الأسيرة المحررة عبير غبن تسرد ما عايشته في السجون الإسرائيلية

تسرد الأسيرة المُحررة عبير غبن لحظات اعتقالها على يد القوات الإسرائيلية والتعذيب والإذلال الذي تعرضت له خلال فترة أسرها.

رفيف اسليم

غزة ـ لم تكن عبير غبن، تعلم وهي تعبر الممر الآمن الذي أطلقت عليه القوات الإسرائيلية هذا اللقب لإجبار السكان على النزوح من الشمال للجنوب، أنها ستصبح مختطفة لدى القوات الإسرائيلية مجبريها على ترك أطفالها في منتصف الطريق والتوجه نحوهم، وسط صرخات أطفالها وخوفها الشديد.

تقول عبير غبن لوكالتنا أنها بعد أن قضت عام كامل في شمال قطاع غزة متنقلة بين عدة مراكز إيواء في منطقتي بيت لاهيا وجباليا إثر اشتداد القصف، قررت في شهر تموز 2023 اصطحاب أطفالها الثلاثة والنزوح بهم للجنوب، إثر موت الكثير من أفراد عائلتها أمام عينيها.

تسرد عبير غبن أنها قبل قيامها بتلك الخطوة اتصلت بإحدى صديقاتها اللواتي نزحن قبلها بأيام وطمأنتها عن أحوال الطريق، وفي صباح اليوم التالي حضرت حقائب الطوارئ متجهة إلى هناك، وقد سار كل شيء على ما يرام، لكن عند عبورها أخر نقطة بالحاجز العسكري سمعت إطلاق النار نادها الجندي وهنا بدأ الخوف يتسلل إلى قلبها تارة على نفسها وتارة أخرى على أطفالها الذين أجبرها الجندي على تركهم في منتصف الشارع، وابنتها الكبرى لا تتجاوز الإحدى عشر عام.

أُجبرت عبير غبن على خلع الحجاب وفتشت وهي عارية تماماً، ومن ثم تم اقتيادها لنقطة لا تعلم مكانها لأنها وببساطة كانت معصوبة الأعين، نامت وحدها في الخلاء بمنطقة مفتوحة والبرد والخوف يأكل جسدها وفي الصباح تم نقلها مرة أخرى لكن هذه المرة كانت الدبابة هي من تقلها ومن ثم ركبت الحافلة التي أوصلتها لأحد السجون الإسرائيلية بالداخل المسماة عانا توت، لم يتحدث أحد معها في تلك الفترة بل اكتفوا بتوبيخها وركلها بين الحين والأخر.

وتضيف أنها قبل دخولها السجن تم تفتيشها وهي عارية مرة أخرى من جنود ومجندات ومن ثم نقلت لغرفة التحقيق، ووجهت لها تهمة الدخول للمستوطنات الإسرائيلية في يوم السابع من أكتوبر، كانت تقول إنها لم تفعل فيما يستمر المحقق الذي يتكلم العربية بطلاقة بشتمها وضربها إلى أن تلقت ضربة أفقدتها الوعي واستفاقت لتجد نفسها على ذات كرسي التحقيق لا تعلم كم مضى من الوقت.

ووصفت مشهد التعذيب أنهم كانوا يُجلِسونها ويداها وأرجلها مقيدة للخلف بالكرسي الذي يتسع لنصف جسدها فقط فيما بقي الجزء الآخر معلق بالهواء، تتلقى الصدمات الكهربائية في كل مرة لا تجيب إجابة تنال إعجاب المحقق الذي يسألها عن كل شيء؛ جيرانها، أهلها، أصدقائها، أولادها الصغار وزوجها وإخوانها.

فيما تؤكد عبير غبن، أنها في يوم السابع من أكتوبر كانت تجري عملية بمستشفى كمال عدوان، ويمكن وببساطة للمحقق أن يرجع لتلك الوثائق ويتأكد من ذلك، لكنه فضل أن يستمر بالتحقيق معها لساعات متواصلة حتى أعياها التعب وأتلف أعصابها وهو يوجه لها سيل من الشتائم التي لا تحتمل.

وأوضحت بعد ساعات عاد المحقق ومعه صورة رجل أخبرها أنه زوجها وأنها اعتقلت كونها زوجة إرهابي لكنها أكدت له أنه ليس زوجها مرددة اسمها بالكامل واسم الزوج وعمله ومكان سكنها، حينها ترك المحقق الغرفة وعاد بعد نصف ساعة ليؤكد لها أنها على حق وقد اُعتقلت بالخطأ، لكنه لا يستطيع الإفراج عنها لأنه من المستحيل الاعتراف بأن الجيش أخطأ، بل أمر بنقلها لسجن الدامون موصيها بالصمت لأنها مختطفة لا أحد يعلم عن أمرها شيء وبإمكانه قتلها إن أراد دون أن يحاسبه أحد.

وأما في سجن الدامون، تشير عبير غبن، أنهم أعطوها بزة رياضية لم تغطي كامل جسدها بل بقي بطنها وظهرها مكشوفان على الرغم من التوسلات المتكررة بتبديلها لم يأبه لها أحد، ورفضوا إعطائها حجابها، وخلال فترة الدورة الشهرية تركوها هي وأربعة أسيرات من غزة دون فوط صحية تسقط الدماء مغرقة بناطيلهن طوال الليل والنهار، فضلاً عن سخريتهم منهن.

لا تنسى عبير غبن اليوم الذي خرجت فيه من السجن، فقد جاءت المجندة اقتادتها وأجبرتها للتوقيع على ورق وصعدت الحافلة وسط الكلاب البوليسية التي تنبح وكأنها تنظر أن يفك القيد لتأكلها حين ظنت أنها سترحل لسجن أخر وقصة عذاب أخرى، لكن أخرجها الجندي وأمرها بالمشي في الخلاء تجاه الجنود كانت تبكي وخائفة لكنها مرغمة على تنفيذ الأمر وإلا قتلها بطلقة واحدة، وحين وصلت الحاجز أخبروها أن هناك غزة وبإمكانها الذهاب تجاهها هي ومجموعة من الأسيرات.

خرجت وهي تحمل رسائل الأسيرات لأهلهن أسمائهن وأي سجن يقبعن داخله لتطمأنهم عليهن وهذا أول عمل قامت به عندما تنفست الحرية، ومن ثم ذهبت للمشفى لتعالج الإصابات الناتجة عن التحقيق، لكنها ما زالت تحتاج الكثير من العمليات لتشفى، فضلاً عن مباشرتها بالعلاج النفسي للتخلص من الكوابيس التي تراها خاصة التحرش والاغتصاب ولتقلل من عصبيتها خاصة في تعاملها مع أطفالها.

عندما سألناها في ختام المقابلة ماذا فعل أطفالك؟ أجابت أن ابنتها الكبرى كانت تحفظ رقم عمها وقد احتضنتهم عائلة من الطريق حتى أخذهم من هناك، لكن أطفالها مازال لديهم ذلك الخوف من أن تتركهم أمهم وتذهب رغماً عنها، فعندما تغادر البيت ولو لساعات يتوسلون إليها بالبقاء وكأنها لن تعود مرة أخرى وهذا ما يجعل قلبها يعتصر ألماً.