سياسيات وحقوقيات: تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يقوض حقوق النساء

تعتبر نساء العراق أن مبدأ الكوتا الذي يمنح النساء نسبة 25% من مقاعد البرلمان، يعد تمييزاً ضدهن، ولا يتم منحهن الفرصة لاتخاذ القرارات التي من شأنها أن تمنحهن حقوقهن.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ عبرت سياسيات وحقوقيات عن أسفهن من تأييد بعض البرلمانيين تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي يقوض حقوق النساء ويؤسس للطائفية.

تواجه العراقيات تحديات كبيرة بالمشاركة في العملية السياسية وعملية صنع قرار، حيث تسيطر الأحزاب السياسية على القرار السياسي، وعدم تكافئ الفرص للوصول إلى المناصب العليا، حيث تساهم الثقافة السياسية السائدة، التي تعزز من الهيمنة الذكورية، في تقليل فرص النساء للتأثير بصنع القرار، على الرغم من وجود بعض النساء في مناصب وزارية، إلا أن العدد يبقى محدوداً، وغالباً ما يتعرضن لضغوط سياسية تمنعهن من ممارسة دورهن بشكل فعال.

وأكدت ناشطات وحقوقيات من خلال تجاربهن الفعلية على الحاجة إلى إصلاحات حقيقية في النظام السياسي، بحيث تشمل تعزيز دورهن في السلطة التنفيذية، وتوفير بيئة داعمة تعزز مشاركتهن الفعالة "إن تمكين النساء في المناصب القيادية لا يعد فقط من أجل حقوقهن، بل هو أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار في البلاد".

وقالت الحقوقية بشرى العبيدي "بالنسبة لدور المرأة في اتخاذ القرار حول تعديل قانون الأحوال الشخصية وتأثيرها على اتخاذ القرار بالتصويت على القانون فالبعض منهن ساندننا في احتجاجاتنا ضد تعديل القانون، بينما أغلب البرلمانيات للأسف خذلننا بتأييدهن التعديل".

وأضافت "إن لجنة المرأة والأسرة والطفولة، التي كان من المفترض أن تكون مساندة ومدافعة ضد تشريع هذا القانون، ولكن للأسف كانت داعمة جداً لهذا التشريع المذل والمهين للمرأة والطفل، وبالتالي كان دور المرأة في البرلمان محبط جداً باستثناء البعض منهن".

وأشارت إلى أن دور النساء خارج قبة البرلمان كان له دور وتأثير على مجريات اتخاذ القرار كبير "نحن لا نملك سوى الكلمة التي ندافع بها محاولين التأثير على النواب الآخرين ليكونوا سنداً لنا في رفض المضي بتشريع هذا التعديل".

وعبرت عن ندمها الشديد لدفاعها عن موضوع الكوتا، مشيرةً إلى أنهن كحركة نسوية سعوا منذ عام 2003 باتجاه إقرار مبدأ الكوتا النسائية ضمن الدستور، ودافعوا عنها رغم تعرضهن للإهانة والتهديد "لقد استطعنا من خلال تحركاتنا إن ندفع بالحكومة لإقرار مبدأ الكوتا النسائية على أن يكون لدينا نساء يمثلن صوتنا داخل السلطة التشريعية، ويدافعن بقوة داخل مجلس النواب من أجل تشريع قوانين منصفة للمرأة، وإلغاء المجحفة بحق النساء منها".

وقالت "للأسف خُذلنا من قبل النساء اللاتي صعدن إلى مجلس النواب، ففي كل دورة برلمانية كان دور النساء في تراجع، حتى عدد المدافعات عن حقوق المرأة والمؤمنات بقضاياها كان يقل في كل دورة برلمانية، حتى وصلنا إلى الدورة الحالية التي تمثل أسوء دورة قد مثلت فيها النساء البرلمانيات داخل مجلس النواب الكوتا".

وأشارت إلا أنهن كن تأملن أن تشكل البرلمانيات كتلة قوية لا يمكن معارضتها، بتجمعهم معاً يستطيعون فرض كل القرارات التي تصب في صالحهم، بالإضافة إلى منع مرور أي تشريع ضدهن، لافتةً إلى أن معظم النساء في مجلس النواب لسن كفوؤات في الوقت الذي استغلتهم فيه الأحزاب الحاكمة لصالحها "إن المقاعد الـ 83 التي تشغلها النساء هي لصالح الأحزاب لأنهن عضوات فيها، لو كان الأمر بيدي لألغيت الكوتا، لأنها تعتبر جريمة بحقنا".

وأبدت رئيس مؤسسة نما "NAMA" للتدريب الإعلامي الصحفية أمل صقر، عن أسفها لإصرار مجلس النواب على تعديل قانون الأحوال الشخصية وذلك خلال حضورها ورشة أقامها مجلس النواب الأسبوع الماضي، معربةً عن رفضها للتعديل لعدة أسباب منها سياسية واجتماعية.

ولفتت إلى أن "مجلس النواب العراقي الآن يعاني من اختلال في توازن القوى، باعتبار أن المجلس أخفق في أن ينتخب رئيس للبرلمان عوضاً عن الرئيس السابق ومن يقوم بمهام الرئاسة حالياً هو النائب الأول وهو من المكون الشيعي، لذلك نجد بأن هناك خلل في توازن القوى السياسية وفقاً لما نص عليه الدستور العراقي، بالإضافة إلى عملية الابتزاز والمساومة المعلنة داخل مجلس النواب لتمرير قانون مقابل قانون على الرغم من أن البعض من الذين قدموا هذا المقترح نفوا الأمر، ولكن القوى السنية والكردية صرحت بأنها تم المساومة معهم وخاصة الأحزاب السنية داخل المجلس".

وأضافت "إن موافقتهم على تمرير مقترح تعديلات قانون الأحوال الشخصية سيقابله التصويت لصالح قانون العفو العام، رغم أن هذا القانون لا يخص السنة وإنما يخص جميع العراقيين المحكومين بقضايا مختلفة داخل السجون العراقية، وهذا مؤشر على أن البيئة السياسية لا يمكن أن تتعامل مع مقترح قانون بهذا الحجم، الذي يمس حياة جميع أبناء الشعب العراقي على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم".

وأشارت إلى أن واحدة من الأسباب التي تدعو لرفض تمرير مقترحات تعديل قانون الأحوال الشخصية أنه يؤسس للطائفية بشكل واضح، لافتةً إلى أن التعديلات التي ستضاف إلى القانون مبهمة وغير واضحة.

ونوهت إلى "أن المرأة العراقية لديها مشاركة في العملية السياسية من خلال مبدأ الكوتا النسائية التي أقرتها البلاد وتبلغ نسبتها 25%، إلا أنه يتم استغلال هذه النسبة من قبل الأحزاب السياسية التي تختار النساء الغير كفؤات لتكن عضوات في مجلس النواب ويكون بإمكانهم التحكم فيهن وبقراراتهن لصالحهم، وهو ما انعكس سلباً على واقع المرأة والمجتمع، فالكوتا هي عبارة عن تمييز ضد المرأة".

وتساءلت "لماذا يوجد كوتا في الأساس؟ كيف تم إقرارها؟ عندما توجه هذه الأسئلة لبعض السياسيات اللواتي واكبن مرحلة إقرار الكوتا النسائية، تقلن أن المرأة في ذلك الوقت كانت تسعى للمشاركة في العملية السياسية ويكون لها دور فعال، لذلك توصلوا إلى نسبة 25% بعدما كان هناك أشبه برفض من قبل السياسيين لوجود المرأة إلى جانبهم، وهذه النسبة كانت تعد مكسب، بينما الآن يعد نوع من التمييز ويحد من قدرات المرأة".

واقترحت إلغاء الكوتا لأنها نوع من التمييز العنصري، ومنح المرأة فرصة الترشح العام، لتشارك النساء في مجلس النواب وفقاً للانتخابات.

 

 

من جانبها أكدت عضو مجلس النواب السابقة والدكتورة في القانون والحقوقية أزهار الشيخلي على أن المرأة العراقية لها القدرة على اتخاذ القرارات التي تخص حياتها ومستقبلها وحياة أسرتها إذا امتلكت الوعي الكافي.

أما فيما يتعلق بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فأوضحت أنه لا يزال يتأرجح ما بين معارض ومؤيد، مشيرةً إلى أن الاستمرارية في تحشيد الرأي العام لابد أن توضح النتائج الملموسة ولاسيما أن المدونات المزمع إصدارها لم تعرض على مجلس النواب لمناقشتها، وأن قدرة المرأة في صنع القرار واضحة في الاصرار على الأخذ بنظام الكوتا الذي أقر في دستور العراق لعام 2005، وأنها حين تتكلم عن قدرتها في اتخاذ القرار لا تتكلم من فراغ، بل من خلال عملها المدني وعضويتها في مجلس النواب الدورة الثانية.

وأوضحت أنه في آواخر الدورة الانتخابية الثانية أدرج في جدول أعمال المجلس مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري واجتمعت عضوات القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وأصدرن بياناً برفض قراءة المشروع من حيث المبدأ، مشيرةً إلى أن المشكلة تكمن في التوافقات السياسية لا في قدرة المرأة.

 

 

وقالت الناشطة والمدافعة عن حقوق الأسرة والطفل بشرى جعفر أبو العيس "طرح مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل البرلمان في الأول من آب 2024، جوبه التعديل بمجموعة من الاعتراضات على المستوى السياسي والبرلماني والاجتماعي والشعبي ثم ذهبت الاعتراضات إلى مجموعة نقاط أهمها اعتماد المشروع على المادة 41، وآلية طرح المشروع التي تتعارض مع 15 مادة دستورية".

وأكدت على أن هذا المشروع يقوض الحريات والحقوق التي حصلت عليها النساء من خلال قانون الأحوال الشخصية 188 لعام 1959، كما أنه يربك وضع المحضون بين الوالدين والواقع الأسري للطفل.

ولفتت إلى أن هذا المشروع لم يوازن واقع العراق الذي وقع على اتفاقيات دولية منها اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفولة واتفاقية حقوق الإنسان، لذا هناك حاجة ماسة لعقد الورش والندوات النقاشية للوصول إلى تعديل يحقق ويحافظ على أمن الأسرة.

ولا تتفق بشرى جعفر أبو العيس مع سابقتها، حيث أكدت على أهمية الكوتا النسائية، لقدرته على مساعدة النساء في الوصول إلى مراكز صنع القرار، لافتةً إلى أنهم عملوا من خلال مجموعة منظمات مجتمع مدني وأحزاب مدنية ديمقراطية على أن تكون هناك نسبة واضحة للنساء في السلطة التنفيذية.

وعن مشاركة النساء في العملية السياسية، فتطرقت إلى تجربتها الشخصية في هذا المجال والانتخابات الأخيرة في عام 2023 الخاصة بمجلس المحافظات "من خلال هذه المشاركة سلطنا الضوء على مجموعة من التحديات التي تواجهها النساء وأهمها قوانين الانتخابات وتعدد تشريع القوانين، في كل انتخابات نواجه تشريعاً جديداً، وبالتالي كل المواطنين الذي يشاركون في العملية الانتخابية ومن ضمنهم النساء لا يعرفون أصول التشريع للقانون لأنهم سيواجهون قوانين جديدة ويعد هذا أحد التحديات الكبيرة أمام النساء".

وأشارت إلى أنه رغم أن النساء تمتلكن كفاءة علمية وعملية لتبوء مراكز صنع القرار، إلا أن السلطة والثقافة الذكورية في المجتمع العراقي يمنعهن من المساهمة في السلطة التشريعية وحتى على مستوى السلطة التنفيذية، أيضاً المال السياسي يحدث فوارق واضحة بما يتعلق في الدعاية الانتخابية وغيرها بين الأحزاب السياسية والمدنية التي تشارك في الانتخابات.

وأفادت أن المشاركات في الانتخابات تواجهن كذلك تشويه السمعة والترهيب والتخوين، ورغم ذلك لا تزال المرأة العراقية مستمرة في العمل والسعي نحو الوصول إلى حقوقها والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية.