"قادرات" من مأوى إلى مشروع... رحلة التمكين والمقاومة للمعنفات في تونس

في ظل تصاعد الوعي المجتمعي بقضايا العنف ضد النساء، تبرز مبادرات مثل جمعية "قادرات" كنموذج حي للمقاومة والتمكين، إذ لا يقتصر دورها على توفير ملاذ آمن للمعنفات، بل يتعداه إلى إعادة بناء الذات عبر برامج اقتصادية واجتماعية.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ منذ تأسيسها في تونس تُعنى جمعية قادرات بحقوق المرأة وخاصة تعديل القوانين التمييزية المجحفة التي تعاني منها المرأة وتحسين وضع المرأة التونسية والتشبيك مع جمعيات أخرى لتوسيع نشاطها على مستوى شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

 

إيواء النساء المعنفات وتمكينهن اقتصادياً

رئيسة جمعية قادرات سامية المالكي قالت إن الجمعية تعمل أيضاً على مواءمة القوانين الوطنية ومقتضيات الاتفاقيات الدولية والإقليمية على غرار اتفاقية "مابوتو".

أوضحت سامية المالكي أن جمعية قادرات تشرف على إدارة مركز إيواء للنساء ضحايا العنف بمنطقة مقرين بالضاحية الجنوبية للعاصمة والتي تبلغ طاقتها الاستيعابية عشرين امرأة منهن من تكون مصحوبة بأطفالها.

ويوفر المركز الإيواء لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، بالإضافة إلى ثلاث وجبات في اليوم ووجبة خفيفة صباحية وأخرى عند المساء، ويتم تسجيل الأطفال بالمدارس ورياض الأطفال القريبة لحمايتهم من الانقطاع المدرسي المبكر، كما يساعدهم على تجاوز الاضطرابات النفسية التي يعانون منها وحالة الخوف والفزع عند دخولهم إلى المركز، كما يعاني بعض الأطفال من طيف التوحد مما يدفع المركز إلى التعامل مع مراكز خاصة بهم.

وأوضحت أن المركز يقوم بكل الإجراءات القانونية للحصول على قرار إبعادها عن الشخص المعنف وهذا القرار يعرضه إلى السجن في حال الاقتراب منها أو من أطفالها "بعد القيام بعدة دراسات أصبح واضحاً للعيان أن أهم سبب يدفع المرأة إلى العيش تحت سيطرة الرجل الذي يسلط عليها جميع أشكال العنف هو افتقارها للاستقلال المادي بمعنى أنها تعول عليه كلياً في مصاريفها الشخصية ومصاريف أبنائها وأنها إن ابتعدت عنه سوف تجد نفسها في الشارع".

وبينت أن أغلب المعنفات تعشن أوضاع هشة لأن أغلبهن يفتقرن إلى المهارات وتعانين من غياب المؤهلات وتدني المستوى التعليمي، لذلك قررت الجمعية بشراكة مع صندوق "درية" العمل على تعزيز قدرات النساء المعنفات عبر برنامج للتمكين الاقتصادي لمساعدة النساء على الخروج من دائرة العنف التي تعشن داخلها ومساعدتهن على تعلم مهارات تمكنهن من كسب القوت والعيش الكريم لهن ولأطفالهن بعيداً عن عنف الزوج.

وبينت أن جل برامج التمكين الاقتصادي التي قامت بها الوزارات أو بعض الجمعيات أو حتى المؤسسات الدولية التي تمنح القروض الصغيرة لم تحقق المطلوب لذلك تنكب جمعية قادرات على إعداد دراسة للتعرف على أسباب الخلل والفشل لهذه المشاريع حتى نتجنب الأخطاء التي قاموا بها.

ومن أهم مخرجات هذه الدراسة كما قالت "لا ينبغي منح قرض لامرأة في أوضاع هشة دون أن يسبقه تهيئة أو تدريب مناسب في كيفية مسك الحسابات وكيفية الإدارة البشرية والتسويق، وقدمت مثالاً المرأة التي تساعدها الجمعية على صناعة الخبز وبيعه تعتقد أن المال الذي تجنيه تنفقه مباشرة دون أن تفكر في ادخار القليل منه لمواصلة العمل".

وأكدت سامية المالكي أن الجمعية اعدت قائمة في النساء اللواتي أنشأن مشاريع صغيرة للتواصل معهن بعد مغادرة مركز الإيواء ومرافقتهن والتعرف على الصعوبات والعراقيل التي ترافق المشروع ومساعدتهن على تجاوزها.

وأشارت إلى أنه بالتوازي مع إعداد الدراسة تعمل الجمعية على إعداد دليل تدريبي للمدرب وللمتدرب ويتضمن تفسيراً مبسطاً لكل مراحل إنشاء المشروع وكل الإشكاليات وكيفية معالجتها.

 

شباك موحد لمكافحة العنف

بخصوص تزايد حالات العنف المسلط ضد المرأة خلال السنوات الأخيرة في تونس ومدى تأثيره على طاقة استيعاب المركز للنساء المعنفات، قالت "في الحقيقة العنف لم يتزايد في تونس ولكن التوعية بضرورة التبليغ هي التي جعلت العدد يتزايد لأن العنف موجود منذ الأزل وفي كل أنحاء العالم وليس حكراً على تونس أو أي بلد آخر وصحيح أنه يتزايد خلال فترة الأزمات على غرار فترة جائحة كورونا حيث تضاعف خمس مرات في تونس".

وبخصوص ارتفاع الطلب على المركز بما يفوق طاقة استيعابه، أوضحت "نمنح الأولوية للمرأة التي تكون تحت تهديد كبير وفي حالة خطر وللمرأة التي لديها أطفالاً يعانون حالة من الهلع والفزع خاصة في الأيام الأولى".

وأضافت أن المرأة المعنفة تحتاج أيضاً إلى هيكل موحد يوفر لها جميع الخدمات والارشادات أثناء تعرضها إلى العنف حتى تكون المرافقة النفسية والقانونية موحدة في مكان واحد تتجه إليه وبناء عليه تم مؤخراً عقد ندوة جمعت المجتمع المدني ووزارة المرأة ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة لتدارس فكرة إنشاء الشباك الموحد للمرأة المعنفة في كل المدن التونسية يتولى جميع الإجراءات المطلوبة لحمايتها لأنه على سبيل المثال مركز الإيواء يستقبل المرأة المعنفة ولكن ليس لديه سيارة لنقلها للمحامي أو المحكمة فيتم اعتماد سيارة تاكسي مما يعرضها للخطر".

 

تنقيح القوانين التمييزية

وقالت سامية المالكي إن المرأة التونسية تعاني من بعض القوانين التمييزية والمجحفة وأنها قامت بعدة حملات للمناصرة ورفع الوعي بضرورة تنقيحها ومن القوانين التي عملت عليها قانون الاشتراك في الملكية وقانون أحداث مراكز لمعالجة الإدمان في كل الولايات وقانون الحضانة الذي اعتبر أنه غير دستوري لأن الدستور التونسي يقر بالمساواة بين الجنسين بينما هذا القانون تمييزي يظلم الأم المطلقة الحاضنة التي ترغب في إعادة تجربة الزواج".

وبينت أنه "رغم أننا قمنا بحملات لتنقيح بعض القوانين إلا أننا شعرنا أنه لا يوجد تفاعل من صناع القرار لذلك قررنا استدامة المناصرة لأننا ندرك أن بعض القوانين تأخذ أحياناً وقتاً طويلاً للتنقيح والمراجعة"، مضيفةً أن جمعية قادرات قررت إعداد استراتيجية وخطة عمل لمواصلة الحملات حتى تبقى المشكلة مطروحة وقابلة للنظر والمعالجة.

واعتبرت أن الأفلام والمسلسلات هي وسيلة لرفع الوعي لأنها تدخل البيت دون استئذان وتقنع المتفرج وتساهم في تغيير الذهنية والمواقف والأفكار المسبقة، وبالتالي يجب أن تتوجه تونس لكتابة سيناريوهات تعالج مشاكل موجودة مثلاً مشكلة العاملات الزراعيات ووسائل النقل المميتة التي لم تجد حلاً منذ سنوات رغم كل الجهود، كما يمكن طرح موضوع الحضانة والعنف وكل المواضيع التي تجاوزها الزمن.

وأشارت كمثال إلى أن موضوع الميراث والتبني وجودهما مرتبط بالخوف على المال لأن الرجل يقبل بالمساواة في الميراث بالنسبة لزوجته ولا يقبل به مع شقيقته، كما أن رفض التبني يعود إلى خوف العائلة على الميراث في حال تبني طفل.

 

التمكين السياسي

وقالت سامية المالكي إن جمعية قادرات تعمل بشراكة مع شبكة كرامة على تنفيذ مشروع تدريب للنساء البرلمانيات وعضوات المجالس الجهوية والمحلية المستقلات واللواتي تعشن التجربة الأولى في البرلمان.

وأوضحت أن التدريب يخص التمكين السياسي كعنوان كبير وتدريبهن على طرق المحاججة، طرق طرح الموضوع، المناظرة، فن الخطابة وكيفية التفاعل مع منظوريهن وكيفية تقديم مشاريع القوانين.

وحول ما آلت إليه صورة المرأة التونسية في وسائل الإعلام من تشويه وحياد كلي عن الصورة الحقيقية، أفادت سامية المالكي بأن ما يشغل البال هو تنامي تشييء المرأة في العديد من البلدان العربية "نعلم أن هدف العديد من وسائل الإعلام هو تحقيق نسب مشاهدة عالية وللأسف بعض المؤثرين ومقدمي البرامج يقدمون المرأة بطريقة خاطئة تعمد إلى جلب أكبر عدد من المشاهدين من خلال تقديم نماذج لا تعكس الصورة الحقيقية للتونسيات".

 

توفير الرعاية للمسنات

مع التهرم السكاني في تونس، تزايد عدد المسنات وأصبحن من الفئات التي تعاني من الهشاشة والتي تحتاج إلى العناية والرعاية من الحكومة أولاً والمجتمع المدني ثانياً، تقول سامية المالكي "نعمل على مساعدة المسنين لأننا نعلم أن المسنين عندما يكبرون يعانون من الظلم ويتزايد ذلك مع المرأة المسنة".

وأوضحت أن الجمعية اتصلت بمكاتب مراكز الشؤون الاجتماعية للتعرف على بعض النساء في أوضاع صعبة وتعشن في عزلة "قمنا بجمعهن مع بعض الفتيات العاطلات عن العمل لتعليمهن بعض المهارات ويكون ذلك مصدر دخل لمساعدتهن على المصاريف من جهة والخروج من العزلة من جهة أخرى".