'النظرة المجتمعية السائدة تجعل الفتيات ذوات الإعاقة في دائرة العنف والاستغلال الجنسي'
يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة منظومة من المعيقات التي تحول دون مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة، ويعانون من التحديات والانتهاكات لحقوقهم في مختلف مناحي الحياة
نغم كراجة
غزة ـ يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة منظومة من المعيقات التي تحول دون مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة، ويعانون من التحديات والانتهاكات لحقوقهم في مختلف مناحي الحياة، وهم الأكثر عرضة للبطالة والأمية والأقل وصولاً إلى مصادر الخدمات.
لا زالت الفتيات والنساء ذوات الإعاقة الأقل حظاً في المجتمع من ناحية حصولهن على حقوقهن والتمتع بأنظمة الحماية وعدم تقديم الرعاية والاهتمام بهن، فأغلب الأسر تعامل فتياتها ذوات الإعاقة على أنهن العبء الثقيل عليهم، ومن جانب آخر تطمس أدوارهن، وتثبط معنوياتهن مما أدى إلى انطوائهن وانعزالهن عن المحيط. لكن في المقابل هناك أسر تعتني بذوات الإعاقة وتعزز قدراتهن وتحفز طاقاتهن.
وقالت الأخصائية النفسية سعاد أبو ضلفة "المعاق هو الشخص الذي لا يستطيع القيام بعمل إلا بمساعدة الغير حتى تسهل ظروف حياته؛ لتأدية وظائفه بشكل مستقل، والإعاقات متعددة منها الإعاقة الحركية، السمعية، العقلية، البصرية، وذوي الإعاقة أقل حظاً من غيرهم من ناحية الصحة والتعليم، وحرمانهم أغلب الحقوق، وأكثر عرضةً للعنف وخاصة الفتيات والنساء".
وأضافت "غالبية ذوات الإعاقة تعانين كثيراً من الظلم والعنف الأسري والتهميش والجميع يهملهن ويشعرونهن بالخزي والعار، ففي بعض الأسر تنبذ الفتاة المعاقة وتخبئها عن الآخرين خوفاً على سمعة العائلة باعتقادهم أنها ستكون سبباً في عدم تزويج أخواتها الإناث وإن الإعاقة ربما تكون وراثية، وفي نفس الوقت يتم استغلالها من قبل الأسرة من خلال جمع المال على اسمها كمعاقة، وبعض الأسر تهتم بها من جانب ديني ومعنوي". وأوضحت سعاد أبو ضلفة أنه "من أبشع ما تتعرض له الفتاة المعاقة هو الاستغلال الجنسي من قبل ذويها في الأسرة مثل الأب، الأخ، وهؤلاء الأشخاص الذين يتصرفون هذا النوع من الاستغلال لديهم خلل في تركيبتهم وشخصياتهم، ويأتي العنف الجنسي من قبل أسرتها كونها ضعيفة ولا تستطيع التحدث أو الإفصاح وبالتالي ستقع في المصيدة، حتى لو أفصحت لا أحد سيصدقها، و جاءت إلينا عدة حالات منها حالة 18 عاماً تعرضت للتحرش من قبل أبيها و تم التبليغ عنها من خلال سماع الجيران لصراخها وعند اخبار الجهات الأمنية المختصة لم يكن هنالك أي رد رادع سوى أن ذلك مشاكل عائلية ليس لهم شأن بها".
ومن أبرز الدوافع والأسباب التي تجعل الفتيات ذوات الإعاقة ضحايا للعنف بمختلف أشكاله هو ضعفهن نتيجة إعاقتهن وما جعلهن مطمع للجميع، ولا تستطعن الدفاع عن أنفسهن أو تتخذن موقف وتنظرن لأنفسهن نظرة دونية مما أدى إلى انعزالهن وانطوائهن، غير ذلك لا أحد يسمعهن أو يصدقهن، وبالرغم من أن ثقافة المجتمع الرجعية تجاههن ومعاملتهن على أنهن غير سويات، إلا أنهن تحدين المجتمع والإعاقة وأبدعن في مجالات عديدة واستطعن إنشاء مصدر دخل خاص بهن.
وأشارت إلى أنه "لا يوجد أي رادع صارم للعنف ضد الفتيات ذوات الإعاقة، ففي بعض الأحيان عند التبليغ عن المشكلة يتم حلها بشكل ودي بين المعتدي والمعتدى عليه، وعند عدم الاتفاق على حل يتم إحالة المشكلة إلى مؤسسات ومراكز معنية، لذلك يعتبر التقصير في تطبيق الأحكام والقوانين الرادعة من أهم الدواعي التي تجعل العنف والاستغلال الجنسي ضدهن متكرر وبأعداد ليست بسيطة".
وشددت سعاد أبو ضلفة على أنه "يجب تنسيق حملات توعوية وتأهيل للفتيات ذوات الإعاقة وأيضاً لأسرهن حول كيفية التعامل معهن والاعتناء بهن، بالإضافة إلى تنظيم حملات مناصرة بهدف توعية المجتمع ويأتي ذلك تحت إطار تفعيل دور المؤسسات الإعلامية، وإعداد حملات ترويجية تنصف حقوقهن، وتغيير النظرة المجتمعية وتعزيز مهاراتهن وذلك من خلال العمل على تدريب وتطوير قدراتهن لتعزيز ثقتهن بأنفسهن".
قالت عبير الهركلي وهي من ذوات الإعاقة الحركية في القدمين "كوني فتاة من ذوات الإعاقة هذا الأمر لم يضعفني بل سعيت وكافحت عدة تحديات ومصاعب في البداية، وتلقيت الدعم والدورات التدريبية في مركز شؤون المرأة حتى أصبحت سكرتيرة به. لم أجعل الإعاقة عقبة في حياتي كما تفعلن بعض الفتيات والنساء، وحصلت على أغلب حقوقي منها حقي في العمل، الأمر يحتاج إرادة وتعزيز الثقة بالنفس".
فيما قالت (م. ص) 22 عاماً التي تعاني من تأخر في النمو "عانيت كثيراً بسبب إعاقتي التي اعتبرتها أسرتي عبئاً ثقيلاً. كنت أجلس في غرفتي ساعات طوال دون أن يكلمني أحد حتى من أفراد أسرتي لم أجد غير الإهمال، إلى أن وصلت إلى حالٍ متعسرة لم أستطيع الرفض أو الإفصاح به، فقد حبسني والدي في غرفة معزولة حيث أنه رأى في ذلك الحل الوحيد للهروب من العار والخجل أمام المجتمع، لكنني لم أتحمل الوضع فوصل صوت بكائي إلى مسامع الجيران وقاموا بإبلاغ الجهات المعنية لإنقاذي، ولولاهم لأصبحت ميتة من شدة ما عانيته من تهميش وظلم".
وبحسب ما جاء في التقرير الأولي لدولة فلسطين الخاص باتفاقية "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" عام 2019، تضمن قانون حقوق المعوقين حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من أشكال العنف والاستغلال وذلك استناداً للنص الآتي "على الدولة وضع الأنظمة والضوابط التي تضمن للأشخاص ذوي الإعاقة الحماية من جميع أشكال العنف والاستغلال والتمييز"، بالإضافة إلى أنه شدد على ضرورة عدم تقبل الأشخاص ذوي الإعاقة أي تمييز يصدر بسبب الإعاقة في أي اتجاه كان.
ونصت المادة 9 من قانون حقوق ذوي الإعاقة "على الدولة وضع الأنظمة والضوابط التي تضمن للأشخاص ذوي الإعاقة الحماية من جميع أشكال العنف والاستغلال والتمييز"، ونصت المادة رقم 10 "مسؤولية وزارة التنمية الاجتماعية التنسيق مع الجهات المختصة لوضع الأنظمة التي تضمن للأشخاص ذوي الاعاقة الحماية من جميع أشكال العنف والاستغلال والتمييز ".
علماً أن عدد ذوات الإعاقة في قطاع غزة المسجلات لدى وزارة التنمية الاجتماعية بلغ حتى عام 2020، قرابة 24 ألف امرأة وفتاة، من مجمل ذوي الإعاقة المسجلين والبالغ عددهم أكثر من 35 ألفاً، وذلك وفق إحصائية من وزارة التنمية الاجتماعية.