غاضبات... حملة لمناهضة التحرش الجنسي في الجامعة

ـ تحدت طالبات جامعيات التقاليد البالية التي تكرّس منطق الصمت والخنوع والخوف من محاربة ثقافة "العيب" في تونس

زهور المشرقي
تونس ـ تحدت طالبات جامعيات التقاليد البالية التي تكرّس منطق الصمت والخنوع والخوف من محاربة ثقافة "العيب" في تونس، لتواجهن التحرش الجنسي في الجامعة وتقدمن شكاوي ضد مرتكبيها.
أطلقت طالبات كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس، حملة مناهضة التحرش الجنسي في الجامعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونظمن الخميس 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وقفة غضب لاقت تضامناً نسوياً واسعاً، بعدما تقدّمت طالبات بشكاوي لإدارة الجامعة وأثبتن تعرضهن للتحرّش والاستغلال.
 
 
قالت منسّقة الحملة غفران راجحي وهي طالبة جامعية، لوكالتنا، أن عشرات الطالبات من كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية نشرن شهادات حية في إحدى المجموعات المغلقة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تفيد بتعرضهن للتحرش من قبل أحد الطلاب تربطه علاقات قوية مع الإداريين في الجامعة، مشيرةً إلى أن الشهادات الصادمة دفعتهن كطالبات للتفكير في كيفية تنظيم يوم غضب رفضاً لكل أشكال العنف الظاهرة التي باتت مقلقة.
وأوضحت أنه تم التواصل مع محامٍ لتقديم شكاوي ضد المتحرش والتكفل بملفات الضحايا اللواتي قررن مقاضاة المتحرش، خاصةً بعد أن أتضح أن مرتكب جريمة التحرش قد اختار ضحاياه بعناية من الفتيات المنطويات على أنفسهن والغير اجتماعيات واللواتي لا تربطهن علاقات صداقة كثيرة مع زملائهن، "لقد أتضح أن المتحرّش قام باستدراج ضحاياه إلى منزله بعضهن تعرضن لمحاولات اغتصاب، قررت الضحايا شن حملة لمناهضة التحرش الجنسي ونشرها على أكبر نطاق".
وأشارت إلى أنهم قدموا شكاوي لإدارة الجامعة، مرفقة بشهادات للضحايا مع الحفاظ على سرّية هوياتهن حتى لا يتعرضن لأية مضايقات، فضلاً عن إرفاقها بعريضة من قبل الطلبة والنقابات التي تنشط بالكلية، لاتخاذ مجلس التأديب الإجراءات اللازمة، معتبرةً أن المتحرش يمثل خطراً حقيقياً على سلامة الطالبات وحريتهن.
كما تم التواصل مع جمعيات نسوية على غرار "أصوات نساء" لدعمهن والتنديد بهذا الفعل المشين كما وصفته، داعيةً الفتيات إلى كسر حاجز الخوف والصمت لتتبع المتحرش عدلياً ومحاسبته، مشددةً على أنه سيتم توفير رعاية نفسية للضحايا، مؤكدةً على أنهم يسعون لخلق فضاء آمن وسليم للطالبات في الجامعات، حتى يواصلن الدراسة بأمان.
وعن اختيارهن ارتداء اللون الأسود في الحملة، أوضحت "اللون الأسود تعبير عن مدى حزننا على ما آلت إليه الأوضاع في الجامعة، نحن في حداد على أجساد زميلاتنا التي استبيحت".
 
 
بدورها استنكرت مساعدة منسّقة الحملة والناشطة الحقوقية في نادي القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بالجامعة خلود فايزي، ما تعرضت له الفتيات، وندّدت بمحاولات استباحة أجساد الطالبات داخل الحرم الجامعي أو خارجه، مشددةً على ضرورة محاسبة الفاعلين وتوفير الإحاطة اللازمة والدعم للضحايا، "لا توجد سلطة على الإطلاق تتيح للرجل الحق في الاعتداء على النساء".
وأكدت على سعيهم لتقديم المساندة المطلقة واللّامشروطة لضحايا التحرش خاصةً بعد تعرض مجموعة من الطالبات للتحرش الجنسي، واستعداد النادي الطلابي لتوفير فضاء آمن للتبليغ عن عمليات التحرش داخل الجامعة من خلال إنشاء صندوق شكايات وبريد إلكتروني، في محاولة للحد من تفشي ظاهرة التحرش في الجامعات.
ولفتت إلى أن تفاقم ظاهرة التحرش داخل المجتمع التونسي ككل ضمن سلسلة العنف ضد المرأة، يعكس انهيار المنظومة القيمية والأخلاقية وضعف الأمن والمتابعة رغم وجود النصوص القانونية الرادعة التي غالباً ما يتم التراخي في تفعيلها. 
ودعت إلى مقاومة ثقافة العنف والكراهية الموجهة ضد النساء، والتصدي بكل قوة لمن تخول له نفسه ممارسة العنف المادي أو المعنوي ضد الفتيات داخل أسوار الجامعات أو خارجها، من خلال التوعية.
وكان قد أطلق مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "CAWTR" وبرنامج الأغذية العالمي بتونس في كانون الأول/ديسمبر 2020، تطبيق "SafeNess" على الهواتف المحمولة، استناداً إلى خبرات شبابية من الجنسين من الطلبة في مجالات متنوعة، لحماية النساء والفتيات من العنف والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، وجعل الفضاء العام بيئة أكثر أماناً للنساء والفتيات.
ويمكّن التطبيق المرأة من أن اختيار قائمة مؤلفة من خمس أشخاص موثوق بهم، تطلب من شخص أو أكثر منهم متابعة خط سيرها متى أرادت هي ذلك حتى الوصول إلى وجهتها بأمان، والتدخل إن لزم الأمر.
ورغم إطلاق ناشطين وناشطات في مجال حقوق المرأة العديد من الحملات المناهضة للتحرش، إلا أنها لم تحد من ارتفاع عدد النساء ضحايا التحرش الجنسي في مختلف الأماكن.
 
 
وترى المختصة في علم الاجتماع صبرين العجرودي، أن "التربية التي تبدأ من المنزل ثم المدرسة هي أساس محاربة مثل هذه الظواهر المشينة التي تضر بتماسك المجتمع"، وشدّدت على أهمية نشر ثقافة التسامح بين الشباب وتكثيف البرامج الإعلامية التوعوية وخلق حركة فنّية وأدبية وثقافية وكشفية، والعمل مع منظمات المجتمع المدني لترسيخ مفهوم سلامة المجتمع وثقافة الاحترام المتبادل.
واعتبرت أن قانون مكافحة العنف ضد النساء في توس الصادر عام 2017، يمثل خطوة مهمة لصون حقوق المرأة، إلا أنه لم يحدّ من هذه الظاهرة، مشيرةً إلى أهمية مراجعة آلية تنفيذ بنود هذا القانون بما يتماشى والواقع التونسي اليوم.
واعتبرت أن تحقيق ذلك لن يكون إلا عبر إرادة سياسية ومجتمعية حازمة، وإشراك المؤسسات العامة والخاصة والجمعيات والنوادي والإعلام في الفعاليات والبرامج المناهضة للعنف والتحرش، كي تتضافر الجهود في القضاء على الظواهر السلبية بمختلف أشكالها.
والجدير ذكره أن حملة مناهضة التحرش الجنسي في الجامعات ستسمر، لجمع أكبر عدد من شهادات الطالبات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي أو العنف ومعاقبة مرتكبيها، وستنظم الطالبات الجامعيات وقفات احتجاجية في جامعات وكليات تونسية الخميس 18 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.