الإبادة البيئية المسكوت عنها في غزة كارثة تحتاج عقود للتعافي
يأخذ التعافي البيئي وقت طويل قد يصل لعقود متواصلة، فيصبح الأمر شبه مستحيل، والسكن في غزة وسط هذه الظروف البيئية أمر مليء بالتحديات.
رفيف اسليم
غزة ـ بعد عامين من الهجوم المتواصل على قطاع غزة، والإبادة التي طالت كل شيء لم تنجو البيئة في المدينة المحاصرة، مؤثرة على السكان بشكل عام والنساء والأطفال بشكل خاص ليصبح من الممكن إطلاق مصطلح الإبادة البيئية على التدمير الواسع الذي طال البنى التحتية، وشبكات الصرف الصحي والمياه، وحتى الهواء.
المختصة البيئية سها أبو شعبان، توضح أنه خلال عامين متواصلين من الهجوم وحتى ما بعدها تحدث الجميع عن الإبادة الجماعية التي تعني الموت السريع للبشر، والتدمير الهائل للمباني، فيما لم يتحدث أحد عن الإبادة البيئية التي طالت الماء، والهواء، والتربة، وترتبط بشكل مباشر بحياة سكان القطاع خاصة الأطفال والنساء منهم.
الإبادة البيئية موت بطيء للإنسان
وأوضحت أن الإبادة البيئية تمثل موت بطيء للإنسان فكيف سيعيش من يقطن في بؤرة تلوث واسعة، لافتةً أن القادة الإسرائيليين دوماً ما كانوا يهددون في بداية الهجوم بتدمير البنى التحتية ولم يأخذ سكان غزة تلك التهديدات على محمل الجد كون لا أحد كان يتخيل حجم الكارثة وتداعياتها التي حلت بالمدينة الآن، عدا عن غياب الوعي بأضرار التدمير.
ولفتت إلى أن القانون الدولي البيئي يتحدث عن ثلاث ركائز لوقوع حالة الإبادة البيئية، أولاً أن يحدث تدمير واسع وشامل لمختلف المجالات البيئة، ثانياً أن تكون المدة الزمنية طويلة للغاية، وأخيراً أن يستغرق التعافي وقتاً طويلاً قد يصل لعقود متواصلة، ما يجعل الأمر شبه مستحيل، والسكن بتلك البقعة الجغرافية أمراً غير ممكن على الإطلاق.
وتؤكد الدراسات بحسب سها أبو شعبان أن الشعوب أو المجموعات التي تتعرض لإبادة جماعية تميل إلى لا مبالاة وعدم الاكتراث بالوعي البيئي والمحافظة عليه، إذ إن جل ما يشغل من يطحنون تحت وطأة الإبادة هو كيفية البقاء على قيد الحياة والحصول على الطعام والشراب، حتى لو أصبحت تلك الحياة ما بين النفايات الصلبة المنتشرة بشكل جبال، ووسط تربة مدمرة بالعناصر الثقيلة لا تصلح للزراعة، أو شرب مياه ملوثة للشرب، والدليل على ذلك الحفر الامتصاصية بجانب الخيام وشبكات الصرف الصحي المفتوحة.
وترى أن الإنسان منذ بدء الخليقة، كان يبحث عن بيئة ليعيش فيها، تتمثل في مكان يوفر المسكن، والمياه، والهواء، والتربة سليمة "اليوم قطاع غزة، عبارة عن مكان مدمر مليء بالركام فقط، فكيف يمكن أن يصبح العيش بالمدينة أمراً مقبولاً في ظل وصول الملوثات إلى مياه الخزان الجوفي الذي بلغت نسبة تدميره نحو 90%، ما يعني استحالة استخدامه لعقود قادمة، في ظل تجاهل الأمر".
وتحتاج البيئة في قطاع غزة، وفقاً لما ذكرته سها أبو شعبان، إلى نحو 10 إلى 15 عاماً للتعافي وإعادة بناء البنى التحتية، وذلك استناداً إلى شهادات علماء وخبراء دوليين. فعلى الرغم من أن البيئة قبل الهجوم لم تكن في أفضل حالاتها، فإنها كانت تضم مكبّات نفايات مخصّصة وليست عشوائية منتشرة في كل مكان، كما كانت تتوفر خدمات للصرف الصحي ومحطات للتكرير، فلا تجري المياه العادمة مكشوفة كالأنهار حاملةً معها مختلف أنواع الأوبئة والأمراض. ويُقاس على ذلك عدة أمور أخرى.
القضاء على التنوع الحيوي
وأوضحت أن الجهود التي تبذلها المؤسسات لتقديم حلول تساعد السكان على التعايش، إلا أن الإنجازات تكاد تكون معدومة بسبب غياب المقومات الأساسية، كمصادر الطاقة اللازمة لتشغيل محطات التحلية الصغيرة، وتوقف محطات التكرير الرئيسة الخاصة بمياه الصرف الصحي، ما يؤدي إلى التخلص منها في البحر، وبالتالي القضاء على التنوع الحيوي. وبيّنت أن التعايش يحتاج إلى إعادة إعمار حقيقية، ووعي كامل بالإبادة البيئية، إضافة إلى المحافظة على النظافة قدر الإمكان.
وتبين أن تلك التأثيرات جميعها تنعكس على النساء وحياتهن، متمثلة بالبداية بتدمير بيوتهن وعيشهن في مراكز النزوح تخلو من المراحيض الخاصة، ومن ثم صعوبة حصولهن على أدوات النظافة الشخصية في ظل وضع اقتصادي متردي لا يعينهن على الشراء، كل ذلك يؤثر على صحتهن ويصيبهن بالعديد من الأمراض خاصة خلال الدورة الشهرية وحاجتهن لظروف خاصة وشعورهن بالحرج من التصريح بذلك.
وتؤكد سها أبو شعبان أن المرأة هي خط الدفاع الأول التي تتعامل مع جميع المشاكل التي تواجهها، وتقوم بالتصدي لأي خطر قد يسبب لأسرتها المرض، لذلك يضعف جسدها شيء فشيء ويصبح من السهل الزج بجسدها في دوامة من الأمراض التي لا تنتهي ولا تشفى منها.
وتختتم المختصة البيئية سها أبو شعبان حديثها بالتأكيد على أن المرأة شريكة دائمة في التنمية البيئية، فهي اليوم تقدّم أفكاراً إبداعية للنجاة بعائلتها، وتطرح المقترحات كامرأة عاملة في مجالي الزراعة والبيئة، متسلحة بوعيها وبالممارسات الصحيحة المتعلقة بمختلف الجوانب البيئية. ولذلك فهي تتعامل مع البيئة كما لو كانت جزءاً منها، وتسعى للحفاظ عليها، مدركةً قيمتها ومدى أهمية سلامتها لضمان الصحة العامة.