أورمية... من بحيرة دائمة إلى مسطح موسمي

بحيرة أورمية، أكبر بحيرة داخلية في إيران، فقدت صفتها كبحيرة دائمة وأصبحت موسمية نتيجة سياسات غير مستدامة وتراجع حصص المياه، وإنقاذها يتطلب تغييراً جذرياً في السياسات وضمان تدفق مستدام للمياه بعيداً عن الاعتماد على الأمطار وحدها.

سايه محبي

أورمية ـ بحيرة أورمية، التي تُعد أكبر بحيرة داخلية في إيران، عانت خلال العقود الأخيرة من انخفاض حاد في منسوب مياهها حتى وصلت إلى مرحلة الجفاف الكامل، حيث أُعلن رسمياً عن جفافها التام في صيف العام الجاري.

بعد مرور أربعة أشهر على إعلان جفاف بحيرة أورمية المالحة، تداولت منصات التواصل الافتراضي في الأيام الأخيرة صوراً جديدة توحي بعودة الحياة إليها، وبحسب ما أفادت به بعض وسائل الإعلام، فإن هذه المشاهد تُظهر ارتفاعاً في منسوب المياه مقارنة ببداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي قبل نحو شهرين ونصف، حيث زاد المستوى بما يقارب 40 سنتيمتراً.

وعلى الرغم من أن هذه الصور بعثت الأمل وأدخلت البهجة في نفوس الناس، إلا أنها لم تُغيّر من حقيقة جفاف البحيرة، إذ ما زالت أجزاء واسعة منها جافة، وتؤكد المعاينات الميدانية أن بحيرة أورمية فقدت صفتها كبحيرة دائمة، وأصبحت في الواقع مسطحاً موسمياً يرتبط وجوده بأشهر محدودة من الأمطار، ليعود مع حلول فصل الصيف إلى مشارف الجفاف الكامل من جديد.

يُظهر نمط توزيع المياه داخل البحيرة حجم الأزمة البيئية العميقة، إذ إن ارتفاع المنسوب يتركز في الأجزاء الوسطى والشمالية، خصوصاً قرب جسر تبريز ـ أورمية، بينما تظل الجهات الشرقية والجنوبية جافة أو شبه جافة. وعلى الرغم من المطالبات الشعبية المتزايدة وتحذيرات الناشطين البيئيين، اتبعت الحكومة خلال السنوات الأخيرة نهجاً أمنياً في التعامل مع هذه الكارثة، متجاهلةً خطورة جفاف البحيرة، ولم يقتصر تدخلها سوى على تأسيس "لجنة ترميم بحيرة أورمية" عام 2013، وطرح بعض الخطط المرتبطة، وذلك بعد أن كانت نحو 80% من مساحة البحيرة قد اندثرت بالفعل.

شيدا كريمي، الناشطة البيئية، أوضحت أن تحوّل بحيرة أورمية إلى بحيرة موسمية لم يكن حدثاً عابراً، بل نتيجة تراكم سنوات من السياسات غير المستدامة، وتعطيل مشاريع الإحياء، وغياب الإرادة الجدية في تخصيص حصص المياه اللازمة، إلى جانب تغليب المصالح الزراعية والتنموية قصيرة الأمد على بقاء نظام بيئي حيوي.

وأشارت إلى أنه رغم تشكيل لجان متعددة في فترات مختلفة بهدف إنقاذ البحيرة، فإن التغييرات المستمرة في هياكل هذه اللجان، وغياب الأولوية، وعدم استكمال المشاريع، فضلاً عن التنفيذ الناقص للعديد من الخطط، حال دون إحداث أي تحول ملموس في وضع البحيرة.

وشددت شيدا كريمي على أن الاعتماد على الأمطار الطبيعية وحدها لا يكفي لإنقاذ البحيرة "رغم مرور خمسة عشر عاماً على تأسيس لجنة إحياء بحيرة أورمية وقرع ناقوس خطر جفافها الكامل، لم يُنفَّذ أول مشروع لاستمطار السحب في حوض البحيرة إلا في منتصف الشهر الماضي، غير أن هذه الخطوة، إلى جانب الأمطار، لا يمكنها وحدها مواجهة خطر اندثار البحيرة".

ويرى الخبراء أن استمرار هذا النهج يعني تكريس الطابع الموسمي للبحيرة، بما يحمله من تداعيات بيئية وصحية ومعيشية واسعة تطال ملايين البشر. وفي ظل هذه الظروف، فإن الإحياء الحقيقي للبحيرة يتطلب أكثر من أي وقت مضى تغييراً جذرياً في السياسات الحاكمة، وضمان تدفق مستدام للمياه، والاعتراف بمسؤولية الأزمة؛ وهي مسؤولية طالما جرى تأجيلها من قبل السلطات.