'نرفض التطبيع مع ظاهرة العنف في الفضاءين العام والإلكتروني'
في ظل تصاعد حالات العنف ضد النساء في تونس، أصبح من الضروري تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تتخذ أشكالًا متعددة، منها العنف الجسدي واللفظي والمعنوي، بل امتدت لتشمل العنف الرقمي.

إخلاص الحمروني
تونس ـ أصبحت الفيديوهات التي تُنشر على منصات التواصل الافتراضي، والتي تُعرض فيها مشاهد العنف بحق المرأة، تكرس تطبيع العنف وتشجع على استمراره.
انتشر مؤخراً في تونس مقطع فيديو تم تداوله عبر منصات التواصل الافتراضي يُظهر رجلاً يضرب امرأة، وعلى ذلك علقت رحمة الفالحي وهي ناشطة في المجتمع المدني بولاية القصرين، بالقول أنه لا يمكن وصفه إلا بمقطع "وحشي" لإنسان "مريض يتلذذ بتعذيب زوجته في الفيديو الذي تم عرضه أمام آلاف المشاهدين، وهذا المعنف يتفاخر بوجود متابعين للفيديو".
وأوضحت أن المقطع أثار استنكاراً واسعاً بين الجمعيات النسوية، التي تعتبر أن هذا العنف هو امتداد لظاهرة العنف الممنهج ضد المرأة في المجتمع التونسي "هذه الجمعيات، التي تحركت بسرعة للمطالبة بمحاسبة الجاني، كانت دائماً في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق المرأة والوقوف ضد العنف بكافة أشكاله" مشيرةً إلى أنه في أقل من 14 ساعة من انتشار الفيديو، تم نشر العديد من التدوينات على مواقع التواصل الافتراضي التي تندد به وتدعو إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد المتورطين.
ولفتت إلى أن "العنف لم يعد يُمارس ضد المرأة في الخفاء، بل أصبح يُعرض علناً عبر الإنترنت، مما يساهم في ترسيخ ثقافة العنف داخل المجتمع"، موضحة أن "الفيديوهات التي تُنشر على منصات التواصل الافتراضي، والتي تُعرض فيها هذه الحوادث، تُستخدم كأداة للفرجة على الإنترنت، مما يُكرس تطبيع العنف ويشجع على استمراره"، مؤكدة أن التحدي اليوم يكمن في التعامل مع هذا الشكل من العنف الرقمي، الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الثقافة اليومية.
وأشارت رحمة الفالحي إلى أن "الفيديو ليس حادثاً منعزلاً، بل امتداد لحالات عديدة من العنف التي تم نشرها في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تزايد العنصرية الذكورية، وأثبتت الحوادث السابقة، التي تم التنديد بها من قبل الجمعيات النسوية، أن هذه الظاهرة أصبحت تتكرر في فترات معينة، مثل فترة أزمة كورونا، حيث شهد المجتمع ارتفاعاً في معدلات البطالة وظروف اجتماعية قاسية أسهمت في زيادة حالات العنف داخل الأسر، ما دفع البعض إلى نشر مقاطع فيديو عبر الفضاء الرقمي لجذب الانتباه".
وفيما يخص الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انتشار الظاهرة، قالت "ساهم تزايد العنف الذكوري ضد النساء وإفلات الجناة من العقاب بصفة كبيرة بانتشار العنف"، مبينة أنه "عندما يُقبض على رجل يمارس العنف، فإنه لا يتعرض لعقوبة رادعة وباتت النساء تعانين بشكل أكبر من هذه الانتهاكات التي تُمارس عليهن في مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوضحت رحمة الفالحي أن انتشار ظاهرة العنف في الواقع وعلى الإنترنت تعود إلى عدة أسباب منها غياب تفعيل القوانين لأن الرجل الذي يمارس العنف لم يعد يخشى العقاب بحكم أن القوانين الموجودة لم تعد كافية لردعه.
وأما عن مهام جمعية النهوض بتنمية المرأة الريفية المختصة بقضايا المرأة في المناطق الريفية قالت "جمعيتنا مثل أي جمعية حقوقية نسوية أخرى تستنكر وتدين مثل هذه الحوادث وتعتبرها امتداد لظاهرة العنف الممنهج ضد المرأة حيث أصبحنا نرى أشكالاً متعددة من العنف، ومنها العنف الإلكتروني الذي انتشر عبر مواقع التواصل الافتراضي"، مشيرةً إلى أن هذا العنف لا يقتصر فقط على نشر مقاطع الفيديو بل يمكن أن يكون أيضاً من خلال الكتابات على منصة الفيسبوك أو الكلمات الجارحة ضد المرأة "كل هذا يجعلنا نرى كيف يتم استخدام هذه الوسائل للترويج للعنف أو للهيمنة الذكورية".
وأضافت "بصفتنا جمعية نسوية حقوقية، نرفض التطبيع مع ظاهرة العنف في الفضاء العام والفضاء الرقمي، ونطالب بتعزيز حماية النساء وإعادة النظر في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي وندعو إلى تطبيق العقوبات بصرامة لمواجهة العنف ضد المرأة، فتونس التي كانت دائماً تدعم حقوق المرأة، أصبحت تسجل تراجعاً في القوانين التي تحمي النساء، مما يتطلب اتخاذ خطوات جديدة لتعزيز هذه الحقوق على غرار تفعيل القانون 58 الصادر سنة 2017، والمتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، وضمان تطبيقه".
ودعت رحمة الفالحي الناشطة في المجتمع المدني في ختام حديثها المجتمع المدني خاصة الجمعيات النسوية والحقوقية، لمواجهة هذه الظاهرة، ورفض أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة سواء الممارسة في الفضاء العام أو الخاص وأيضاً الممارسة في الفضاء الأزرق بصفتها ظاهرة بدأت تنتشر في الفترة الأخيرة.