولكن دافعي إلى ذلك أيضاً في تلك الفترة أني كنت خائفة من نظرة المجتمع، وخائفة من العار الذي قد أجلبه لوالدي. كل ذلك جعلني تلك الفترة أعيش في دائرة كنت أرى الدنيا من خلالها تسود في عيني ولم يبق أمامي إلا الانتحار".
تقول كريمة إنه بعدما أقنعت نفسها بفكرة الإنتحار باتت تفكر في الطريقة التي ستتخلص بها من حياتها، ففكرت بشرب سم الفئران، لكن محاولتها باءت بالفشل بعد أن تم إنقادها ونقلها والداها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية.
وتضيف أنه بعد إنقادها لم تستطع إخبار والديها أن سبب انتحارها كونها فقدت عذريتها، ولكن بعد إلحاح منهما عن دوافعها نحو الإنتحار أخبرتهما أنها لا تعرف كيف فكرت في ذلك وأن بطالتها الطويلة هي من جعلتها تقدم على الانتحار.
وتتابع حديثها أنها خلال تلك المرحلة، تعرفت على شاب على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وأخبرته بقصتها، فعرض عليها الزواج على أن يظل أمر فقدان عذريتها سراً بينهما.
وتشير كريمة إلى أنها الآن تعيش حياة سعيدة برفقة زوجها، وأنها مدينة له بحياتها لأنه أخرجها من دائرة الإكتئاب والإبتعاد عن فكرة الإنتحار؛ وهي الآن أم لطفلين، وتقول بأنها لن تفكر أبداً في الانتحار مهما حدث في حياتها.
 
العنف دافع نحو الإنتحار
أما ربيعة 44 عاماً من مدينة المحمدية، وهي الأخرى رفضت الإفصاح عن هويتها، تقول إنها كانت تفكر في الانتحار عندما كانت على عصمة زوجها، الذي كان يمارس عليها شتى أنواع التعنيف؛ معنوياً ونفسياً وجسدياً، ومادياً، وأحياناً كان يمتد للعنف الجنسي، تقول إنها عاشت طوال عشرة سنوات وهي تعاني يوماً بعد يوم مع زوج كان يتعامل معها وكأنها قطعة أثاث في البيت. تضيف إن تصرفاته وانفعالاته على أبسط الأشياء ولد لديها فكرة الإنتحار.
وبتأثر بالغ تقول "كانت خلافاتنا وجدالنا ينتهي بضربه لي أمام أعين بناتي، يكيل لي اللكمات ويشتمني بأقبح الكلمات، وصبرت طوال مدة زواجي به على إهاناته اليومية، لأنه لم يكن لدي من ألجأ إليه فوالدي توفيا وإخواني كل واحد يعيش حياته مع شريكته، لهذا كنت أقول في نفسي أين سأذهب بأطفالي وأنا لست مستقلة مادياً، فمن سيعيلنا؟".
 وأمام هذا الوضع، وكثرة الضغوطات تولدت لدي فكرة الإنتحار، وكنت في كل مرة تعرضت للعنف الزوجي كنت أفكر في الطريقة التي سأتخلص بها من هذه الحياة، لكن كنت أفكر في بناتي الثلاثة، لمن سأتركهم، وسرعان ما كان ذلك يجعلني أتراجع عن فكرة الإنتحار.
وتضيف أنها في آخر المطاف لجأت للقضاء من أجل تطليقها، بعد أن وجدت عملاً حتى تتمكن من العيش بسلام وتصالح مع ذاتها. 
 
5.3 حالة انتحار بين كل 100 ألف نسمة
رغم عدم وجود إحصائيات رسمية في المغرب حول ظاهرة الإنتحار في صفوف النساء، إلا أن الدراسات التي تقوم بها بعض الجمعيات الغير حكومية تفيد بأن 5.3 حالة انتحار تحصل من بين كل 100 ألف نسمة، كما يعد المغرب من البلدان القليلة التي ترتفع فيها نسبة انتحار النساء مقارنة بالذكور.
وكان استقراء أجرته" ابتسامة رضا" وهي منظمة غير حكومية، في 5 شباط/فبراير، أشارت فيه إلى ارتفاع كبير في الإقبال على خط المساعدة الهاتفية "أوقفوا الصمت"، حيث بلغ 92 في المئة في فترة الحجر الصحي.
وكشفت "ابتسامة رضى" في حصيلتها السنوية، لمواجهة ظاهرة الانتحار في العالم الرقمي، وتوفير الخدمات للشباب ومساعدتهم على تجاوز أزماتهم النفسية، أن خط المساعدة "أوقفوا الصمت"، سجل نسبة عالية في النداءات الواردة عليه، ناهزت 78 في المئة، في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2020، مقارنة مع الفترة نفسها من 2019.
وسجلت المنظمة ذاتها، أنها وقفت على ارتفاع قياسي في نسبة المكالمات الواردة على خط المساعدة، إذ وصلت إلى 92 في المئة، ما بين آذار/مارس وحزيران/يونيو 2020، وهي الفترة التي تزامنت مع فرض الحجر الصحي بشكل مشدد في المغرب. وأشارت إلى أن هذه الأرقام تدل على أن الأزمة الصحية، أثرت بشكل كبير على نفسية الشباب ونمط عيشهم.
 
رأي علم الإجتماع
وأكدت باحثة علم الاجتماع هاجر المفضلي لوكالتنا، أن ظاهرة الانتحار شهدت ارتفاعاً كبيراً في المغرب في السنوات الأخيرة، ولا سيما في صفوف النساء، مشيرةً إلى أنها أصبحت ظاهرة مقلقة في عمومها من الناحية الإنسانية، وتطرح إشكالية جودة الحياة اجتماعياً.
وبينت بأن ما نجده مقلقاً أكثر هو عدم تضافر الجهود بعد، لدراسة هذه الإشكالية وتفكيك خصوصياتها في المجتمع المغربي، من طرف الباحثين في مجال العلوم الإنسانية، والذين يواجهون بدورهم صعوبات منهجية، لكون المعطيات المستقاة من محيط الضحايا لا تكون دقيقة في الغالب ولا تعبر عن الواقع المعاش للنساء بكل ما يتضمنه من إكراهات، في ظل ميل المجتمع إلى التستر وإخفاء بعض الأحداث خوفاً من الوصم الاجتماعي.
وفي ظل غياب دراسات وطنية خاصة بالمغرب حول الانتحار، تقول هاجر المفضلي أن معظم المحاولات التفسيرية الرائجة تميل إلى الاستناد على دراسة عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم حول الانتحار، والذي يربطه بدرجة الاندماج في الجماعة أو المجتمع، إلا أن هذه المحاولات لم تستحضر البعد الجندري للظاهرة، ووضعيات النساء في المجتمعات المتشبعة بالثقافة الذكورية، والتي تشهد تصاعداً في مختلف أشكال العنف الجنسي. 
ومن هذا المنطلق تقول هاجر المفضلي "أن الانتحار هو تجلي صريح ومباشر "للموت الاجتماعي" نظراً لاتساع مساحة التابوهات في حياة النساء، خاصةً وأن الانتحار الناتج عن وضعيات مثل الاغتصاب أو التحرش والعنف الجنسي، قد يخضع للتستر والكتمان الثقافي، ويزيد الأمر تعقيداً في حالة كان المغتصب أو المتحرش من المقربين.
إضافة إلى هذه الوضعيات، تضيف إن بعض النساء في المغرب يعانين من الهشاشة على المستوى النفسي والاجتماعي، نتيجة التنافر بين متطلبات الواقع في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وبين ما هو ثقافي رمزي يقيد حركة النساء، وأمام ذلك قد لا تجد بعض النساء غير الانتحار كطريق للخلاص.
 وترى هاجر المفضلي أنه من الضروري ربط ظاهرة الانتحار بمجموعة من العوامل الأساسية كالرقعة الجغرافية والعادات والتقاليد السائدة وأنماط التدين والمستوى الاقتصادي، كمنطلقات أساسية في تقديم القراءة والتحليل لمختلف الضغوطات التي تتعرض إليها النساء والتي من المحتمل أن تؤدي بهن إلى فعل إنهاء الحياة.
 
منظور علم النفس
ويرى دكتور علم النفس محسن بنزاكور، أنه عندما نتحدث عن الإنتحار يجب ألا نسقط في فخ التمييز لأن هناك انتحار للنساء والرجال وحتى لا نسقط في مقاربة الجندري التي فيها إقصاء للمرض، ويضيف قائلاً "إن الانتحار بشكل عام لدى الإنسان تسبقه أمراض إما أن تكون ناتجة عن ما هو مرض عضوي لدى المنتحر أو في الغالب أن الإنتحار يكون له ارتباط بالبيئة والظروف التي يعيش فيها".
وبالنسبة للحالة الأولى يوضح محسن بنزاكور أنها تكون ناتجة إما عن مرض القلق ويكون بسبب الكآبة الحادة للإنسان أو تقلب في المزاج أو بسبب الحالة النفسية وفي بعض الحالات لا تكون هناك متابعة للمرض، وبالتالي عدم الاستشفاء، وهنا يمكن أن تتولد فكرة الإنتحار.
وهناك الشق الثاني المتعلق بالبيئة الإجتماعية، فالحالات التي تنتحر فيها المرأة تكون بسبب البيئة المحيطة، التي تكثر فيها الضغوطات وفي بعض الأحيان تكون بنيتها الشخصية مهزوزة ولا تؤهلها على تحمل الضغوطات في آنيتها لاستمرارها، وأيضاً في عدم وضوح الرؤية في الخروج من هذه الأزمة.
ويشير إلى أنه عندما تجتمع كل تلك الأمور يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإنتحار لدى البعض. ويضيف أن طرق الانتحار لدى النساء في المغرب غالباً ما تكون عن طريق تناول سم الفئران أو يلجأن لوسائل الشنق لكنها تبقى قليلة الحدوث، أو عن طريق الارتماء من مكان عالي.
أما عن طبيعة الضغوطات فيقول الدكتور محسن بنزاكور إنه غالباً ما تكون عدم قدرة المرأة على تحمل تبعات الأطفال والمسؤولية نتيجة تملص الزوج من مسؤولياته أو هجرانه، أو في حالة حدوث حمل خارج إطار الزواج فيكون هناك ضغط لتحمل المسؤولية، إضافة إلى ضغط شرف الأسرة، وعدم وضوح الرؤية في المستقبل، ثم مسألة نظرة المجتمع، كيف ترى نفسها أمام العائلة والمجتمع ككل، حيث أن المجتمع يعطيها إحساس بالذنب وأنها المسؤولة الوحيدة عما وقعت فيه، دون محاسبة الرجل.
وهناك حالة أخرى وتكون مرتبطة  بالعمل وتبقى قليلة، ولكن يمكن لبعض النساء التي تكون ظروف العمل فيها نوع من الإبتزاز خاصة بالنسبة للعاملات في المنازل، حيث في بعض الحالات قد يتعرضن للضرب من طرف مشغلهن أو العنف اللفظي أو الاستغلال الجنسي أو الاحتقار، والضغط المستمر والمتكرر، مع عدم التفكير في إمكانية الخروج من المأزق والأزمة، وبالتالي توارث هذه الظواهر يمكن أن يؤدي إلى قرار الانتحار.
هناك أيضاً العنف المستمر والمتكرر، حيث يشكل العنف اللفظي والمالي والجسدي والجنسي والضغوطات اليومية إلى تكون أفكار ظلامية وسوداوية قد تؤدي أحياناً بالنساء إلى الإنتحار، أيضاً هناك الإغتصاب فبعض الحالات يمكن أن تؤدي إلى التفكير في الإنتحار هرباً من نظرة المجتمع.
ويختتم دكتور علم النفس محسن بنزاكور حديثه بالقول "إن هذه الأمثلة هي للتقريب وليست للتعميم، مشيراً إلى أنه  ليس كل من يعيش هذه الظروف يمكن أن يؤدي به الأمر إلى الانتحار".