غياب مراكز الإيواء يحول دون محاربة العنف في تونس

تضاعفت نسب العنف في تونس خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت سبع مرات وفق إحصائيات رسمية لوزارة المرأة، إذ وصلت لحد تعنيف امرأة من بين كل ثلاث نساء

زهور المشرقي 
تونس ـ
ارتفاع نسب تعنيف النساء دفع بالعديد من الجمعيات النسوية إلى إطلاق حملات غضب واسعة لمناهضة هذه الآفة التي تفتك بالنساء والتي بلغت حدّ قتلهن والتنكيل بهن، لأنهن يضطررن إلى تحمل الإهانة والضرب، والعيش تحت سقف واحد مع المعنف؛ ففي تونس لا يوجد إلا مركز وحيد لإيواء المعنفات، والذي لا تسعف طاقته الاستيعابية استقبال أعداد النساء التي تلجأ إليه. 
وترى رئيسة جمعية صوت حوّاء النسوية جنات محمد في حديث لوكالتنا، أن إغلاق مراكز الإيواء يعود إلى ضعف الموارد المالية، بل انعدامها، برغم الاتفاقيات الموقعة بين وزارة الأسرة والمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس، وجمعيات دولية مختصة في الدفاع عن النساء ووقايتهن من التعنيف، معبّرة عن استغرابها لاستراتيجية الدولة التي لا تعتبر قضية المرأة أولوية ولا تخصّص لمراكز الإيواء ميزانية خاصة بها.
وأضافت "تضطر النساء اللواتي يتعرضن للعنف إلى العيش مع معنفيهن، لأنه ليست هناك مراكز إيواء يلجأن إليها، هناك مركز وحيد وهو غير كاف".
وعن الأسباب التي تراها وراء ارتفاع ظاهرة العنف في المجتمع التونسي تقول "هناك غياب الوعي النسائي والخوف من مقاضاة معنفّهن خشية من عادات وتقاليد بالية تعتبر ذلك وصمة عار"، مشيرةً إلى أن جمعية صوت حواء قامت بدورات تكوينية للأمنين في محافظات الوسط لمعرفة سبل التعامل مع المرأة المعنّفة وكيفية توجيهها وحمايتها، وذلك في إطار إيمان الجمعية بأهمية الوعي لدى كل الأطراف التي تتعامل مع النساء المتضررات.
ولفتت النسوية التونسية إلى أن قانون عدد 58 المتعلّق بالقضاء على العنف المبني على النوع الاجتماعي يعتبر ثورة في مجال حماية النساء من العنف، لكنه لم ينجح ولو نسبياً في التخفيض في النسب، خاصة بعد إغلاق مراكز الإيواء في مختلف الجهات، وضعف نفاذ ضحايا العنف للعدالة، إضافةً إلى عدم فهم القانون والتراخي في اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكاله من أجل احترام النساء.
وشدّدت على أن السنوات الأخيرة بيّنت أن القضاء لم ينصف بالشكل الكافي النساء المعنفات، لافتةً إلى أنه من المخجل أن يتم تطبيق قوانين بديلة عن قانون مناهضة العنف في بعض الحالات، ما زاد من تشجيع المعنّف وتقويته من قبل المشرّع الذي يفترض أن يحمي الضحايا. 
وقالت "يؤلمنا أن تنتظر الوزارة الجمعيات لتقديم تقاريرها السنوية بخصوص النسب المرعبة في مختلف الجهات، لتقرر فيما بعد وتقيّم خطورة الوضع الذي أصبحت عليه النساء، كم مؤلم أن تتصل بنا كجمعية امرأة معنّفة سيكون الشارع مصيرها ونفشل في ايوائها لأننا لا نملك مراكز خاصة لذلك، فتضطر إلى العودة إلى منزلها مكان وجود معنّفها ما يؤدي إلى حدوث كوارث حقيقية"، وتستحضر الحقوقية قضية رفقة الشارني التي قتلها زوجها الأمني بسلاحه، "هذه الحادثة وغيرها خير دليل، على أن المرأة تدفع الثمن في مجتمعنا نتيجة عدم وجود إرادة لخلق مراكز إيواء، تكون ملجأ للنساء المعنفات، حتى لا تؤدي بهن المشاحنات الزوجية اليومية إلى قتلهن كما حدث مع الحالات السابقة". 
وأفادت جنات بن محمد بأن "المرصد المنضوي تحت وزارة المرأة منصوص عليه في القانون عدد 58 وتتجلى مهمته في تقييم مدى تطبيق خطة مناهضة العنف للقيام بتقارير دورية ترصد الظاهرة وتبحث عن الحلول، لكنه يفتقر لموارد تمويلية تمكّنه من العمل بأكثر شراسة".
وبينت أن ضعف الموارد وغياب الميزانية وراء إغلاق المراكز وارتفاع النسب التي وصلت حد القتل، مشيرة إلى أن الحديث عن مقاربة لمقاومة الظاهرة في إطار غياب إرادة سياسية قوية لن ينفع في شيء.
بدورها ترى نصيب علوش رئيسة جمعية ريحانة للمرأة الريفية بمحافظة جندوبة في حديث مع وكالتنا، أن محافظات الشمال الغربي تفتقر لوجود مركز إيواء للنساء ضحايا العنف، بعد إغلاق مركز مسارات الخاص منذ أكثر من سنة بسبب مشاكل مادية بحتة حيث أن القائمين عليه قد كشفوا عن عجزهم في الاستمرار بسبب ضعف الموارد وعدم تقديم الجهات المعنية والمهتمة الدعم، لافتةً إلى أن هناك حديث عن إمكانية إنشاء مركز في جهة وادي مليز بمحافظة جندوبة بنفس الجهة يتبع وزارة المرأة. 
وبخصوص غياب المراكز وكيفية تصرف الوحدات المختصة، تقول الناشطة إنه في الحالات القصوى سابقاً يتم نقل النساء المعنفات إلى محافظة القيروان بالوسط، لكن تظل مشكلة الإيواء قائمة بعد غلق مركز أروى القيروانية هناك.
وأرجعت تضاعف النسب إلى جائحة كوفيد 19 لغياب الوعي المجتمعي بخطورة الآفة على النسيج الاجتماعي، فضلاً عن الصعوبات الإجرائية وتلك التي تتعلق بعدم معرفة النساء للقانون وعدم تمتيعهن بالإعانة العدلية الوجوبية التي يجب أن تكون آلية بحسب القانون، مشيرة إلى أن هناك بطء في مطالب الحماية، حيث صدرت بعض القرارات بعد أشهر من طلب الحماية، وهو مخالف للقانون ومن شأنه أن يفاقم وضع المرأة الضحية. 
وأكّدت محدثتنا أن القانون 58 هو نتاج نضالات نسوية دامت عقود من الزمن، ويستحق توفير موارد للسهر على حسن تنفيذه، خاصة من ناحية توفير مراكز إيواء.
ودعت إلى وضع استراتيجية وطنية لمناهضة العنف وسن تشريعات تمكن الإحاطة بالنساء ضحايا العنف، وتوفير مراكز الإيواء والحفاظ على سرية مكانها تحسبا لأي ردود أفعال من مرتكبي العنف تجاه ضحاياهم أو حتى تجاه المتطوعين والعاملين في هذه المراكز.
وشددت على أن أبرز مكسب من القانون عدد 58 هو إنشاء فرق مختصة في مراكز الشرطة مهمتها تلقي الشكاوى بخصوص العنف واستقبال الضحايا وتوجيههن في الحالات القصوى، وهو الشيء الذي يخدم ولو نسبياً النساء المعنفات، ويحفف من وطأة ما يتعرضن له، في ظل عدم وجود مراكز إيواء تحميهن من بطش المعنف.