صناعة الجبن مصدر رزق للعائلات الريفية

ترث النساء في الأرياف والبادية طريقة صنع الجبن من أمهاتهنَّ وجداتهنَّ جيلاً بعد جيل، ويشكل لهن مصدراً للعيش، وما يزلنَّ يصنعنه بطريقة تقليدية متوارثة

عذراء السعدو
كوباني ـ .  
يمثل الجبن أحد أساسيات المونة الشتوية في العديد من المناطق وخاصة في شمال وشرق سوريا، وتعد فترة ما بعد الحصاد موسم صناعته. وتعتمد عليه الأسر الريفية بشكل أساسي كمصدر دخل مهم.
مريم مرعي الشويش (38) عاماً من مواليد مدينة الرقة، وأم لأربعة أولاد، تعلمتُ طريقة إعداد الجبن والسَّمن البلدي من والدتها منذ كان عمرها عشرة أعوام، وتزوجت من رجل تعمل عائلته في تربية الأغنام.
تقول إنها قَدِمت مع أسرتها إلى صرين مع بداية شهر رمضان، لتأمين المرعى لأغنامها، واستأجروا العديد من الأراضي الزَّراعية بعد الانتهاء من موسم الحصاد "نترك صرين لنبحث عن مرعى لأغنامنا فنحن نغتنم هذا الموسم من الربيع وحتى بعد الحصاد لتوفير الأعلاف لها".
هذا الوقت مناسب جداً لصناعة الجبن وتعزو مريم الشويش ذلك إلى عدم وجود أعشاب تؤثر على طعم الحليب وبالتالي على جودة الجبن "لجبنة هذا الوقت مذاق مميز فهي خالية من طعم الأعشاب والأزهار التي تكون موجودة في الربيع".
 
الأسعار لا تتناسب مع الجهد
تصنع مريم الشويش وعائلتها الجبن لبيعه في المدينة لكنها تقول إن الأسعار لا تتناسب مع الجهد الذي تبذله لهذا العمل وتشتكي أيضاً من ارتفاع ثمن "المنفحة" وهي المادة التي تساعد على تخثير الحليب "وصل سعر العلبة الواحدة إلى 12 و13 ألف ليرة، نحن نبذل جهداً كبيراً لإعداد الجَّبنة، لتكون ذات جودة ونوعية ممتازة لتُرضي وتُلبي أذواق الزَّبائن، فهي مصدر لكسب لقمة العيش".
وعن أوجه الفرق بين إعداد الجَّبنة المنزلية والتي تنتجها المصانع، تقول "هنالك اختلافٌ كبير بينهما، لأن المعمل يقوم بفرز الجَّبن عن الدَّسم باستخدام الآلات، ويضع لها مواد حافظة، أما الذي نُعده بأيدينا يكون طبيعياً إذ لا يتم سحب دسمه، وهذا أفضل للصحة".
عندما تكبر الخراف يكون قد نضب الحليب لذلك يبدؤون بصناعة الجبن وقبل ذلك يعتمدون في معيشتهم على بيع الحليب ومشتقاته "نعد حوالي 12 كيلو من الجبن يومياً وهذه كمية قليلة لم نعتد عليها قبل ذلك، لكن قلة الأمطار هذا العام أثرت بشكل كبير على أغنامنا التي لم تعد تجد مرعى جيد". 
وتختلف أسعار الجَّبنة هذا العام عن السَّابق، "سعر كيلو الجَّبنة في العام المُنصرم بلغ 5500، أما هذا العام فيبلغ 6500 ليرة سورية، بسبب غلاء الأسعار".
تستفيد مريم الشويش من المصل الناتج عن صنع الجبن فلا يوجد شيء بدون فائدة "نلف الجبن بالشاش ونرسله للسوق لبيعه، والمصل النَّاتج عن الحليب المُجبن، نُعد منه مادة القريشة، التي تستخدم كحشوة للقطايف، وآخرون يتناولونها كوجبة رئيسية على الإفطار".
 
صناعة الجبن
بعد شهر من موسم الحصاد سينتهي موسم إعداد الجبن "يبدأ الحليب بالنضوب شيئاً فشيئاً، لذلك نغتنم هذا الوقت لإعداد كميات كبيرة من الجبن لبيعها وصنع مونة للمنزل، لا أصنع الآن أكثر من 6 أو 7 كغ من الجبن".
وتقول عن كيفية التَّحضير "بعد جلب الحليب وتصفيته نسكبه في قدر واسع، ثم نضع المنفحة عليه ونتركه فترة من الزمن كي يتماسك"، وتضيف "بعد تماسك قوامه نضعه في قطع قماشية من الشاش الأبيض ونتركه".
لا ينتهي العمل، في اليوم التالي تقوم لاستكمال جبنها الذي تركته ليلة أمس "نحضر الأوعية الخاصة لحفظ الجبن وهي غالباً من الصفيح، هذا قد يؤثر على الجبن كونه يصدأ لذلك نضع أكياساً بلاستيكية بداخله تكون عازلة، بين الماء المملح والجبن وبين الصفيح، كما لا ننسى ربط الكيس بطريقة محكمة كي لا تتسرب المياه ويذهب جهدنا سدى".
وتضيف "كل وعاء من الصَّفيح ينتج 20 كغ من الجَّبن، وهنالك فرق في سعر الجَّبنة المُجففة عن الخضراء لأنها تكون ناضجة وجاهزة للأكل".
 
مونة منزلية
لا تنسى مريم الشويش حفظ حصة من الجبن لعائلتها "لا بد لنا من ترك كمية للمنزل والأقارب ولكن هذه الجبنة احفظها بطريقة مختلفة، فأرش عليها كمية كافية من الملح، وأتركها لمدة أسبوع لتجف، وتغلى فيما بعد، وقبل أن تبرد ترش بحبة البركة السَّوداء لإعطائها النَّكهة والطَّعمة اللذيذة وأخيراً توضع في المرطبانات".  
وللجبن أنواع مختلفة منها شديد الجَّفاف، ونصف جاف، وطري، إضافة إلى السَّائلة والرَّومي، والقريش، والشَّيدر، الموزاريلا، وتصنع على شكل مُكعبات، أو على شكل جبنة مُشللة أو مجدولة التي تحتاج للتخمير لصنعها، "كل شخص يرغب في نوع معين من الجَّبنة، وأما نحن فنعدهُ على شكل مُكعبات".