أزمات متعددة تعاني منها النساء في أماكن العمل

أزمات النساء داخل العمل مركبة للغاية فمن الاحتياج للوظيفة وصولاً للصمت العاجز بسبب تعدي ذوي السلطة عليهن، مسيرة طويلة من الصراع والانتهاكات التي وصلت للاغتصاب دون رادع، فبات الأمر يتفاقم وفي حاجة للتدخل لإيجاد آليات حماية أكثر تأثيراً.

أسماء فتحي

 القاهرة ـ الكثير من النساء تتعرضن للانتهاك وانتزاع الحقوق والتمييز وتأثرن الصمت خوفاً من الوصم المجتمعي الذي يلاحقهن في حال البوح عما تتعرضن له، وهو الأمر الذي يؤثر على الكثيرات في مسيرتهن العلمية والعملية ويهز عرش أسر عديدة خاصة أن الإثبات مسؤولية الضحية وهو أمر صعب في أغلب قطاعات.

عن الصعوبات التي تواجهها النساء داخل المؤسسات تقول جميلة فوزي (اسم مستعار) "كنت أعمل لنحو العشر ساعات متواصلة ولم أتأخر يوماً عن مواعيدي ودائماً ما ألتزم بمهام عملي، عندما اقترب موعد زواجي بدأت وبلا أي سبب أتلقى عبارات قاسية من رئيسي الذي ظل يخبرني أن النساء لا يجب أن تعملن فنهايتهن على حد تعبيره البيت والزواج، ولم أكن أفهم أن هذا عنف لفظي خاصة أنه عادة ما كان يحدث أمام رؤسائي المباشرين الذين بدورهم عادة ما يضحكون ويتحول الأمر لطرفة عابرة".

وأوضحت أنها بعد عودتها من إجازة الزواج فوجئت بالمدير يسألها عن الزواج ولأكثر من مرة تتهرب من الرد ولكنه سرعان ما يلح في جملته التي جعلتها تتهرب من دخول مكتبه لأن الأمر تحول من مزحة وسخرية إلى إزعاج متعمد، مؤكدةً على أنها ظلت مرات عديدة تتهرب من التعامل معه إلى أن ألح في طلبها وفي هذه المرة نهرها وأكد على أن مستواها تراجع بعد الزواج وهددها إن لم تعد كما كانت سوف يؤثر ذلك على وجودها في الشركة.

وعن تفاصيل الحادث الذي جعلها تترك عملها تقول "في أحد الأيام فوجئت به يطلبني وبالفعل تعدى علي في مكتبه وتركته وهربت لمنزلي ومكثت به لأسبوع متغيبة وأخذت قسطاً من التفكير، فعلي الكثير من الديون أنا وأمي بسبب تكاليف الزواج فأنا يتيمة واساعد في تربية إخوتي ولا استطع إخبار زوجي بالأمر لأنه لن يقف لجواري وقد يظن بي السوء وأخذت الحيرة تأكل في عقلي إلى أن قررت العودة محاولة تجاوز الموقف ولكني كلما نظرت في وجهه شعرت بأنه يؤلمني كما لو كان يخترق أحشائي فقررت الرحيل في صمت وقدمت استقالتي دون البوح بما حدث وحتى الآن ومع مرور نحو 5 أعوام كلما تذكرته شعرت بالعجز والضعف".

 

القانون هو الضابط الوحيد لعلاقات العمل المختلة

ومن جانبها قالت الناشطة الحقوقية والنسوية لمياء لطفي إن علاقات العمل عادة ما يكون بها طرف قوي يجور على الأضعف وبحكم النوع الاجتماعي فهناك اختلال في موازين القوى لصالح الذكور وهو الغالب على الصعيد التمييزي، مؤكدة على أن عدد كبير من النساء تخشين من البوح عما تتعرضن له من انتهاكات خوفاً من ردة فعل أسرهم وما سيلاحقهم من وصم مستقبلي في أماكن العمل.

وقد يصل الأمر على حد قول لمياء لطفي للعنف البدني مشيرة إلى أنها سبق والتقت حالة تعرضت لذلك في الجريدة التي تعمل بها من قبل رئيسها في أحد الأقاليم، مؤكدة أن العاملات بالزراعة على سبيل المثال تتعرضن للضرب المبرح من قبل المشرف عليهن في حال تكاسلهن في عملهن.

وأوضحت أن العلاقات التي بها موازين قوة مختلة لا يتم تنظيمها أو السيطرة عليها إلا من خلال القانون لحماية الطرف الأضعف، مؤكدة على أن النساء عانين لسنوات في قطاع الزراعة على سبيل المثال من غياب القانون المنظم لعملهم بل إن هناك استثناء لهم في نص قانون العمل نفسه وغير ذلك من الأمور التي تحتاج لمراجعة.

وأكدت على أن النساء تتعرضن لانتهاكات في مختلف القطاعات فعاملات المصانع على سبيل المثال توقعن على استقالات سابقة على العمل ذاته، وعدد منهن بمجرد تفكيرهن في الارتباط والزواج يتم التخلص منهن هرباً من أية التزامات تتعلق بالأمومة لاحقاً والإجازات الخاصة بها، لافتة إلى أن أماكن العمل معظمها مغلقة فرصد حالات العنف واثباتها صعب فعلياً لذلك فالقانون عليه تغطية كل هذه الأمور لحماية العاملات في بيئة عملهم من مختلف أشكال الانتهاكات التي قد تتعرضن لها ومنها التمييز بمختلف أشكاله.

وسردت لمياء لطفي أكثر من قصة انتهكت فيها النساء وسلبت حقوقهن ومنها تعرض عاملة لانتهاك جنسي من المشرف عليها بالمصنع وحينما هددته بالتبليغ تعرضت للضرب والتهديد والتنكيل وتم فصلها من عملها.

وأضافت أن واحدة أيضاً من الحالات التي ظلت عالقة في ذاكرتها اغتصاب ممرضة أثناء ذهابها للمستشفى التي ستقدم بها خدماتها الصحية وهذا النوع من الاعتداءات مخيف في تقديرها لأن توفير وسيلة مواصلات آمنة مسؤولية جهة العمل وتلك المرأة خطفت وتعرضت للاغتصاب من عدة أشخاص ولم يساندها أحد.

وروت تجربة أخرى مؤلمة صادفتها وتمثلت في اغتصاب فتاة في اتوبيس العمل من السائق ورفضت الشركة استقبال الشكوى بالواقعة وعلى الجانب الآخر خوفها من الوصم والطلاق منعها من تقديم بلاغ في المعتدي عليها، مضيفة أن أوضاع تلك الفتاة الاقتصادية أجبرتها على مواصلة العمل في ذات الشركة والتعامل مع مغتصبها دون أن تحصل على حقها أو تسعي لانتزاعه مشيرةً إلى أن تلك الحادثة كانت مؤلمة كونها محفوفة بالضعف والعجز.

 

الاتفاقيات الدولية وتأثيرها المحلي

يعول الكثيرون على الاتفاقيات الدولية باعتبار أن التصديق عليها كفيل بتحسين التشريعات المحلية بما يضمن توفير آليات حماية للنساء أكثر من تلك الموضوعة بالقوانين المحلية الحالية، معتبرين أن هناك بارقة أمل خلال الفترة الأخيرة بالإعلان عن الاتفاقية 190c آملين أن تنال قبول الحكومة المصرية ويتم التصديق عليها.

وأكدت الناشطة الحقوقية والنسوية، لمياء لطفي، أن ما تتميز به الاتفاقيات أنها التزام دولي بتصديق مصر عليه يصبح جزء من التشريع الوطني وبالتالي يمكن الدفع به في التقاضي.

وأوضحت أنه مع التصديق على الاتفاقية 190c ستساهم إلى حد كبير في حماية النساء بعالم العمل، مضيفة أنها رغم خلوها من العقوبات إلا أن مصر فيما بعد ستقوم بعمل موائمة وسياسات حماية واضحة لتلتزم بما وقعت عليه أمام المجتمع الدولي، معتبرة أن تغيير البيئة التشريعية سيتبعه تغيير حقيقي في ثقافة المجتمع نفسه تجاه نساؤه العاملات.

 

 

العنف القائم على النوع الاجتماعي أهم تحديات النساء في العمل

بينما قالت مدربة السلامة المهنية بالاتحاد الدولي للصحفيين والنوع الاجتماعي نهى لملوم أن التحديات التي تواجه العاملين يأتي في مقدمتها العنف القائم على النوع الاجتماعي، فالتحرش بالفتاة قد يترتب عليه تدخل أطراف عديدة في الأمر فضلاً عن وصمها المجتمعي على عكس الفتى تماماً.

وأكدت على أن الكثيرات تعانين داخل أماكن العمل فقد تحصل الصحفية على سبيل المثال على إجازة وضع وتعود فلا تجد مكاناً لها في عملها أو ينتزع منها الملف الذي تعمل على تغطيته ويعطى لآخرون، مضيفة أن البعض لا تعلمن بوجود ساعة الرضاعة وهناك مؤسسات ترفض التنفيذ رغم كون ذلك أحد حقوق العاملات التي يكفلها لهن القانون.

وأوضحت أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الوعي الكافي بالمفاهيم والتعريفات فعدد ليس بالقليل لا تستوعبن الموقف الذي تتعرض له وقد لا تستطعن تمييز كونه انتهاك بسهولة، كما أنهن أيضاً لا تعلمن الشق الاجرائي التابع للوقوف على الواقعة خاصة ما يتعلق منها بالشكوى أو التبليغ ضد الجناة.

وأشارت إلى أن جزء من علاج الخلل الذي تتحمل النساء تبعاته في أماكن العمل يتمثل في فهم الحقوق والقوانين المنظمة وكذلك اللوائح الداخلية في مؤسسات العمل، وأن عدم وجود سياسات واضحة يساهم في رفع معدل الخوف من الشكوى والافصاح بسبب ما قد يترتب على ذلك من وصم مجتمعي.

 

قصص واقعية تحمل أزمات مركبة في أماكن العمل

وقالت نهى لملوم أنها بحكم تواجدها في واحدة من المبادرات التي تدعم حقوق الصحفيات لمست تدنى أجور أساسه النوع الاجتماعي، مؤكدة أن المرأة في المجال لا تحصل على نفس أجر الرجل، وهو أمر لا يستند إلى معايير عادله وفقط يستند لنوعيهما.

وأوضحت أن الصحفية يمكنها أن تترقى في مكان العمل ولكنها لا تحصل على المناصب الكبرى وعادة ما يتم الاستناد أيضاً في ذلك للنوع الاجتماعي كتمييز واضح لا علاقة له بمعايير الكفاءة أو غيرها من الأمور.

ولفتت إلى أنها أعدت فيلم عن التحرش عرضت خلاله تجربة 5 صحفيات روين معاناتهن والأمر لم يكن قاصراً على انتهاكات الزملاء لهن في المجال ولكن بعضهن تعرضن له على يد رؤسائهم في العمل وهو ما زاد من تعقيد الأمر لامتلاكهم السلطة عليهن.

وأضافت انها التقت صحفيات قررن ترك المجال كاملاً لحماية أنفسهن من عالم العمل الغير آمن عليهن، معتبرة أن أزمة تحميل الضحية عبء الإثبات أضاع الكثير من الحقوق فعدد من المكاتب ليس بالقليل لا يوجد بها كاميرات وإن وجدت قد يتحكم بها صاحب السلطة وهو أمر يحتاج للمراجعة.