النفايات... مصدر رزق نساء وأطفال في إدلب

دفعت الأحوال المعيشية الصعبة الكثير من النساء والأطفال في إدلب للتنقيب بالنفايات في مشاهد مؤلمة أصبحت جزءاً من الحياة اليومية، باحثين عما يمكن الاستفادة منه وبيعه والحصول على ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم وعائلاتهم

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
"بلم زبالة أحسن ما أشحد" هكذا عبر الطفل محمد العمر البالغ من العمر (١٢) عاماً عن تفضيله العمل بالتنقيب بالنفايات على أن يمد يده للناس ويطلب المساعدة من أحدهم، ويقول وقد لف السواد وجهه وعمت الأوساخ ملابسه جراء البحث في النفايات طوال اليوم حاملاً كيساً يكاد يمتلأ بما يمكن أن يستفيد منه أن "العمل ليس عيباً، لكن العيب هو ما أوصلنا له كل من تاجر بدمائنا واستهان بكرامتنا". 
يبحث محمد في النفايات عن عبوات معدنية وبلاستيكية لبيعها وثياب لارتدائها وحتى بقايا طعام وفاكهة يسد بها جوعه.
وتعتبر فئة الأطفال الأكثر ممارسة لمهنة التنقيب في النفايات بعد أن دمرت الحرب مدارسهم وأحلامهم ومستقبلهم وأجبرت الأهالي النازحين على الاعتماد على عمل أبنائهم لمواجهة الغلاء وقلة فرص العمل.
اعتاد الطفل حيان المرعي (١٠) سنوات على الانطلاق مع ساعات الصباح الأولى مصطحباً كيساً كبيراً فارغاً باتجاه المكب القريب من مخيمهم في كفرلوسين باحثاً عن خردوات. ويقول وقد بدأ بعملية البحث بين القمامة لتوه مستخدماً عصا خشبية أن والده متوفى ولا معيل لهم، وأن بعد مخيمهم عن المدن وقربه من مكب النفايات في المخيم دفعه للعمل في جمع المعادن وبيعها ليحصل على بعض المال فيعطيه لوالدته من أجل شراء الطعام له ولإخوته.
ويضيف "لم أحظى بدخول المدرسة حتى اللحظة، وكل ما أعرفه عن هذه الحياة فقط الحرب والفقر والبؤس الذي بات جزءاً من عالمنا المحصور هنا بين جدران المخيمات ومكبات القمامة".
لم يقتصر جمع القمامة والتنقيب في النفايات على الأطفال وإن كانوا الأكثر عملاً بها، وإنما أيضاً راحت النساء تمتهن التنقيب في النفايات بعد أن عجزن عن تحمل أعباء الحياة بمفردهن.
الثلاثينية صبرية العلي لا تجد حرجاً من الخروج من مخيمها الواقع في بلدة حربنوش مع طفليها صباحاً قاصدة المكب القريب من البلدة بحثاً عما يمكن جمعه والاستفادة منه.
تقول وقد سارعت لالتقاط إحدى الأدوات المصنوعة من المعادن "ما جبرك على المر غير الأمر منو". وتنحصر ساعات عملها بين ساعات الصباح الأولى وحتى الظهيرة حين ترتفع درجات الحرارة وتصبح لا تحتمل فتعود أدراجها.
"ربما ليس من السهل العمل في النفايات وتحمل ما يصدر منها من قذارات وروائح كريهة ريثما أتمكن من جمع بعض الأشياء كالمعادن، والخبز اليابس، وعبوات المشروبات الغازية الفارغة، ولكن ليس باليد حيلة وليس من بديل آخر" كما تقول.
تعيش صبرية العلي حياة تفتقر لكل المقومات الأساسية حيث لا مياه ولا كهرباء ولا تعليم لأطفالها، وحتى لا عناية طبية وإن لم تجد سبيلاً لعمل ما ربما سيكون الوضع أسوأ بكثير.
تحصل على مبلغ خمس وعشرون ليرة تركية في اليوم كحد أدنى لقاء بيع ما تجمعه من خردوات فتستعين بها على تحمل ما وقع عليها من أعباء بعد عجز زوجها عن إيجاد عمل ما ليساعدها هو الآخر بجمع النفايات.
وعلى الرغم من اعتبار النفايات مصدر رزق للكثيرين في إدلب غير أنها وعلى الجانب الآخر لا يمكن تجاهل ما تحمله في طياتها من أمراض وأوبئة راح يصاب بها الكثيرون.
وعن تلك المخاطر تتحدث الطبيبة روان اليوسف (٣٨) عاماً قائلة إن النفايات تحوي الكثير من الجراثيم وهي السبب في انتشار الكثير من الأمراض أهمها الالتهابات الجلدية، الكزاز، التهاب الأمعاء، الحساسية، اليرقان، السحايا وتلف في الكلى.
محذرة من الاقتراب من النفايات وخاصة بالنسبة للأطفال الفئة الأكثر عرضة للأمراض نتيجة ضعف مناعة أجسادهم الصغيرة وعدم وعيهم بكيفية التعامل مع مثل تلك العوامل والأخطار.
وفي إحصائية نشرها موقع "indexmundi" نقلاً عن كتاب "حقائق العالم" الذي تصدره المخابرات الأمريكية، ظهرت فيها سوريا في صدارة أكثر دول العالم فقراً.
وتصدرت سوريا القائمة بين 100 دولة حيث سبقت زيمبابوي التي احتلت الوصافة ومدغشقر في المركز الثالث، حيث بلغت نسبة السوريين تحت خط الفقر بحسب المصدر 82.5% تليها زيمبابوي بنسبة 72.3 ومدغشقر بنسبة 70.7%.