اقتصاد المرأة مسار للتحرر وبناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة
اقتصاد المرأة كقوة تغييرية محورية مشروع يعيد للنساء دورهن التاريخي في الإنتاج والتنظيم، ويمنحهن الاستقلال والقدرة على بناء مجتمع عادل ومتوازن يرتكز على المشاركة والمساواة.
أسماء محمد
قامشلو ـ مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تبرز في إقليم شمال وشرق سوريا حركة نسوية فاعلة استطاعت خلال السنوات الماضية أن تبني نموذجاً اقتصادياً واجتماعيا فريداً يضع المرأة في عملية التنمية والتحول المجتمعي.
أكدت عضوة اقتصاد المرأة رودين عيسى أن سلب المرأة اقتصادها أحد أبرز أشكال العنف ضد النساء واصفة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة بأنه يرمز الى نضال طويل خاضته المرأة ضد كل أشكال الظلم والاستبداد، دفاعاً عن كرامتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة "المرأة كانت وما زالت رمز العطاء والإرادة، وقوة التغيير في وجه الذهنية الذكورية التي حاولت لقرون تهميش دورها وطمس قيمتها".
في مدينة قامشلو حيث تتقاطع التجربة العملية مع الرؤية الفكرية، تؤكد رودين عيسى أن مشروع اقتصاد المرأة لم يعد مجرد مبادرة لإطلاق مشاريع إنتاجية، بل تحول إلى مسار استراتيجي لإعادة صياغة المجتمع على أساس المشاركة والعدالة والمساواة.
وهذا المشروع الممتد بجذوره إلى تاريخ طويل من صمود النساء وإبداعهن، يعيد إحياء الدور الريادي للمرأة بوصفها المؤسسة الأولى للاقتصاد وصاحبة الفكرة الأولى في الإنتاج والتنظيم والاكتفاء، ومع تراكم التجارب العملية ونجاح النساء في إدارة مشاريع زراعية وصناعية وتجارية، ظهرت ملامح اقتصاد بديل يستند إلى التعاون والتشاركية، ويعيد للمرأة قوتها وحقها في تقرير مصيرها بعيداً عن التبعية.
خطوة استراتيجية لإعادة بناء المجتمع
رودين عيسى أكدت أن مشروع اقتصاد المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، لا يقتصر على إنشاء المشاريع الإنتاجية فحسب، بل يشكل خطوة استراتيجية لإعادة بناء المجتمع على أسس المشاركة والعدالة.
وأوضحت أنه "من المهم أن نذكر أن المرأة هي أول من وضع أسس الاقتصاد منذ فجر التاريخ، فهي التي عرفت قيمة العمل والانتاج والتنظيم، وهي التي اكتشفت الزراعة وجمعت البذور، وزرعت الأرض وحصدت ثمارها، ومن خلال ذلك بنت نظاماً يعتمد على المشاركة والتعاون، وليس على الاستغلال والهيمنة، وأدارت شؤون البيت والمجتمع، وقامت بتوزيع الجهود والموارد، وبذلك خلقت أول أشكال الاقتصاد الطبيعي القائم على التوازن والعدالة".
وذكاء المرأة وفطرتها بحسب رودين عيسى جعلاها تدرك أهمية التنظيم والادخار وتأمين الغذاء للمستقبل، فكانت أول من عرف مفهوم التخطيط الاقتصادي، حتى قبل ظهور المال أو التجارة، وهذا يعني أن الاقتصاد في جوهره فكرة نسوية، انطلقت من حاجة المرأة إلى تأمين الحياة، وتحقيق الاستقرار للمجتمع، ومع مرور الزمن وسيطرة الذهنية الذكورية على المجتمعات، تم إبعاد المرأة عن هذا الدور الريادي، وتحويلها إلى تابع في نظام اقتصادي ذكوري قائم على الاستغلال. لكن رغم كل ذلك، بقيت المرأة محافظة على روح العمل والعطاء، وأثبتت في كل المراحل أنها أساس الانتاج والحياة.
وأكدت أن مشروع اقتصاد المرأة اليوم هو استمرار لذلك التاريخ العريق، ومحاولة لإعادة التوازن للمجتمع من خلال تمكين النساء اقتصادياً "عندما تملك المرأة مصدر دخلها واستقلالها المادي، فهي تملك قرارها، وتتحرر من كافة أشكال التبعية والعنف، فالاقتصاد ليس فقط وسيلة للعيش، بل هو وسيلة للتحرر وبناء الذات، والمرأة أثبتت أنها قادرة على تحويل الاقتصاد إلى مساحة نضال وإبداع".
المرأة هي صاحبة الفكرة الأولى
وأشارت إلى أن كل هذا تحقق بفضل فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي أعاد كما تؤكد للمرأة مكانتها الحقيقية، من خلال مفهوم أن حرية المجتمع لا يمكن أن يتحقق دون حرية المرأة، وأن الاقتصاد الحر هو الذي يقوم على مشاركة المرأة الفاعلة "القائد عبد الله أوجلان رأى في المرأة جوهر الحياة، ومصدر القيم الأخلاقية والإنسانية، ومن خلال فكره استطعنا إعادة بناء مفهوم الاقتصاد من جديد على أساس العدالة والمساواة".
وأوضحت رودين عيسى، أنه اليوم ومن خلال مؤسسات اقتصاد المرأة، استطاعت النساء في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا أن يثبتن قدرتهن على الإدارة والانتاج، وأن يفتتحن مشاريع زراعية وصناعية وتجارية ناجحة، وفرت فرص عمل للعديد منهن، وساهمت في تنمية المجتمع "هذا النجاح هو دليل واضح على أن المرأة عندما تمنح الفرصة، قادرة على تحقيق التغيير وبناء اقتصاد حر ومستقل يخدم الجميع، نؤمن أن استمرار هذا المشروع هو الضمان الحقيقي لبناء مجتمع ديمقراطي متكامل، يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع، بل هي أساسه، وصاحبة الفكرة الأولى لكل ما نبني عليه اليوم".
آلية العمل
من خلال الكومينات والمجالس ومؤتمر ستار، تعمل مؤسسة اقتصاد المرأة على تدريب النساء والتواصل معهن بشكل مباشر، من أجل مناقشة أوضاعهن وتوعيتهن بحقوقهن، وتشجيعهن على المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية "الكثير من النساء يتقدمن إلى المؤسسات التابعة لاقتصاد المرأة، للحصول على تدريبات ومعلومات تساعدهن على التعرف على ذواتهن وقدراتهن، وفهم نظام العمل والتعاون القائم داخل هذه المؤسسات".
وأشارت إلى أن الخطوة الاولى في عملهن تقوم على جمع النساء في لقاءات دورية، يتم خلالها مناقشة المهن والأعمال التي يرغبن في ممارستها، سواء كانت الخياطة أو العمل في الأفران أو محال الألبسة والأعمال اليدوية أو المونة المنزلية، ومن خلال هذه اللقاءات يتم طرح الأفكار والمشاريع المناسبة لكل مجموعة، بهدف تعزيز اعتمادهن على أنفسهن وتنظيم صفوفهن داخلياً، ووضع دراسات حول المشاريع المقترحة من قبلهن".
وبحسب رودين عيسى فإن مؤسسات اقتصاد المرأة تقوم بدورها بدراسة هذه المشاريع من الناحية الاقتصادية والتنظيمية، ثم تبدأ بتنفيذها على أرض الواقع، وفي هذا السياق افتتحت النساء مؤخراً فرناً خاصاً بهن في مدينة قامشلو، إضافة إلى عدد من المشاريع الأخرى التي تديرها النساء بأنفسهن، وتشمل مجالات مختلفة انتاجية وتجارية، ومن أهم المشاريع القائمة حالياً المشاريع الزراعية، التي تعتبر اساس الاقتصاد في المنطقة، مضيفةً أن "الهدف الرئيسي هو الوصول عبر الكومينات إلى جميع النساء في المجتمع، ونشر فكرة الاقتصاد الحر والمستقل بينهن، كيلا تبقى أي امرأة ضعيفة أو معتمدة على غيرها".
الدور المحوري في بناء الاقتصاد الحر
وختاماً تحدثت عضوة اقتصاد المرأة رودين عيسى على أن الأساس في العمل يقوم وفق رؤية القائد عبد الله أوجلان "خلال التدريبات نبدأ أولاً بقراءة الجزء السادس من مانفيستو القائد عبدالله أوجلان، حيث نركز على الجوانب التي يتحدث فيها عن اقتصاد المرأة، وكيف تم تطوير هذا الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة، إذ يتناول المانفيستو بشكل موسع الدور المحوري للمرأة في بناء الاقتصاد الحر، وكيف استطاعت النساء عبر التاريخ تطوير أنفسهن وتعزيز حضورهن في مختلف مجالات الحياة، ومن خلال هذه الجلسات نهدف إلى تمكين جميع النساء في العالم، وصناعة حياة بروح النساء المناضلات الساعيات دوماً إلى التطور والتغيير. يجب أن تتحد النساء جميعاً، وأن تكن يداً واحدة في سبيل تحقيق الحرية والمساواة وبناء مجتمع تسوده العدالة والكرامة".