باحثات يؤكدن تأثير أزمة سد النهضة على النساء في مصر

لا تزال الأزمة التي أطرافها ثلاث دول مصر والسودان وإثيوبيا تدور رحاها، فالاحتمالات كثيرة من التأثيرات السلبية على مصر، جراء الانخفاض المحتمل لحصة مصر من مياه النيل، والتي ستؤثر على نواحي كثيرة من الحياة منها الزراعة والصناعة وقطاعات الاستصلاح

إيناس كمال
القاهرة ـ والاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وغيرها.
حذرت دراسات من تأثير سد النهضة المحتمل على الحياة الزراعية في مصر، منها دراسة أعدها باحثون مصريون في جامعات أمريكية، ونشرت في مجلة البحوث العلمية "Environmental Research Letters"، والتي أوضحت أن متوسط إجمالي عجز الميزانية السنوية المتوقعة للمياه في مصر خلال فترة الملء قد تصل إلى قرابة 31 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يتجاوز ثلث إجمالي ميزانية المياه الحالية لمصر، في حالة عدم إنجاز جهود التخفيف والمواجهة المحتملة من قِبل السلطات المصرية المعنية.
وأشارت الدراسة أن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة، قد تصل إلى 72%، كما يتوقع أن ينخفض الناتج القومي للفرد في مصر بنسبة قد تصل إلى 8%، ومن ثم وصول معدل البطالة إلى نسبة قد تصل إلى 25%.
 
لكن ماذا عن تأثير سد النهضة على النساء جراء تلك الأزمة؟ تجيب عدد من الباحثات المصريات عن هذا السؤال.
رئيس مجلس إدارة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد، قالت إن الأغلبية من السكّان في مصر هم من الريفيين وبالطبع النساء سوف يعانون من نقص المياه خاصة في المناطق المُتضرِّرة من نقص الموارد المائية، فنتيجة لذلك سوف يفقد أكثر من 40% (كما تتوقع بعض الدراسات) من الفلاحين والعاملين بالمجال الزراعي مصدر رزقهم الأول كنتيجة أولى لتبوير معظم الأراضي الزراعية؛ نتيجة لنقص المياه التي سببها السد وأغلب العاملين بالأراضي الزراعية والمزارع من النساء.
وأضافت انتصار السعيد أن نسبة البطالة في مصر سترتفع إلى أكثر من 35% كنتيجة لما سبق وهذا سيؤثر على فرص النساء في سوق العمل وستكون أقل من السابق.
كما ترى انتصار السعيد أنه سترتفع نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 25% (كما تشير بعض الدراسات) وذلك بسبب الارتفاع الهائل الذي سوف يحدث في الاسعار، نتيجة انخفاض المحصول الزراعي المحلي واستيراد أغلب الخضروات والفواكه من الخارج مما سيؤثر في زيادة الأعباء الملقاة على عاتق النساء.
أما الباحثة والمحللة الاقتصادية ريم سليم فترى أن تأثير أزمة سد النهضة على النساء في مصر سيظهر في مدى متوسط وطويل الأجل أي من 5 إلى عشر سنوات، أما قنوات انتقال هذا التأثير من أزمة نقص المياه هما قناتين، الأولى سيكون تأثيرها من حيث نقص المياه على الإنتاج الزراعي في مصر وهذا سيؤثر بالأساس على المرأة الريفية، أما الثانية تأثيرها من جهة أزمة المياه على الموازنة العامة وبالتالي التأثير على برامج الدعم الاجتماعي التي تقدمها الحكومة للنساء.
وأوضحت بأن "أزمة سد النهضة ستؤثر على كمية الإنتاج الزراعي، فسيحدث جفاف للأراضي الزراعية وسيقل الإنتاج وإجمالي المحاصيل وبالتالي ستتأثر المرأة الريفية العاملة في القطاع الزراعي والتي تعتبر عمالة غير رسمية تعمل بنظام "الأسرة" أي في ظل أسرتها، وبالتالي جزء كبير من حقوقها كعاملة غير موجودة، فليس لها أجر خاص أو شبكة أمان اجتماعي خاصة بها، وتخضع لشبكات أمان اجتماعي غير رسمية مثل الأسرة والأقارب والجيران والمساعدات داخل قريتها، ولا توجد أي برامج لتمويلها، كما أن جزء من الريفيات هن نساء معيلات لأسرهن وبحسب الإحصائيات فإن 33% من نساء الحضر معيلات و66% من الريفيات يعلن أسرهن و40% من الأسر في مصر إجمالاً مصدر دخلها الوحيد المرأة". 
وأضافت ريم سليم أن المرأة الريفية ستواجه ضعف كبير في قدرتها التمويلية نتيجة انخفاض الإنتاج الزراعي، ومن ناحية أخرى لن تجد تعويض لأنها غير موجودة في شبكة دعم اجتماعي قوية، وسيزيد انصياعها لشبكات الدعم غير الرسمية لتعويض النقص الذي سيفرضه نقص الإنتاج الزراعي، وبالتاي  سيقلل استقلاليتها وينتج عنه مشاكل اجتماعية كثيرة. 
وأشارت إلى أن "الدولة ستواجه اتساع كبير في الانفاق العام على مشروعات المياه وبالتالي ستغير أولوياتها في الموازنة العامة من الإنفاق على الدعم الاجتماعي إلى الانفاق على مشروعات المياه والقروض لتسديد تكلفة استثمارات مشروعات المياه، والمرأة ستجد ضعف في مشروعات الدولة الموجه لها مثل الدعم والتكافل الاجتماعي في برنامج "تكافل وكرامة".
وأكدت بأن الحل هو إيجاد مؤسسات تمويلية تقدم قروض تمويلية للمرأة سواء للتمويل الاستهلاكي أو مشروعات صغيرة، فبعد أزمة سد النهضة ستحتاج المرأة للانخراط في مشروعات لا تحتاج مياه كثيرة مثل مشروعات الحرف اليدوية أو الصناعات الصغيرة كما ستحتاج مصر إلى حاضنات أعمال تناسب المرأة الريفية ومتجهة إلى تنميتها وتقدم لها المشورة الفنية والمالية لنجاح المشروعات الجديدة وأن تصمم الدولة شبكات أمان اجتماعي للمرأة الريفية التي تعمل عمالة غير رسمية داخل نظام الأسرة في إطار كله متأثر سلبياً من الأزمة، لأن شبكات الأمان الاجتماعي الموجودة حالياً غير متناسبة مع الآثار السلبية التي ستحدث نتيجة أزمة سد النهضة. 
وبينت بأن المرأة في الريف من البداية لا تخضع لنظام عمل يضمن حقوقها بل تخضع لنظام عمل يجعلها تابعة وليست عاملة مستقلة حتى وأن حُلت أزمة النهضة، سيكون هناك أزمات أخرى تستغل فيها المرأة ولا تأخذ أجر يناسب مجهودها في العمل ولا تأمين يناسبها، وسيكون هناك تأثير على نساء المدينة من خلال التأثير على الموازنة العامة، لأن الموازنة ستتجه للإنفاق على مشروعات المياه وبالتالي سيقل الدعم الحكومي المقدم للخدمات العامة وستواجه المرأة ارتفاع الأسعار بشكل عام في ظل ثبات نسبي للأجور وبالتالي سترتفع تكلفة المعيشة وستحتاج إلى التخفيض من إنفاقها أو الاتجاه إلى القروض لتمويل استهلاكها.
وبرؤية حذرة تتفق، الباحثة والناشطة النسوية داليا وصفي، مع الرؤية السابقة، رغم أنها ترى أنه لا قلق على أمن مصر المائي، فلدى مصر بدائل مختلفة لتأمين المياه للمصريين، كما أنه لدى الحكومة خطط لتعويض ذلك، لكنها ترى أنه في حالة حدوث أي تأثير ستكون المرأة الريفية في مقدمة المتضررين من الأزمة بما أنها تتعامل مباشرة مع الزراعة والمياه، وستتأثر نتيجة اضمحلال مساحة الزراعة وإنتاج المحاصيل.
وتضيف داليا وصفي، أنه أي تأثير يحدث للمرأة الريفية نتيجة العوامل السابقة، ستنعكس نتائجه على حياتها الاجتماعية أيضاً، وربما يتسبب نقصان الناتج الزراعي لدى العائلة في نقص الموارد المالية وإضافة أعباء عديدة على كاهل الأسرة وبالأخص النساء، "ربما نشهد حالات طلاق عديدة داخل الأسر الريفية بخلاف المشكلات التي قد تنشأ نتيجة ازدياد الفقر داخل الأسر".
يأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه عدد من القيادات النسائية بإحداث صوت لاحتواء أزمة سد النهضة ومنهم من أسسوا منتدى باسم "نساء حوض النيل" كأول ائتلاف نسائي في قارة أفريقيا يهدف إلى تعزيز العلاقات بين دول حوض النيل، وتفعيل دور القوى الناعمة في التعاون الشعبي المشترك في النهوض بالدول وتذليل المعوقات والأزمات وفي مقدمتها أزمة سد النهضة.