المرأة الريفية الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية

جراء التغيرات المناخية، تعاني المرأة الريفية الأمرين فإذا بقيت في المنزل تخسر مورد رزقها وإذا خرجت للعمل تتعرض للتعب والإرهاق.

إخلاص الحمروني

تونس ـ تعد التغيرات المناخية "مجالا علمياً" له قواعده وحساباته وتمس كل الكائنات الحية لتأثيرها سلباً على نمط الحياة وتجعلها أصعب في ظل عدم استقرار مؤشراتها، وفي تونس بدت تأثيرات التغيرات المناخية تتجلى بوضوح في السنوات الأخيرة ومست كل الكائنات البشرية وعلى رأسها المرأة.

سلطت الخبيرة والمستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية روضة القفراج في حوار مع وكالتنا الضوء على هذا الموضوع وتطرقت إلى تأثيراته على المرأة بشكل أساسي سواء تلك التي تسكن في المناطق الحضرية أو التي تسكن في الريف.

 

ماهي التغيرات المناخية في تونس؟

تتوفر معطيات قارية طيلة السنة تخص المناخ مثل معدل الحرارة ومعدل تساقط الأمطار، لكن هذه المؤشرات أصبحت غير مستقرة ولذلك أصبح المناخ غير مستقر، فالأمطار التي كانت عادة تهطل في الشتاء يمكنها أن تهطل في فصل الربيع أو الصيف.

وتتمثل هذه التغيرات في حصول الجفاف أو نزول الأمطار الغزيرة أو الفياضانات وهذا يحصل بسبب زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة في الجو التي هي من صنع الإنسان (السيارات الطائرات والكثير من المواد الكيميائية) وأيضاً بسبب ممارسته لأنشطة فلاحية وصناعية وسياحية تتسبب في ارتفاع درجة الحرارة، وهذا ما يؤدي لاختلال المناخ.

وجراء هذه التغيرات نعاني في تونس من تتالي سنوات الجفاف للعام الخامس مما أدى لنقص في إيرادات المياه في السدود ونقص في تجدد المائدة الجوفية.

ويمكن تعريف التغيرات المناخية بحصول اختلال الدورة المائية للأرض الذي يؤدي إلى احتباس الأمطار في مناطق معينة ويتولد عنه جفاف ونزول أمطار غزيرة في مناطق أخرى تتسبب في فيضانات.

 

ماهي تأثيرات التغييرات المناخية على المرأة في تونس؟

تختلف هذه التأثيرات بين الوسط الحضري (المدن مثل تونس وسوسة وصفاقس) والوسط الريفي (المناطق الداخلية والريفية وهي المناطق التي تنتج الغذاء).

وبخصوص النساء في المدن يتسبب استمرار الجفاف في انقطاع المياه عن المنازل الذي يؤثر سلباً على المرأة ويجعل وقتها ضيق تتقاسمه بين العمل خارج المنزل والطبخ الذي في بعض الأحيان يتم إعداده بالمياه المعدنية المعلبة بسبب انقطاع المياه الصالحة للشرب وعليها أن تنهي أعمالها في وقت محدد، الأمر الذي يتسبب في حالة من التوتر والضغط النفسي.

ارتفاع درجات الحرارة أيضاً في المناطق الحضرية يتسبب في عدة أمراض وله تكاليف مادية تمس من مردودية العائلة والعلاقة بين المرأة وزوجها والأطفال أيضاً، وهذا الوضع يجعل المرأة في هذه المناطق "محبطة" خاصة إذا تواترت الأمطار الغزيرة أو الفيضانات والتي تكون نتائجها أكثر خطورة في المناطق الحضرية.

وفيما يخص المرأة الريفية التي تعيش في المناطق الداخلية تعتبر عنصر من عناصر البلد في إنتاج الغذاء المتمثلة في 3 أشياء وهي اليد العاملة والمناخ والأرض، وفي المناطق الريفية لا تكون المرأة في أغلب الأحيان مالكة للأرض بل تعمل عند أشخاص سواء العائلة أو فلاح يقوم بنقلها من منزلها إلى الأرض.

عندما ترتفع درجة الحرارة في الصيف تجبر المرأة على الخروج باكراً في الخامسة تقريباً لأنه ابتداءً مع الساعة العاشرة ترتفع درجات الحرارة ولا يمكن العمل، وفي هذه الحالة يصبح وقت العمل ضيقاً خاصة ما بين شهري أيار وآب، وبالتالي تصبح مضطرة لقضاء أعمالها قبل الذهاب إلى العمل، وهذا أمر متعب لاسيما وأنها تمشي على قدمها حوالي كيلومتر أو اثنين لتصل إلى مكان عملها وفي بعض الحالات الأخرى تستعمل شاحنات نقل الفلاحات مقابل مبلغ مادي وهي وسائل نقل ملقبة بشاحنات الموت لكثرة الحوادث.  

كل هذه الأوضاع تجعل المرأة الريفية تواجه الأمرين فإذا بقيت في المنزل تخسر مورد رزقها وإذا خرجت تتعرض للتعب والإرهاق وهذا في حال توفر العمل لأنه في سنوات الجفاف يصبح الحصول على عمل صعب بحكم نقص مياه الري وقلة مياه الأمطار، الأمر الذي يتسبب في نقص المنتوج الفلاحي.  

ويمكن القول إن المرأة الريفية هي أكثر الكائنات التي تتأثر بالتغيرات المناخية ففي حال هطول الأمطار وحصول الفيضانات لا يمكنها التنقل في المسالك الفلاحية الوعرة غير المهيأة والعمل في ظروف قاسية (البرد القارص والمطر) وفي حال ثمة جفاف لن تحصل بسهولة على عمل كما يصبح العمل أكثر صعوبة تحت درجات حرارة مرتفعة وأيضاً تتراجع مداخليها المالية، وهذا يؤثر سلباُ على المرأة الريفية التي تعتبر أساس البيت وتوفر أكثر من 90 بالمئة من مدخوله لأن الرجل لا يقبل العمل مقابل 20 دينار ما يعادل 6 يورو.

وهنا نستخلص أن المرأة الريفية ليست فقط العمود الفقري للمنزل بل هي أكثر إنسان مهدد بالتغيرات المناخية، وهي مطالبة بالتأقلم مع هذه التغيرات خاصة في ظل عدم وجود حلول أخرى وهي مجبرة على وجود مورد رزق إضافي لا يتأثر بالمناخ كالمشاريع السياحية الصغرى مثل أن تؤجر غرفة في منزلها للسياح.

 

ماذا عن تأثير الحرائق الناجمة عن التغيرات المناخية؟

يوجد أمر أخر يخص التغيرات المناخية وهي الحرائق التي تكون في بعض الأوقات مفتعلة لكن في أكثر الأحيان تتم بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وجراء ذلك تخسر المرأة القاطنة قرب الغابات مورد رزقها المتمثل أساساً في تربية الماشية حيث يعيش 10 بالمئة من التونسيين في الغابات، وأكثر النساء هناك تمتهن جمع الحطب وجمع وتقطير الأعشاب (الإكليل والزعتر). وكل هذه الأنشطة معرضة للتلف بسبب اندلاع حرائق الغابات وبالتالي خسارة مورد الرزق نهائياً لخمس أو ست سنوات.

كل التغيرات المناخية سواء كانت تواصل الفيضانات أو الحرائق تجعل من المرأة الريفية تعيش في حالة رعب متواصلة ولن يعود بإمكانها تأمين أو برمجة أي نشاط لأن التقلبات المناخية أصبحت متواترة، وهذا يؤثر سلباً على نفسية المرأة وراحتها ويجعلها دائماً في حالة تفكير من أجل إيجاد حلول لمشاكلها بالتالي تصبح حالتها النفسية متذبذبة وصحتها متعبة.