مع غياب القوة التنفيذية للأحكام ماذا تفعل أرامل غزة؟

أكدت المحامية سماح عاشور على أهمية توعية النساء الأرامل حول حقوقهن الشرعية، خاصة حق الحضانة الذي يضمنه القانون.

رفيف اسليم

غزة ـ تخوض النساء اللواتي فقدن أزواجهن في قطاع غزة، معركة الوصاية مع أهل الزوج المتوفي، وتزداد تلك الصعوبات في حال كانت العلاقة بين الأم وعائلة الأب تشوبها خلافات منذ ما قبل الحرب لتبقى 14 ألف امرأة برفقة أطفالها تعشن ظروف قاسية، بل ويحرمن من اللقاء ببعضهم البعض حتى ولو لدقائق معدودة.

تمسك مها أحمد اسم مستعار، صورة طفلها وهي تبكي لتوضح لوكالتنا "مر على رؤيتي لطفلي الوحيد عدة أشهر كون جده قد انتزعه مني في الشهر الأول من موت والده خلال الإبادة الدائرة"، لافتة إلى أن الجد اشترط عليها التزوج من أخ زوجها لتعود وتعيش مع العائلة، لكنها رفضت وعبرت عن حقها في تربية طفلها وحدها وعدم رغبتها في الزواج من شخص آخر.

وأضافت أنه منذ تلك اللحظة تغيرت معاملة عائلة الزوج معها وتحولت الرعاية التي شملوها بها منذ فقدان الزوج لشتائم وصراخ في كل مرة تلتقي فيها معهم، والتي كان ختامها حين أخذوا الطفل منها عنوة، مشيرة إلى أن الحضانة من حقها لكن أين القوة التنفيذية التي ستطبق القرار في حال استخرجت أمر قضائي من المحكمة.

وفي قصة أخرى، تقول تهاني محمد اسم مستعار لامرأة توفى زوجها خلال الحرب في قطاع غزة وتركتها عائلة زوجها وحدها رافضين الانفاق على الأطفال أو حتى جلب رغيف خبز لهم، لافتةً إلى أنها اضطرت الذهاب للمؤسسات وتسجيل أسماء الأطفال وبالفعل أصبحت تتلقى مساعدات زهيدة تارة طعام وتارة كسوة، وكانت في قمة سعادتها هي وأطفالها كونها كانت تعمل إلى جانب تلك المساعدات.

لكن الجدة بحسب ما أوضحته تهاني محمد لم يعجبها الأمر عندما سمعت وأصرت على أخذ الأطفال عنوة والسماح لها برؤيتهم مرة واحدة خلال الشهر، على الرغم من توسلاتهم بالسماح لهم البقاء مع والدتهم بعد فقدانهم لوالدهم لكن بكائهم لم يجدي أي فائدة، مبينةً أنه خلال الأيام القليلة التي تلت تلك الحادثة تأكدت تهاني محمد أن الجدة رغبت بالاستيلاء على تلك المساعدات النقدية الزهيدة.

وأشارت إلى أن الأطفال يتلقون معاملة سيئة من قبل عائلة الأب ويتم تجويعهم خاصة مع أزمة الغذاء الحالية التي يمر بها سكان المدينة المحاصرة، فيما لو كانوا معها كانت ستفعل المستحيل كي توفر لهم في اليوم الواحد رغيف خبز على الأقل، كما يتم تعنيفهم عندما يتعرضون أو يلوحون برغبتهم للعودة إلى العيش مع أمهم، لافتة إلى أنها عاجزة ولا تدري ماذا تفعل أو كيف يمكنها تسوية الأمر مع تلك الجدة.

بدورها قالت محامية المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سماح عاشور، إن الحرب أثرت على النساء والأطفال وزادت من حالات النساء الأرامل والأطفال الأيتام مما انعكس بظلاله على عمل المحاكم الشرعية في قطاع غزة، خاصة أنها في بداية الحرب كانت معطلة بالكامل ولا تعمل، لكن مع حاجة النساء في استخراج الأوراق الثبوتية كعقود الزواج، والطلاق استأنفت تلك المحاكم عملها بشكل جزئي.

وتمثل عودة عمل المحاكم في الشق المتعلق بالحجج الشرعية مثل استخراج حجة الوصاية، الولاية، وكالة في شؤون الولاية، وحجة حصر الإرث، والترمل، والإعالة، والحضانة، بينما بقي التمثيل القضائي معطل حتى اليوم، لافتة إلى أنه من المشكلات التي تواجه النساء اليوم هو عدم قدرتها على دفع رسوم تلك المعاملات، لذا برز دور المؤسسات المدنية ومنها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في دفع الرسوم واستخراجها لتلك الفئات الهشة.

وأشارت إلى أن غياب القوة التنفيذية لتطبيق الأحكام يعتبر مشكلة أخرى تعاني منها النساء الأرامل، فعلى الرغم من حصولهن على حكم من مصدق المحكمة لحضانة الطفل، إلا أن الأرملة تبقى تعاني بسبب الوضع الحالي الذي يفرض ضبابية في المشهد، بسبب تردي الوضع الأمني أو انهياره بالكامل في ظل استمرار الحرب.

كما أن عدم التمييز بين المصطلحات قد يضع النساء بمأزق، فتفرق سماح عاشور، بين الولاية والوصاية خلال حديثها، كون الأولى لا تثبت إلا في وجود الأب أو الجد، بينما إن لم يوجدوا الاثنان فيمكن للعم أو الجدة أن تكون وصية على أطفال ابنها من بعد رحيله، منوهة إلى أن تلك النقطة تحديداً لا علاقة لها بالحضانة فمن الممكن أن تكون الأرملة حاضنة لكنها غير وصية ومن الممكن أن يكون الجد مانح تلك الولاية لأرملة ابنه.

وأضافت أن هناك مشكلة أخرى في عمل الوصاية بالمحاكم الشرعية بغزة، فمن الممكن أن يسبق العم أو الجدة الأم، أو الأخ الشقيق ففي حال بروزها تقوم المحكمة بعمل وصاية مشتركة ما بين الأم والجدة للأم أو الجدة للأب أو العم، وفي حال ثبت استيلاء الجد على أموال الأيتام يحق للأم رفع دعوة بالمحكمة تسمى محاسبة ولي وحينها يمكنها ارجاع كافة النقود التي سلبت من أطفالها.

وشددت سماح عاشور على أهمية توعية النساء الأرامل، فهناك نسبة كبيرة من تلك الفئة تجهل ما هي حقوقها الشرعية، خاصة الحق في الحضانة التي يكفلها لها القانون ما لم تتزوج من شخص آخر وهناك مادة قانونية تم تغيرها لحفظ هذا الحق ونصها "أن الأرملة التي حبست نفسها لرعاية أبنائها تبقى حاضنة أبنائها" حتى لو كانت الولاية في حوزة الجد.

وتختم سماح عاشور حديثها بالقول أن الأرامل الفلسطينيات، يمكنهن التوجه للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من خلال الخط الساخن المخصص لهن، بالإضافة لحضور جلسات التوعية التي يقيمها في مراكز الإيواء والنزوح بمختلف مدن قطاع غزة للوصول إليهن والإجابة عن أي استفسار يتعلق بأوضاعهن ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاتهن.