'انتفاضة 12 آذار كانت شرارة إرادة الشعب الكردي ضد الاستبداد والقمع'
في 12 آذار/مارس عام 2004 توجه فريق الفتوى من مدينة دير الزور إلى مدينة قامشلو في شمال شرق سوريا للعب مباراة كرة قدم مع فريق الجهاد
بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشرة لانتفاضة قامشلو قالت فاطمة طاهر إحدى الشهود على انتفاضة 12 آذار/مارس، والتي شهدت العديد من الأحداث المأساوية بأم عينيها "سعت سياسة النظام السوري إلى التفريق وخلق الصراعات بين الكرد والعرب وخلق روح العداء حتى لا يتوحدوا بأفكارهم وآرائهم أبداً. كان تدفق الكرد إلى انتفاضة قامشلو مثل غضب وهيجان البحر. صحيح أنها كانت تجربة مؤلمة، لكنها كانت أول انتفاضة كردية".
روج هوزان
قامشلو - في 12 آذار/مارس عام 2004 توجه فريق الفتوى من مدينة دير الزور إلى مدينة قامشلو في شمال شرق سوريا للعب مباراة كرة قدم مع فريق الجهاد. في بداية المباراة وقبل دخولهم إلى الملعب ملأ مشجعي فريق الفتوى حقائبهم وعلب المياه بالحجارة واستعدوا لقتال الكرد. دعم النظام السوري فريق الفتوى وسعى إلى تعميق الحرب بين الشباب الكرد والعرب، وبخطة قذرة أطلق الرصاص على الشباب الكرد مما أدى إلى استشهاد عدد من الشباب. في اليوم الثاني، تدفق الكرد لتشييع جثامين شبابهم الشهداء، ولكن مراسم التشييع تحولت إلى انتفاضة كردية ضد القمع والاضطهاد. أطلق النظام السوري النار بوحشية وبشكل عشوائي وقتل عدداً من الشباب الكرد في المراسم وجرح بعضهم الآخر. فيما يتعلق بهذا الموضوع تحدثت فاطمة طاهر إحدى الشهود على انتفاضة 12 آذار والتي شهدت العديد من الأحداث بعينيها في ذلك اليوم.
"الخلافات والتمييز الذي نشأ بين القوميات والطوائف كان يتطور وفق خطة طويلة الأمد"
أوضحت فاطمة طاهر الهدف من الصراع الذي خلقه النظام السوري بين طوائف وقوميات المنطقة وتداعياته "جرت العديد من الأحداث في مدينة قامشلو وكنت شاهدة بنفسي على أحداث انتفاضة 12 آذار عام 2004. قبل أن ندخل في عمق هذه القضية، من الضروري أولاً تقييم والنظر في الجوانب البعيدة التي أدت إلى هذه الانتفاضة. فقد تم خلق الصراع والانقسام بين القوميات والطوائف وكان يتطور وفقاً لخطة طويلة المدى، وبالطبع كان هذا مخطط النظام السوري الذي كان يسعى إلى خلق الصراع بين الكرد والعرب في المنطقة. لقد عاش الشعبان الكردي والعربي معاً لسنوات وزوجوا أبنائهم من بعضهم البعض، لكن على الرغم من ذلك سعت سياسات النظام إلى التفريق بينهما وخلق روح العداء حتى لا يتحدوا أبداً في أفكارهم وآرائهم. ولكن اليوم ونتيجة لمشروع المساواة الديمقراطية بين الشعوب، تم القضاء على هذه الصراعات إلى درجة كبيرة وحدثت تغييرات إيجابية. في سوريا كان الشعب الكردي يعتبر أجنبياً ويحرم من حقوقه وقد كان ذلك يتسبب في تنامي الكراهية في قلب المجتمع الكردي ضد النظام وداعميه. وإلا فإن الشعب الكردي شعب محب للسلام ويحب محيطه وبيئته ولا يؤيد الحروب، لكن النظام الحاكم دفعه إلى تقبل هذا الصراع بين قوميات المنطقة".
"توجه فريق دير الزور إلى قامشلو حاملاً عبارة الموت القادم من دير الزور"
استذكرت فاطمة طاهر انتفاضة 12 آذار/مارس عام 2004 ووصفت ما حدث في ذلك اليوم "أن انتفاضة 12 آذار يوم تاريخي للشعب الكردي، وهو يوم اندلاع شرارة الإرادة الكردية ضد الاستبداد والقمع. في ذلك اليوم، كنت شاهدة على العديد من الأحداث وعشنا أياماً صعبة للغاية. في صباح يوم 12 آذار كنت أسير في الطريق عندما رأيت سيارات فريق الفتوى القادمة من دير الزور إلى قامشلو، لقد لفتت تلك العبارة المكتوبة على سياراتهم انتباهي، فقد كان مكتوب عليها "الموت القادم من دير الزور"، سألت أخي لماذا كتبوا هذه العبارة وما هي الرسالة التي يريدون إيصالها؟ لقد صُدمت حقاً وفكرت بهذه العبارة وبما سيحدث في ذلك اليوم وأحسست بشعور سيء. عندما جاء فريق الفتوى من دير الزور للعب مع فريق الجهاد من قامشلو، كانوا قد توقفوا عند سكة القطار وملأوا حقائبهم وعبوات المياه بالحجارة ومن ثم دخلوا الملعب. كان هناك الكثير من الجماهير والمشجعين الكرد في الملعب، فقد توجه الجميع إلى هناك لتشجيع ودعم فريق الجهاد من قامشلو، كان فريق الفتوى قد جاء مع مشجعيه للقتال وليس للعب. هتف جماهير الفتوى بعبارات عنصرية ضد الشباب الكرد وبدأوا القتال بالحجارة ولم تكتمل المباراة. في البداية لم يكن هناك قتال بالأسلحة، بل كانت مشادات وضرب فقط، لكن عندما رأى النظام أن الشباب الكرد تمكنوا من العرب بدأ بإطلاق الرصاص. لم تكن هناك أي أسلحة مع الكرد فكلهم مدنيون مما أدى إلى استشهاد عدد من الشبان. هرع الجميع للبحث عن أبنائهم ونجدتهم. لقد شعر الناس أن هناك خسارة كبيرة وأن الدماء الكردية تسيل في الشوارع".
"كان تدفق الكرد في الانتفاضة مثل غضب وهيجان البحر"
وعن يوم مراسم تشييع شهداء 12 آذار/مارس الذي تحوّل إلى انتفاضة، قالت "في اليوم التالي تم دعوة الكرد للخروج إلى الشوارع لدفن جثامين شهدائهم. وتجمع الآلاف من الأشخاص أمام مسجد قاسمو وقد كان مشهداً مؤلماً ومهيباً. نادت النساء المسنات تعالوا لنودع شهدائنا. تحولت مراسم تشييع الشهداء إلى انتفاضة وكان تدفق الناس أشبه بغضب البحر في الشوارع. وصلنا إلى مكتب جمارك النظام فبدأوا بإطلاق الرصاص، وكان هناك شاب أعرفه يسير معي، أصيب بالرصاص واستشهد أمام عينيّ. أطلق جنديان تابعان للنظام يركبان دراجة نارية الرصاص بشكل عشوائي على الحشود الموجودة في المسيرة مما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص. كانت لحظات مؤلمة حقاً، فتح الناس أبواب منازلهم لبعضهم البعض وساندوا بعض. لقد أنقذنا أنفسنا بصعوبة من أيدي النظام. أصبحت ممرضة لفترة من الوقت وكنت أعالج جرحى 12 آذار، لذا أخذنا على عاتقنا واجب ومسؤولية كبيرة. وامتدت الانتفاضات إلى كل مناطقنا من دمشق وحلب إلى ديريك وانتفض الشعب بأكمله. وفي اليوم الثالث أعلن النظام الحظر ومنع التجوال، وبقي كرد قامشلو في منازلهم وأغلقوا السوق، لن ننسى الأحداث التي جرت للكرد في 12 آذار أبداً".
"على درب 12 آذار سرنا نحو ثورة المرأة"
وعن المساواة والتضامن بين الشعوب بفضل المشروع الديمقراطي في يومنا الراهن قالت فاطمة طاهر في ختام حديثها "منذ البداية لم نكن أي كراهية للشعب العربي. لكن النظام السوري عمل على خلق وتعميق الكراهية بين الشعبين. كانت تجربة مؤلمة لكنها كانت أول انتفاضة كردية. في ذلك اليوم اتحد الكرد ووضعوا كل خلافاتهم وأحزابهم جانباً، حتى أن مسؤول بارز في النظام السوري قال: "عملت في القامشلي قرابة 20 عاماً وقسمتهم إلى 20 حزباً، ولكنهم اتحدوا في حادثة واحدة". ما أعنيه هو أن شعبنا واحد ويساندون بعضهم البعض منذ الماضي ولكن للأسف مصالح الأحزاب قسمتهم في يومنا الراهن. طبعاً يجب أن نقول أيضاً أن الانتفاضة الكردية كانت بقيادة حركة الحرية لأن الظروف كانت صعبة جداً وهذه الحركة هي من نظمت مجتمعنا. أردنا أن نحصل على حقنا في هذا البلد وأن يُعترف بوجود الشعب الكردي. لقد ناقشنا مشروع المساواة والتضامن الشعبي الديمقراطي كثيراً إلى أن وصلنا إلى هذه الأيام. لم تتقبل الكثير من عائلاتنا فكرة الثقة بالأمة العربية لكننا تغلبنا على هذه التناقضات ونعيش حياة متساوية مرة أخرى. اليوم ضحينا بآلاف الأرواح في المناطق العربية لأننا نريد سوريا ديمقراطية. وعلى هذا الأساس سرنا على درب 12 آذار نحو ثورة المرأة. في النهاية أود أن أقدم التعازي لذوي الشهداء".