فاطمة ياسين: النساء أكبر ضحايا الإشكالات البيئية وعلى رأسها التغير المناخي

يتسبب التدهور البيئي في المغرب، في وفاة ما يناهز 6 آلاف شخص سنوياً، كما يتسبب في خسائر مالية كبيرة للمملكة، إلا أنه رغم ذلك، يحاول تجاوز مشاكله البيئية، ما مكنه من احتلال مراتب متقدمة في عدد من التصنيفات العالمية

حنان حارت
المغرب ـ .
ومن بين المبادرات التي أطلقها مخطط المغرب الأخضر الذي يسعى من خلاله إلى جعل الفلاحة محركاً رئيسياً لنمو الاقتصاد الوطني، ثم محطة نور للطاقة الشمسية، والتي ستؤمن نسبة 52 بالمئة من حاجيات المغرب الكهربائية بحلول عام 2030، وأيضاً التزامه بحماية المحيطات، وكذا الحفاظ على البيئة والمياه الجوفية، وإطلاق مبادرات للتوعية البيئية.
ولأن المرأة هي أساس المجتمع ولأنها شريك في الحياة البشرية مثل الرجل، باتت تشكل حضوراً في مجال حماية البيئة.
فكان لوكالتنا حواراً مع الصحفية المغربية فاطمة ياسين التي تم تتويجها مؤخراً بجائزة الحسن الثاني للبيئة صنف الإعلام، في دورتها 13، مع العلم أنها رئيسة منتدى البيئة والحق في الصحة.
فاطمة ياسين حدثتنا عن دور المرأة في مجال حماية البيئة، والتمثيلية النسائية، وكيف يمكن للإعلام أن يساهم في ترسيخ ثقافة الوعي البيئي؟ وكذلك الاعتراف بدور المرأة في نشره.
 
بداية، نهنئكم على فوزكم بجائزة الحسن الثاني للبيئة، ونود أن نعرف ماذا يعني لكم هذا التتويج؟
التتويج يعني الاعتراف بعمل ومجهودات الصحفي، وتقدير أعماله وإنجازاته الإعلامية، وتشجيع الصحفيين دون استثناء على بذل مزيد من المجهودات كل في مجال تخصصه الإعلامي.
وفيما يتعلق بجائزة الحسن الثاني للبيئة، التي حظيت بشرف التتويج في دورتها 13، والمنظمة من طرف وزارة الطاقة والمعادن والبيئة (قطاع البيئة)، فهدفها تشجيع صحفيين لديهم اهتمام بمجال البيئة وتحدياتها وإشكالاتها.
كما يهدف هذا التتويج تشجيع الإعلاميين على الاهتمام بهذا التخصص، الذي يقتصر على فئة قليلة من الصحفيين، لهذا تهدف وزارة البيئة تشجيع الإعلامين على المساهمة في تفعيل وتنزيل أهداف التنمية المستدامة، وتحليل ونقاش كل المواضيع التي لها علاقة بالبيئة والإسهام في مسار التنمية المستدامة. 
ويبقى، التتويج بالنسبة لي هو تكليف أكثر منه تشريف، لأن الصحفي المتوج عليه بذل المزيد من الجهود والعطاء في الإنتاجات الصحفية سواء المكتوبة أو المرئية، وتقديم منتوج إعلامي ذو جودة عالية.
 
قلما نجد صحافيات متخصصات في البيئة، كيف جاءتكم فكرة التخصص في هذا المجال؟
فعلاً، لم يحظ الإعلام البيئي بإقبال الكثير من الإعلاميين، ذلك أن التخصص في العلوم البيئية في المغرب بصفة خاصة والعالم العربي هو من التخصصات الجديدة.
لأن طبيعة المشكلة البيئية سواء في المغرب أو المنطقة العربية لا تشكل سبقا صحفياً، إلا إذا تعلق الأمر بكارثة بيئية أو بأضرار فادحة ناتجة عن التلوث أو الفيضانات مثلاً.
هناك صحفيات يعملنَّ في مجال البيئة أيضاً، إلا أن المشكلة كما سبق وقلت لا يعمل سواء الصحفي أو الصحفية فقط على قضايا البيئة، فنجده مطالب بالاشتغال على كل التخصصات دفعة واحدة، كما لم نصل بعد للإيمان بالتخصص في مجال إعلامي معين.
وبدوري لا أعمل على القضايا البيئية، فهي جزء من عملي اليومي، رغم أنني أهتم بمجال البيئة سواء على المستوى الإعلامي أو الأكاديمي، إلا أن هذا لا يعني أنني متخصصة في المجال، بل اعتبر نفسي مجرد باحثة في المجال على المستوى الأكاديمي، وإعلامياً أيضاً ما زلت أبحث عن أخبار وقضايا بيئية للعمل عليها إعلامياً، حتى أكون فاعلة من أجل التغيير، ودفع المسؤولين على إيجاد حلول للإشكاليات البيئية.
وأيضاً من خلال هذا الاهتمام، فالإعلام البيئي يلعب دوراً هاماً ومحورياً يتجلى في التوعية بأهمية البيئة والحفاظ عليها. 
وبخصوص فكرة الاهتمام بالمجال البيئي، لم تأت اعتباطياً، لأنه منذ طفولتي، وأنا أهتم بالطبيعة وكل الفضاءات الخضراء، وكنت حريصة على الحفاظ على البيئة من خلال توعية زميلاتي وأفراد عائلتي بأهمية الحفاظ عليها.
وزاد اهتمامي بالحقل البيئي، خلال استفادتي من مجال الصحافة العلمية للاتحاد الدولي للصحافة العلمية بكندا، حيث كنا نعمل أكثر على ريبورتاجات وتحقيقات ميدانية تهم القضايا البيئية.
 
هل هناك من ميزات يجب أن تتمتع بها الصحفية للتخصص في معالجة الشؤون البيئية؟
ليست هناك مميزات معينة يجب أن تتمتع بها الصحفية للتخصص في معالجة الشأن البيئي، يجب أولاً أن تكون الصحفية تحب مهنتها وتؤمن بالقضايا البيئية، وقادرة على العطاء في هذا المجال.
ولا يمكن إجبار صحفية ما في قسم معين داخل المنشأة الإعلامية، العمل على القضايا البيئية، وهي تفضل العمل على قضايا الفن والسينما. 
تمثل المرأة أساس المجتمع، برأيكم كيف يمكن للمرأة أن تنشر الوعي البيئي بين أفراد الأسرة؟
تلعب المرأة دوراً أساسياً في المجتمع، فهي تقوم بعدة أدوار، منها الدور الأساس المتمثل في التربية البيئة السليمة، وباعتبار الأم مدرسة، فعليها أن تكون أول من يربي أطفالها على أهمية الحفاظ على البيئة، لهذا فالأم عليها نشر الوعي البيئي انطلاقاً من البيت، وخير مثال على ذلك عليها تربية أطفالها على عملية فرز النفايات، وذلك بعزل "الخبز" عن بقايا النفايات. 
ومن بين أدوار المرأة كذلك، يجب أن تزرع ثقافة ترشيد وعقلنة الماء والطاقة لدى الأطفال منذ الصغر، حيث يجب أن تحثهم على ضرورة الحفاظ على هذه الموارد من أجل ضمان استدامتها للأجيال القادمة.
وهنا أريد أن أؤكد على أن النساء يعتبرنَّ من أكبر ضحايا الإشكالات البيئية وعلى رأسها التغير المناخي، لذلك نجد أنهنَّ يقفنَّ في الصفوف الأمامية لمكافحة عواقبه؛ وبالتالي فهنَّ أكثر عرضة لآثار تغير المناخ الذي يحول دون التطور نحو المساواة بين المرأة والرجل، وبذلك فالعلاقات المرتبطة بمقاربة النوع تتوتر أكثر بفعل تغير المناخ وآثره المباشر وغير المباشر. 
 
بالنسبة للجمعيات الناشطة في المجال البيئي في المغرب، نجد أن هناك عدداً قليلاً من النساء اللاتي ينشطنَّ في هذا المجال في حين أنهنَّ يتواجدنَّ بكثرة في مجالات أخرى، برأيكم ألا يرسخ هذا لنمطية في الأدوار والمهام؟ بمعنى آخر هل هذا المجال هو حكر على الرجل فقط؟
إن الاهتمام بالمجال البيئي في المغرب كان يشكل ترفاً، ليتحول فيما بعد إلى ضرورة ملحة، جعلت الاهتمام بالقضايا البيئية أمراً ضرورياً خاصة في مطلع القرن 21، حيث احتل المغرب موقعاً ريادياً على صعيد القارة الإفريقية والعالم العربي، في مجال حماية البيئة، وحرص خلال السنوات الأخيرة، على تعزيز ترسانته القانونية، في مجال حماية البيئة وتكريس خيار التنمية المستدامة باعتباره خياراً استراتيجياً، وتطوير قدراته، من خلال النهوض بالبيئة، وتقاسم خبرته مع العديد من البلدان خاصة الدول الإفريقية. 
انطلاقاً من هنا، بات اهتمام البعض بقضايا البيئة، لكن في صفوف الرجال أكثر من النساء، لأن المجال البيئي صعب ويتطلب وقتاً طويلاً لإيجاد حلول استعجالية، لهذا أغلب النساء يفضلنَّ العمل على القضايا التي تتعلق بالنساء من قبيل التحرش الجنسي، العنف ضد النساء، مقاربة النوع.
لكن كل هذه القضايا يمكن إسقاطها في المجال البيئي، لأن عدداً من النساء يعانينَّ التمييز في مجال التكيف مع التغيرات المناخية، لأن الاهتمام يكون فقط حكراً على الرجل، ما يضطر نساء في القرى إلى قطع مسافات طويلة لجلب الماء.
لكن يمكن القول، أنه نسبياً بدأ اهتمام بعض النساء بالبيئة، إذ أصبحنَّ يلعبنَّ دوراً أساسياً في التوعية، ومنهنَّ من عملنَّ في جانب تمكين النساء اقتصادياً من خلال خلق مشاريع مدرة للدخل من قبيل تدوير وتثمين النفايات.
 
هل المرأة مسؤولة عن هذا الإقصاء؟
لا، أبداً المرأة ليست مسؤولة عن هذا التهميش، لأن المجتمع مازال يميز بين النساء والرجال في جميع المجالات، والشيء نفسه ينطبق على المجال البيئي.   
كما نجد أن أغلب الجمعيات التي تهتم بقضايا البيئة، التي يتجاوز عددها 800 جمعية بيئة يترأسها أو يديرها رجال، في إقصاء تام للنساء. 
لهذا أطالب المرأة المغربية بضرورة الانخراط في مجال البيئة، لأن الكل يراهن عليها من أجل تفعيل وتنزيل أهداف التنمية المستدامة، لأن المرأة تلعب دوراً فعالاً في التنشئة الاجتماعية البيئية، وفي الترافع من أجل الدفاع عن الحقوق البيئية.
 
اعتباراً من كونكِ صحفية، كيف يمكن للإعلام أن يساهم في ترسيخ ثقافة الوعي البيئي، وكذلك الاعتراف بدور المرأة في نشره؟ 
يساهم الإعلام بدور كبير في ترسيخ ثقافة الوعي البيئي، ذلك أن الإعلام البيئي يهدف إلى تنمية القدرات البيئية وحمايتها.
ومن خلال الإعلام البيئي يمكن ترشيد السلوك البيئي في تعامل الإنسان مع محيطه وتحضيره للمشاركة بمشروعات حماية البيئة والمحافظة على الموارد البيئية.
ومن جهة أخرى، يروم الإعلام البيئي تنمية الوعي والمسؤولية البيئية لدى القراء أو المشاهدين وتوجيه سلوكهم وأنشطتهم من خلال توعيتهم بالقضايا البيئية، مما يساهم في تغيير نمط حياة المجتمع وسلوكياته الضارة بالبيئة والطبيعة.
كما أن للإعلام دور مهم في رصد حدوث أي خلل بيئي، وتحريك الرأي العام، وفتح نقاش عام.
نعم يمكن للإعلام أن يساهم في الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه المرأة في نشر الوعي البيئي، وجعلها تساهم في الرفع من تأثير الإعلام في مواجهة التحديات الكبرى التي يشهدها المغرب في مجالات البيئة والتنمية المستدامة.
 
لو تم تعيينكم في منصب وزيرة البيئة ماذا كنتم ستعدون من مشاريع ومبادرات في المجال البيئي؟
هذا أمر مستبعد، لكن في حالة تعييني في منصب وزيرة البيئة، أول شيء سأقوم به هو العمل الميداني، الانتقال إلى القرى والمناطق النائية التي تعاني تحديات بيئية؛ ومن أهم المشاريع التي سأعمل عليها خلق فرص العمل للسكان في تلك المناطق التي تعاني التهميش والعزلة واللامبالاة، وسنبدأ بمشاريع بسيطة جداً، تهم إعادة تدوير وتثمين النفايات، وخلق مشاريع من خلال المنتوجات الطبيعية التي تتميز بها كل منطقة. 
وسينصب الاهتمام أكثر على النساء والأطفال لأنهم يعانون تحديات كبيرة بفعل قساوة الظروف الطبيعية وتغير المناخ، ووضع سياسيات وبرامج تضع في صلبها تحسين أنظمة التعليم المراعية للظروف المناخية، وإيجاد حلول في حالة الكوارث الناجمة عن التغير المناخي، ووضع برامج بيئية تتلاءم وتكوين الشباب من أجل تشجيعهم على الاختراع والابداع. 
ومن بين المشاريع إعطاء الأولوية البيئية ضمن البرامج التعليمية والإعلامية؛ بهدف تمكين المواطنين والمهتمين بالشأن المحلي للمشاركة الفعالة في تداعيات قضايا البيئة.
وبصفتي إعلامية أهتم بالبيئة سأحرص على تشجيع الإعلاميين البيئيين من خلال الإعلان عن ثلاث جوائز سنوية عن أفضل أعمال؛ لتشجيع الإعلاميين على الخوض في هذا المجال.