بسبب الفقر والعادات... فتيات أرياف القصرين تُحرمن من حقهن في التعليم

في المناطق الريفية بمحافظة القصرين، يواجه تعليم الفتيات تحديات كبيرة، حيث يضطر العديد من الأهالي إلى تفضيل تعليم الأبناء الذكور على حساب الفتيات، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة والعادات الاجتماعية السائدة.

إخلاص حمروني

تونس ـ في أرياف محافظة القصرين، تواجه الفتيات تحديات كبيرة تعرقل مسيرتهن التعليمية، حيث تتداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية لتشكل عقبات تحول دون استمرارهن في الدراسة، فالعادات والتقاليد، في هذه المناطق المنسية، لا تزال تلقي بظلالها على حق الفتاة في التعلم، إلى جانب الفقر وضعف البنية التحتية، مما يدفع الكثيرات إلى الانقطاع المبكر عن المدرسة.

أكدت المعلمة شذى الدخيلي، أن الفتاة الريفية تواجه العديد من العوائق التي تؤثر على استمراريتها في الدراسة أو تؤدي إلى انقطاعها المبكر، موضحة أن هذه العوائق تتنوع بين العوامل الاجتماعية، الاقتصادية، والجغرافية، حيث تلعب العادات والتقاليد دوراً أساسياً في تحديد مستقبل الفتيات في المناطق الريفية.

وتابعت "هناك أسراً ترى أن تعليم الفتاة يجب أن يقتصر على معرفة أساسيات القراءة والكتابة فقط، ثم تتوقف عن الدراسة لتتفرغ لرعي الأغنام أو تتزوج في سن مبكرة لا تتجاوز الخامسة عشرة أو السادسة عشرة"، مؤكدة أن بعض تلاميذها يخبرونها عن زميلاتهم اللواتي تزوجن في سن صغيرة، حيث لا تتجاوز أعمارهن 13 أو 14 عاماً، وهو أمر شائع في هذه المجتمعات التي تعتقد أن الزواج المبكر هو المصير الطبيعي للفتاة.

وأوضحت أن العوامل الاقتصادية تزيد من تعقيد الوضع، حيث يعاني التلاميذ في المدارس الريفية من ظروف معيشية قاسية، خاصة خلال فصل الشتاء، إذ يأتي بعضهم إلى المدرسة وهم يرتدون أحذية خفيفة رغم البرد، بينما يفتقد آخرون إلى الملابس المناسبة لمقاومة الظروف الجوية، مضيفةً أن العديد من الأولياء يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة، فيفضلون توفير احتياجات الأسرة الأساسية على شراء الأدوات المدرسية لأبنائهم، مما يدفع بعضهم إلى إبقاء الفتيات في المنزل بدلاً من إرسالهن إلى المدرسة.

وبينت أن بعض الفتيات تجبرن على ترك مقاعد الدراسة للمساهمة في إعالة أسرهن، حيث تلجأ بعضهن إلى العمل في جني الطماطم أو جمع الزيتون، مما يحرمهن من حقهن في التعليم، لافتةً إلى أن العامل الجغرافي يعد من أكبر التحديات، حيث تقطن بعض الفتيات على بعد 8 إلى 10 كيلومترات من المدرسة، مما يجبرهن إلى المشي لمسافات طويلة يومياً، وهو ما يقلق الأهالي ويدفعهم إلى منع بناتهم من الذهاب إلى المدرسة خوفاً على سلامتهن.

وأضافت "شهدت بنفسها معاناة التلاميذ مع وسائل النقل، حيث تكتظ الحافلات المدرسية بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية، مما يجعل التنقل خطراً وغير آمناً خاصة وأن الطرق غير معبدة وسرعان ما تتحول في فصل الشتاء إلى مسالك موحلة تعرقل وصول التلاميذ إلى مدارسهم".

 

 

من جانبها، أكدت المعلمة فضيلة الجامعي، أن غياب الوعي بأهمية التعليم يعد من أبرز العوائق التي تواجه الفتيات الريفيات، حيث يحمل بعض الأولياء مفاهيم خاطئة، إذ يعتقدون أن الفتاة إذا واصلت دراستها وانتقلت إلى المدينة، فإنها ستتعرض للمخاطر. وهذه العقلية التقليدية تمنع العديد من الفتيات من مواصلة تعليمهن، خاصة أن بعض الأسر ترى أن مكان الفتاة هو في المنزل أو في رعي الأغنام والعمل في الزراعة، وليس في المدرسة.

وأوضحت أن الزواج المبكر يمثل عائقاً كبيراً أمام تعليم الفتيات، حيث تتزوج العديد منهن في سن 17 أو 18 عاماً، مما يضع حداً لمسيرتهن التعليمية، مشيرةً إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة في المناطق الريفية تزيد من هذه الظاهرة، حيث تعتمد الأسر على الزراعة كمصدر رزق رئيسي، وهو بالكاد يكفي لسد احتياجاتهم اليومية، مما يدفعهم إلى التضحية بتعليم الفتيات لصالح تعليم الأبناء الذكور، وهو ما يعمق الفجوة التعليمية بين الجنسين ويحرم الفتيات من حقهن المشروع في التعلم.

 

 

أما منيرة الرحموني، معلمة ذات خبرة في التعليم تقارب 35 عاماً منهم 9 سنوات في المناطق الريفية، فقد لاحظت من خلال تجربتها الطويلة أن هناك العديد من النساء اللواتي تجتهدن وتبذلن جهوداً كبيرة للدفاع عن حق بناتهن في التعليم، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعشنها لكن مع ذلك تسجل هذه المناطق ارتفاع حالات انقطاع الفنيات عن التعليم مبكراً.

أضافت أنها عايشت في إحدى القرى عائلة كبيرة كانت الجدة فيها مسؤولة عن تربية الأبناء، ومن بين أفراد هذه العائلة، كانت هناك فتاة تبلغ من العمر عشر سنوات، قامت بتدريسها في السنة الرابعة ابتدائي انقطعت عن الدراسة لأن عائلتها أرادت تزويجها في سن مبكرة، رغم أنها كانت في عمر 12 عاماً.

وتابعت "حاولت التدخل لمساعدة الفتاة، لكن العائلة في منطقة حاسي الفريد في القصرين، تفضل دائماً تزويج الفتيات في سن مبكرة، حيث يتم تزويج الفتاة في سن 13 أو 15 عاماً".

ولفتت إلى أنها درست فتاة أخرى كانت تعيش ظروفاً عائلية صعبة، حيث كانت الأم هي المعيلة الرئيسية لأخوتها الصغار لأنها كانت منفصلة عن زوجها وكان عليها أن تعتني بالصغار، لذا اضطرت للبقاء في المنزل بدلاً من مواصلة دراستها، مشيرةً إلى أنه في وقت لاحق، أخبرها شقيقها أن الفتاة قد هاجرت بصفة غير قانونية إلى ايطاليا بسبب الظروف القاسية.

كما أكدت منيرة الرحموني على أن الصعوبات التي تواجهها الفتيات في المناطق الريفية كثيرة ومتشعبة، مشيرة إلى أن الطرقات غير المعبدة تمثل تحدياً كبيراً للوصول إلى المدارس، مضيفةً أنها نفسها تضطر للسفر مسافة 7 كيلومترات للوصول إلى مدرستها الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على العملية التعليمية.

 

 

أوضاع المدارس "صعبة"

هذا واتفقت المعلمات على أن أوضاع المدارس في المناطق الريفية لا تشجع على التعليم، نظراً للعديد من النقائص والتحديات، مؤكدات أن البنية التحتية لهذه المدارس تعاني من غياب التجهيزات الأساسية، مما يجعل من الصعب على المعلمين أداء رسالتهم التربوية بفاعلية، كما يؤثر ذلك سلباً على جودة التعليم.

وأوضحن أن المدارس الريفية تفتقر إلى أبسط المرافق، مثل الجسور، دورات المياه، المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن الطرق غير الآمنة، فالعديد من التلاميذ يضطرون يومياً إلى قطع مسافات طويلة قد تصل إلى 26 كيلومتراً سيراً على الأقدام للوصول إلى المدرسة، ويواجهون مشاقّاً كبيرة، خاصة خلال فصل الشتاء، عندما تتحول الطرقات إلى وديان بسبب الأمطار الغزيرة. وقد وقعت حوادث مأساوية في بعض المناطق، حيث جرفت السيول الأطفال أثناء توجههم إلى مدارسهم، مما أدى إلى وقوع وفيات وإصابات.

وأكدن أنه لا يمكن الحديث عن استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الأجهزة اللوحية (التابلت) أو الوسائل الرقمية في مدارس لا تمتلك حتى سوراً يحميها. فقد أشار بعض المعلمين إلى أن مدارسهم غير مسيجة، ما يجعلها عرضة لدخول الحيوانات أثناء الدروس، مما يشكل خطراً على التلاميذ ويعيق العملية التعليمية.

كما أوضحن أن التجهيزات الضرورية غير متوفرة، حيث تفتقر العديد من المدارس إلى الكهرباء وشبكات الاتصال، مما يعزلها عن التطورات التكنولوجية في المجال التعليمي. وشددن على ضرورة أن تتحمل الحكومة والمجتمع المدني مسؤولياتهما في تحسين هذه الظروف، لأن التعليم هو السبيل الوحيد للنهوض بالمجتمع. فالطفل الذي يدرس اليوم هو من سيحمل شعلة المستقبل ويصبح طبيباً أو معلماً أو مهندساً يسهم في بناء البلاد.

وأكدت المعلمات أن الفتاة الريفية تحتاج إلى بيئة تعليمية مناسبة وإمكانيات تساعدها على مواصلة دراستها، حتى لا يضطر والداها إلى حرمانها من التعليم ودفعها إلى العمل في الأرض أو القيام بالأعمال المنزلية. لذلك، من الضروري دعمها وتشجيعها على التحدي والصمود أمام الظروف الصعبة، موضحات أن الحل الأساسي لمواجهة هذه التحديات يكمن في توعية الأهالي بأهمية تعليم الفتيات، من خلال جهود مكثفة يقوم بها المرشدون التربويون والجمعيات المحلية، فالتعليم حق شرعي تكفله القوانين، وهو مفتاح ضمان مستقبل أفضل للفتاة، حيث يمنحها استقلالية اقتصادية واجتماعية.

وشددن على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تكاتف الجميع، حيث يجب على الحكومة الاضطلاع بمسؤولياتها وعلى المجتمع المدني والجمعيات تقديم الدعم اللازم لتوفير الاحتياجات الأساسية للمدارس، لأن تحسين جودة التعليم سينعكس إيجابياً على البلاد ككل، وسيساهم في تقليل البطالة، وتحسين الإنتاج، والارتقاء بالمجتمع، كما أن تعليم الفتاة الريفية سيجعل منها امرأة واعية ومتحررة ثقافياً واجتماعياً، تنقل هذه الثقافة إلى أبنائها وتساهم في تنشئة جيل متعلم قادر على بناء المستقبل.