جفاف سراب نيلوفر... من زنابق الماء إلى أرض قاحلة
جفاف سراب نيلوفر في كرماشان بشرق إيران يُجسّد فشلاً بيئياً ناتجاً عن سوء إدارة الحكومة الإيرانية، وغياب التخطيط والاستدامة في سياساتها، هذا النهج أدى إلى تدمير أحد أبرز المعالم الطبيعية في المدينة، ويهدد مستقبل البيئة والحياة هناك.
نسيم أحمدي
كرماشان ـ سراب نيلوفر، من أبرز المعالم الطبيعية في مدينة كرماشان بشرق كردستان، لطالما كان رمزاً حياً للجمال والحياة، حيث كانت بحيرته المزدانة بزنابق الماء الصفراء تسحر الأنظار وتنعش الأرواح، ولم تقتصر أهميته على منظره الخلاب، بل كان أيضاً موئلاً غنياً بالتنوع البيولوجي، يحتضن العديد من الأنواع النباتية والحيوانية.
سراب نيلوفر هذا الكنز الطبيعي بدأ يتلاشى تدريجياً خلال العقدين الماضيين، في تدهور يُعزى من قبل كثيرين إلى سوء إدارة الجهات المعنية، ما أدى إلى فقدان أحد أهم رموز البيئة في المنطقة.
جفاف سراب نيلوفر بشكل كامل لم يؤدِ فقط إلى اندثار زنابق الماء، بل قضى أيضاً على أي فرصة للتعافي الطبيعي لهذا المعلم البيئي، ففي أيلول/سبتمبر الماضي، أُعلن رسمياً عن جفاف البحيرة بالكامل، والسبب انخفاض معدلات الأمطار.
ويرى العديد من نشطاء البيئة وسكان المنطقة أن هذه التفسيرات لا تعكس الصورة الكاملة، ويؤكدون أن العوامل البشرية لعبت دوراً أكثر تأثيراً في هذه الكارثة، من بين هذه العوامل الاستغلال المفرط للمياه، التوسع الزراعي غير المدروس، وغياب التخطيط البيئي طويل الأمد، كما أن السياسات الحكومية التي لم تُعطِ الأولوية للقضايا البيئية ساهمت، بحسب رأيهم في تفاقم الأزمة، ما أدى إلى فقدان أحد أهم رموز الطبيعة في كرماشان.
وتشير المشاهدات الميدانية والزيارات الأخيرة إلى أن سراب نيلوفر قد جفّ تماماً، ولم يتبقَ فيه سوى أرض متشققة وبقايا نباتات ذابلة، دون أي أثر لزنابق الماء، الطيور المهاجرة، أو الكائنات الحية التي كانت يوماً ما تملأ المكان بالحياة.
ومع شح مياه البحيرة، بدأت النفايات تتراكم في قاعها، ما ينذر بتحوّل هذا الموقع الطبيعي إلى مكبّ للنفايات ومكان لتصريف المخلفات، خاصة في ظل استمرار حالة الجفاف وعدم وجود خطة واضحة لإعادة تأهيلها أو حمايتها.
جفاف سراب نيلوفر لا يُعدّ مجرد أزمة محلية، بل يُمثّل مؤشراً على أزمة بيئية أوسع نطاقاً في كرماشان، فبحسب التقارير فإن معظم الينابيع وحتى الأنهار في المنطقة تعاني من أوضاع حرجة، وهناك احتمال كبير لجفاف المزيد من المسطحات المائية مثل تالاب هشيلان وسراب ياوري.
ويُعزى هذا المسار المتسارع للجفاف إلى سوء إدارة الحكومة، ما قد يؤدي إلى تراجع التنوع البيولوجي وزيادة المخاطر البيئية في المنطقة.
واستناداً إلى المعلومات والتحليلات البيئية، لا يمكن اعتبار جفاف سراب نيلوفر مجرد نتيجة للتغيرات المناخية، بل يُعدّ انعكاساً لأزمة هيكلية أعمق في إدارة الموارد الطبيعية في إيران، فغياب الإصلاحات الجذرية في السياسات البيئية، وضعف الرقابة على حالة البيئة والموارد الطبيعية، قد دفع بالبيئة نحو الانهيار، وعرّض الحياة الطبيعية لخطر الزوال.
في الواقع، فإن النهج الإداري المتّبع في إيران، والذي يتسم بتدمير الموارد البيئية وتجاهل استدامة البيئة، كان له دور محوري في تفاقم أزمة الجفاف في هذه البحيرة، إذ إن تحويل منظر طبيعي غني بالحياة إلى أرض قاحلة خلال سنوات قليلة، لا يحدث إلا نتيجة تخطيط غير مدروس ومستمر.
فالأرض التي كانت يوماً ما تحتضن زنابق الماء، تحوّلت اليوم إلى صحراء لا أثر فيها للماء أو الحياة، سوى بضع قطرات من ندى الصباح العابر.
سراب نيلوفر لم يعد مجرد مشهد طبيعي آسر، بل أصبح رمزاً لانهيار تدريجي يطال النظم البيئية التي وقعت ضحية لسوء الإدارة، الفساد المؤسسي، وتغليب المصالح السياسية على الاعتبارات البيئية في سياسات إيران.
في ظل هذا الواقع، لا تندثر الطبيعة وحدها، بل تتلاشى معها آمال السكان ومستقبلهم، إذ إن استمرار الصمت تجاه هذا التدهور يعني القبول الضمني بجفاف بحيرات أخرى في هذه المدينة التي كانت تُعرف يوماً بـ "أرض السرابات"، وتحولت اليوم إلى أرض قاحلة، جرداء، لا أثر فيها للحياة ولا للماء.