المخلفات العضوية بديل السماد الكيماوي... مشروع يعزز الزراعة المستدامة
أطلقت فتخة الغبرة مبادرة بيئية واقتصادية نجحت فيها بتحويل المخلفات الزراعية وروث الحيوانات إلى سماد عضوي (كمبوست) يغذي التربة، ويعيد لها خصوبتها، ويعزز الإنتاج الزراعي النظيف في محيطها.

زينب خليف
دير الزور ـ باستخدام أدوات بسيطة ومواد متوفرة في البيئة المحلية، وبعيداً عن أي دعم خارجي، استطاعت فتخة الغبرة من ريف مقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا تحويل فكرة صغيرة إلى مشروع منزلي منتج.
في وقت باتت فيه الزراعة تشكل تحدياً حقيقياً في ظل الأزمات الاقتصادية والمناخية التي تمر بها سوريا هناك تجارب فريدة تبرز كمثال حيّ على أن الحلول الكبرى تبدأ من الأفكار البسيطة وتصنع المبادرات الصغيرة فرقاً كبيراً، وتعيد الحياة إلى التربة.
فتخة الغبرة صاحبة المبادرة تقول عن تفاصيل تجربتها في إنتاج الكمبوست أو السماد العضوي "كل شيء بدأ من فسحة المنزل عندما بدأت بجمع بقايا أوراق الأشجار، والحشائش، والتبن وروث الحيوانات، ونظمتها على شكل طبقات، كل طبقة نرشها ماء ونضغطها، ونتركها تتخمر، وبعد 15 يوم نقلب الأكوام، لينتج بعد 30 يوماً سماد عضوي ناعم جاهز للزراعة".
وتعتمد عملية إنتاج الكمبوست على مادتين رئيسيتي هما المادة الخضراء مثل الأعشاب الطرية وبقايا الخضروات، وقشور البقوليات، والمادة الصفراء مثل التبن، والأوراق الجافة، وسيقان النباتات وروث الحيوانات الجاف.
وتبين فتخة الغبرة أنها استفادت كثيراً من هذا المشروع المنزلي في تجنب شراء السماد الكيماوي المرتفع الثمن والابتعاد عن كل ما يسببه له من أذى على صحتها هي وعائلتها "قمت برشه على البندورة، والباذنجان، والكوسا، والخيار وكلها كانت أنظف وأطيب وأغزر إنتاجاً من أي مرة سابقة. النبات أصبح قوي، والثمار صحية لأنها كبرت بدون سماد كيميائي".
الزراعة العضوية مشروع حياة للنساء
تُشكّل مبادرة فتخة الغبرة أكثر من مجرد تجربة زراعية، فهي مشروع حياة لنساء الريف، اللواتي تبحثن عن حلول بديلة ومستدامة لمواجهة ارتفاع الأسعار وندرة المواد الزراعية "في البداية كنت أعمل فقط للاستهلاك المنزلي، لكن بعد فترة أصبح لدي إنتاج فائض، وبدأت بالبيع للأقارب والجيران، وأحياناً أتجه للبيع في السوق المحلي"، فهذا النوع من المشاريع يخلق فرصاً اقتصادية فعلية.
وتؤكد أن "المواد متوفرة، ولا نحتاج آلات معقدة. فقط وقت، وجهد بسيط، وصبر. كل امرأة قادرة تبدأ في بيتها، بدون رأس مال ولا تعقيد"، فبعيداً عن المفهوم التقليدي للزراعة، تعكس تجربة الكمبوست جوانب أعمق من التنمية المستدامة، فهي تجربة قائمة على إعادة التدوير، وتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء، وبناء ثقافة جديدة من الاعتماد على الذات.
وفي ظل غياب البنية التحتية الزراعية في معظم مناطق دير الزور، بسبب الحرب والأزمات الاقتصادية، يشكّل هذا النوع من المشاريع المحلية أداة فعالة لتعزيز الأمن الغذائي، وتمكين الفئات الأكثر تهميشاً خاصة النساء.
"المبادرات الصغيرة هي البذور الأولى للنهضة"
وتبين صاحبة هذا المشروع فتخة الغبرة أن "فوائد الكمبوست لا تقتصر على تقوية النباتات فقط، بل تمتد لتشمل التربة والمناخ والمياه الجوفية. إذ يؤدي استخدام الأسمدة الكيميائية بشكل مفرط إلى إنهاك التربة، وتلويث المياه، وقتل الكائنات الحية الدقيقة المفيدة للنبات، أما الكمبوست، فهو سماد عضوي طبيعي يعيد للتربة توازنها البيولوجي".
وأثبتت بهذا العمل أن المشاريع الزراعية المستدامة يمكن أن تبدأ من الصفر، وبدون تمويل كبير، وكل ما يلزم هو معرفة بسيطة، وتعاون مجتمعي، ورغبة حقيقية في التغيير، فالكمبوست لا يغني فقط عن السماد الكيميائي، بل يحسّن قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء، ويقلل من انجرافها، وهو مناسب جداً للبيئة الجافة مثل دير الزور.
وتأمل فتخة الغبرة أن تنتقل هذه التجربة إلى نساء أخريات في القرى المحيطة، وتقول "أتمنى من كل النساء أن تقمن بتجربتها. الكمبوست سهل، ونتيجته عظيمة، لا شيء صعب عندما تكون الإرادة موجودة في الاعتماد على النفس"، وتدعو إلى دعم هذا النوع من المبادرات "قد تكون المبادرات الصغيرة هي البذور الأولى للنهضة".
مشروعها يمثل بذرة نمت في أرض صعبة، لكنّها أثمرت اكتفاءً، ووعياً بيئياً، ودرساً في الاستقلال الاقتصادي، وليست كل الثروات مدفونة في باطن الأرض، فبعضها يوجد في بقايا النباتات، وروث الحيوانات، ويد امرأة قررت أن تغيّر واقعها، بجهد يومي وصبر جميل.