قصة من قصص صرخة المجزرة الـ 74: صنعت عشاً من شعرك الملون بالحناء (3)
حفظت بيريتان شنكالي في ذاكرتها أحداث لا يستطيع حتى الكبار تحمل رؤيتها. الطفلة التي قتلت وأُجبرت أمها على أكل لحمها، والأنهار التي سالت بالدماء، والجثث التي كانت ملقاة على الطريق، هذه الأحداث تظهر كيف مات ضمير الإنسانية.
مات العالم تحت أنقاض شنكال
شنكال ـ عانت بيريتان شنكالي الكثير من الألم. ما رأته خلف الجدار تسبب في جروح لن تلتئم. لم يكن عليها أن تشاهد مقتل ابنة خالها ذات الأربعين يوماً. لقد عانت من الخوف والألم وربما العديد من المشاعر التي لا توصف داخل نفسها، وخلق محاربة من تلك المشاعر.
تنتقي بيريتان شنكالي كلماتها بعد تفكير طويل عندما تحاول التحدث عن مرتزقة داعش الذي قام بانتهاكات لإسكات صوت الأطفال "ربما لا توجد كلمات يمكن أن تصف بشكل كامل ما حدث هناك في تلك اللحظة قتلوا رضيعة تبلغ من العمر أربعين يوماً في الغرفة بالسكاكين التي في أيديهم. أمام أعين والدتها والنساء اللواتي كن هناك، أزهقوا روح طفلة تبلغ من العمر أربعين يوماً. شعرت ببرودة الجدار الذي كنت أريح وجهي عليه، لم تكن أنفاسي تصطدم بالجدار، بل كانت تعود إلي. دمرت صرخات زوجة خالي الصامتة شنكال بأكملها في ذلك اليوم. عالم تحت أنقاض شنكال. في تلك اللحظة، كان الأمر كما لو كان كل شيء جامداً. لا أعرف كم من الوقت مضى، وضعت يدي على بندقيتي، بسبب غضبي كنت أرغب في الخروج والقتال بسلاحي. أردت الخروج من المكان الذي كنت أختبئ فيه. كنت أحاول أن أمنع نفسي. جلست في مكاني لبرهة من دون تفكير، وقد أحبطتني أزمة الغضب. أوقفني العدد الهائل منهم. يمكنني الخروج ومهاجمتهم بسلاح لم أكن أعرف كيفية استخدامه. لقد أحبطت وتجمدت. عندما عدت إلى صوابي، فكرت وكنت مترددة جداً بين الخروج في وجههم وعدم الخروج. لم تكن لدي القوة لقتل حتى واحد منهم".
"إطعام بالقوة"
فكرت بيريتان شنكالي بعد فترة وقررت الانتظار. كان هذا الموقف هو اتخاذ قرار بالانتقام من داعش. تعهدت بالانتقام من وراء ذلك الجدار "لأنني كنت أود معرفة حالة زوجة خالي، نظرت مرة أخرى إلى الغرفة، غادر المرتزقة الغرفة. مرت ساعات وزوجة خالي لم تغير موقفها. لقد تجمد جسدها هناك، واحتضنت روح طفلتها. بعد مرور بعض الوقت، أحضر أحد مرتزقة داعش الطعام لزوجه خالي، وكان هناك أرزاً ولحوماً. عندما أحضروا الطعام، لم يروه لزوجة خالي، بل أحضروه من خلفها. جاء داعشي آخر وأغلق عيني زوجة خالي. أجبرها على تناول الطعام. الداعشي الذي أجبرها على الطعام سألها هل لحم طفلتك لذيذ؟".
كل شيء كان حقيقياً
كيف سيبدو الأمر حين تأكل أم لحم طفلتها، وكيف يتم ذلك، وكيف يتم الاستماع إليه، وكيف يتم كتابته؟ إذا كانت جميع المجازر قد نفذت بسبب دين أو أمة، فما الدين والأمة التي تنتمي إليها الطفلة البالغة من العمر أربعين يوماً؟ ما هو ذنب الأطفال؟.
من خلال شهادة بيريتان شنكالي، فهمنا حقيقة ما يقال في شنكال، وهو الجانب الأكثر قسوة وكراهية في المجزرة التي يمكن فيها إجبار الأم لتأكل لحم طفلتها. لقد ارتكبوا هذه الوحشية التي لا يقبلها العقل البشري والضمير والأخلاق. كان الألم والإحساس الذي أحاط بنا في كل مكان بموت الطفلة ثقيلاً جداً في قلوبنا، الغضب والكراهية المتزايدين لبيريتان شنكالي كانا واضحين جداً، صمتت لبرهة من الزمن ثم عادت للحديث مرة أخرى "القرار الذي اتخذته في ذلك الوقت كان عدم المغادرة، الغضب والانتقام الذي نما بداخلي، أحاط بقلبي وجسدي كله. الآن كنت أم الغضب والانتقام. هذه هي المجزرة، ما هو السبب؟ لم أفهم، عندما كان آبائنا يتحدثون لنا عنها، اعتقدنا أنه مجرد فيلم. تعلمت من الحياة أنه ليس فيلماً، وهو أكثر بكثير من مجرد فيلم. كان اليوم الثاني لي في النفق، لم أستطع فهم ثقل ما حدث في ذلك اليوم. لقد وصلنا إلى نهاية اليوم، وذهبت إلى مدخل النفق، أردت أن أنظر إلى الشمس لكن الشمس كانت قد غابت، ولم يكن المكان آمناً بالخارج، لذلك عدت مرة أخرى إلى داخل النفق. بعد أحداث اليوم، أدركت من هم مرتزقة داعش. عندما وصلت إلى نهاية النفق، سمعت أصواتاً خلفي عند مدخل النفق. في تلك اللحظة، توقف قلبي. كانت الأصوات تقترب أكثر فأكثر. كان هناك صوت خطى. قد يكون هناك شخصان، بدا لي وكأنه صوتين مختلفين، كانوا يتحدثون فيما بينهم، يتحدثون عن بعض الأشياء. لم أفهم ماذا كانوا يقولون".
يومان بدون ماء
حبست بيريتان شنكالي أنفاسها، وجلست في زاوية النفق، من صوت الخطوات كانت تعلم أن بعض الناس يأتون إلى مدخل النفق "العديد من الأسئلة كانت تدور في رأسي. ماذا سيحدث الآن، هل سيدخلون، ربما يكون شخصاً ضعيفاً مثلي وماذا سيحدث إذا تمكن من دخول النفق؟ كانت هذه الأسئلة تدور في رأسي باستمرار. أضع يدي على بندقيتي، إذا دخلوا، سأطلق النار عليهم وأقاتل حتى النهاية. ثم أشعلوا ضوءً داخل النفق، كانوا يتفقدون النفق بواسطة المصباح اليدوي الذي حملوه بأيديهم. وصل ضوء المصباح إلى قدمي ولم يرتفع أكثر. بعد التفتيش لبعض الوقت، قرروا أنه لا يوجد شيء بالداخل واختفت أضواء مصابيحهم. صدرت منهم بعض الأصوات مرة أخرى، وبدأوا في السير وابتعد الصوت. لم يرونني، لقد نجوت. لم أكن أعرف كم من الوقت سيستمر هذا الاختباء لكنني كنت بحاجة إلى إيجاد طريقة للوصول إلى الجبال ولهذا كنت أكثر تفاؤلاً الآن. كنت أتعرق كثيراً من الإثارة والخوف وكان عطشي يزداد أكثر فأكثر".
أخذوا النساء وغادروا
مر يومان. وتصف بيريتان شنكالي اليومين كأنهما "وقت طويل"، وتقول "خطف مرتزقة داعش الآلاف من النساء والرجال الإيزيديين من السوق القديم، ماذا سيفعلون بهم؟ كنت أتساءل ماذا سيحدث لأولئك الموجودين بالخارج والمحتجزين في المنزل. هل سيكونون جميعاً مثل طفلة زوجة خالي البالغة من العمر 40 يوماً أم سيحدث لهم شيء آخر؟ الخوف وعدم اليقين شعور سيء للغاية ولا يمكن تحمله. بدأت أشاهد مرة أخرى. وقفت النساء حيث كن. كان جميعهن خائفات، وأنا أتساءل ماذا سيحدث. ربما قال العديد منهن أن هذا التعذيب يجب أن ينتهي مهما حدث. لم يحضروا أي شيء للأكل أو الشرب. كان الجميع جائعين وعطشى. بعد الظهر دخل مرتزقة داعش ونقل جميع النساء إلى الخارج. لا يوجد أحد في المنزل. كان المنزل هادئاً لبضع لحظات. كان هناك صوت في الخارج، لكنه كان يبتعد أكثر فأكثر. حاولت الاستفادة من هذا الوضع، قررت أن أترك مكاني لأجد الماء وشيء لأكله. نظرت حولي مرة أخرى ولم أسمع أي صوت".
اختبأت في خزانة المطبخ
جمع داعش كل من كان في المنزل وغادروا. ونجت بيريتان شنكالي، التي دخلت المطبخ عبر النفق، من الاعتقال لحذرها ويقظتها "بعد أن تأكدت من مغادرتهم، غادرت مكاني وذهبت إلى المطبخ. بمجرد دخولي إلى المطبخ، صدرت ضوضاء من الخارج واقتربت الضوضاء من المنزل. كان من المستحيل بالنسبة لي أن أغادر المطبخ، وإذا فعلت ذلك كانوا سيرونني. بحثت عن مكان أختبئ فيه في المطبخ. كان هناك خزائن في المطبخ. اختبأت في خزانة. اتضح من أصواتهم أنهم دخلوا المطبخ أيضاً. أدركت أنهم كانوا يجمعون كل الطعام على المنضدة. بجانب الخزانة التي كنت فيها، كانت هناك خزانة أخرى مماثلة لها. فتح أحدهم الخزانة بجواري، وأخذ منها شيئاً وأغلق الباب. اعتقدت أن باب الخزانة الذي كنت بداخلها سيفتح. في ذلك الوقت كنت خائفة جداً لدرجة أنني اعتقدت أن قلبي سيتوقف. كنت أخشى أن يسمعوا دقات قلبي. من الجيد أنه لم يفتح باب الخزانة. أخذوا الأشياء التي جمعوها من المطبخ وغادروا. كان واضحاً من أصواتهم أن هناك شخصين. سمعت أصواتهم من الخزانة. ثم غادروا المنزل وانقطع صوتهم تماماً. بعد أن تأكدت من رحيلهم، غادرت الخزانة. بحثت بسرعة عن شيء لأكله، ووجدت خبزاً جافاً، وأخذت الماء وركضت إلى النفق حيث كنت مختبئة. بعد أن ملأت معدتي قليلاً، فكرت في العثور على زوجة خالي والهروب بطريقة ما من أيديهم والذهاب إلى الجبال. غادرت النفق. نظرت من باب المنزل وكان هناك حراس في الخارج. اصطفت النساء على جانب الطريق وكانوا يدخلونهم إلى الباصات على شكل مجموعات. لو أن أحدهم كتب عن صرخة النساء ومقاومتهن وهن تحاولن الهروب منهم، لكتبت ملحمة عن ذلك، ولكان العالم أجمع خجل من هذا الوضع".
"مياه الجدول في الوادي امتلأت بالدماء"
غادرت بيريتان شنكالي المنزل، لكن ما رأته في الخارج كان أكثر رعباً. في عالم مهجور، لم يكن هناك سوى جثث ودماء "خرجت من باب المنزل ببطء، زحفت على الأرض. كان هناك واد بالقرب من المنزل. اتكأت على حائط بجوار المنزل. كان علي أن أسير بجانب جدار لأصل تدريجياً إلى الطريق المؤدي إلى الجبل. لم يعد من الممكن أن أنقذ زوجة خالي. كانت جميع النساء قد ركبن على متن الحافلة. اصطف الرجال على جانب الطريق. وصلت إلى ركن هادئ عند جدار حديقة منزل بالقرب من الوادي واختبأت هناك، وأنا أراقبهم. بعد أن مكثت هناك لفترة، تأكدت من رحيل مرتزقة داعش. تقدمت بهدوء إلى الأمام واقتربت من مكان كان الوادي فيه مرئياً. عندما رفعت رأسي ونظرت إلى أسفل الوادي، ماذا رأيت! كانت هناك مشاهد مخيفة جداً. كان الوادي مليئاً بالجثث. مياه الجدول في الوادي امتلأت بالدماء".
"مياه الوادي تتدفق حتى في يوم المجزرة"
أشارت بيريتان شنكالي إلى الوادي الذي كان قريباً منهم "انظروا، الوادي هنا ليس كبيراً جداً، لكن مياه هذا الوادي كانت تتدفق قبل المجزرة وفي يوم المجزرة. الآن نقصت مياهه، قام الأطفال ببناء بركة لأنفسهم ويستمتعون بداخلها. إنهم يسبحون دون أن يعرفوا ما حدث في الجدول، كان العديد من الأولاد يلعبون بسعادة بالرمل، وكان بعضهم يسبح في الماء. ربما كان الأشخاص الذين قُطعت رؤوسهم على جانب الطريق وألقوا في الوادي يوم المجزرة هم آباؤهم وأجدادهم وإخوتهم وعماتهم وأعمامهم وجيرانهم. قبل المجزرة، لم يكن أحد يدخل هذه المياه، بعد المجزرة، تجنب الناس هذه المياه لفترة من الوقت". المكان الذي تتحدث عنه بريتان شنكالي يقع على حافة الطريق باتجاه الجبال. "كانت مثل بحيرة صغيرة تتدفق لتصبح قناة مائية. كانت المياه في هذا الوادي الصغير موحلة. ربما كانت خجلة وفقدت شفافيتها. اعتاد الإيزيديين أن يقولوا عندما شاهدت الأرض والمياه ما حدث لنا، خجلوا، ونقصت بركاتهم".
عندما وصفت بيريتان شنكالي ما حدث في بداية الوادي، أشارت إلى الأماكن التي وقعت فيها الأحداث واحدة تلو الأخرى، "تحول تمرد الرجال الإيزيديين، الذين علموا أن رؤوسهم ستُقطع في ذلك اليوم، إلى صراخ. بعضهم كما لو كانوا راضين عن مصيرهم، وضعوا رؤوسهم بهدوء تحت الساطور. في ذلك اليوم تعرضنا نحن الإيزيديين للخيانة فعلاً. أكثر من نصف الرجال الذين قُطعت رؤوسهم خدموا في جيش صدام والحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلى الرغم من ذلك، أخذ الحزب الديمقراطي أسلحتهم منهم وتركوهم لاستبداد داعش. ما إن سمع الجنود العراقيون باسم داعش حتى اختفوا. ما حدث في ذلك اليوم بالترتيب أظهر كم نحن عزل وبلا حماية. نحن الإيزيديين خدمنا الجميع في الجيش، لكننا لم نتعلم الدفاع عن أنفسنا. إذا كانت هناك أسلحة في أيدي الرجال والنساء في ذلك اليوم، وإذا كانوا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم، لما تمكن داعش من قتل الآلاف من شعبنا في المجزرة. بعد المجزرة، علمنا ما فعلته الخيانة لمجتمعنا الأيزيدي. كان ثمن هذه الخيانة باهظاً جداً".
المكان كان مليئاً بالجثث
في نهاية كل حديث لها، تذكر بيريتان شنكالي ظروف المجزرة وأولئك الذين ساعدوا داعش. كانت الأشياء التي مرت بها تفوق وتتعدى حواس وعينين وعواطف فتاة صغيرة. في ذلك العمر، واجهت بيريتان قسوة غير مسبوقة وتعلمت معنى ما حدث لهم. لم تكن بحاجة إلى أحد ليخبرها. شهد قلبها وعيناها كل شيء "أردت الاختباء على جانب الوادي لفترة، لكنني لم أستطع التوقف بسبب صراخ الناس، لذلك زحفت بمحاذاة الجدار. كنت أسير بمحاذاة جدران المنازل، مختبئة. بعد فترة، أصبح النظر إلى الجدول في الوادي صعباً جداً، كان من المخيف جداً رؤية رؤوس بشرية في الماء. لم أستطع النظر، كنت أدير رأسي. عندما رفعت رأسي للنظر حولي، كان أول ما لفت انتباهي هو تدفق المياه المخضبة بالدم في الوادي والرؤوس البشرية بداخلها. كان هذا يسبب لي الكثير من الألم. غادرت بعد فترة. حاولت أن أجد الطريق بين المنازل المؤدية إلى الجبل. ذهبت بعيداً، ولكن حيثما كنت ذاهبة، كان بإمكاني رؤية الوادي وجانب الطريق، وكان الناس يُنقلون إلى الوادي في مجموعات. بعد ليلتين وثلاثة أيام في النفق، تركت ورائي السوق القديم. لم أستطع التدخل في الأشياء التي كانت تحدث على ضفاف النهر أو منع وضع النساء في الحافلات، لم أكن قوية بما يكفي لأي شيء. الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله هو إنقاذ نفسي. كنت أعرف أنه إذا قبض علي داعش فسوف يقتلونني. لطالما كان لدي أمل في أن أنجو. لقد وصلت إلى مكان ما، وتسللت إلى الهضاب كان داعش قد رفع أعلامه. اختبأت خلف صخرة، وبقيت هناك لفترة، ولم أستطع النظر إليهم خوفاً، الأشياء التي رأيتها أخافني، كنت أرتجف من الخوف ولم أستطع رفع رأسي. حاولت المغادرة ثلاث مرات لكنني كنت أراهم في كل مرة. كان هناك العديد من مرتزقة داعش في الهضاب باتجاه السوق القديم وشنكال. لم يكن لديهم نية للمغادرة. يمكنهم رؤيتي حيث كنت اختبئ. اضطررت إلى الابتعاد ببطء عن المكان الذي كنت أقف فيه. كنت أحاول التسلل إلى جانب الجبل. أخذت الحليب الذي أحضرته لطفلة أختي والطعام الذي حصلت عليه. كنت قد حملت أيضاً زجاجة ماء في حال عدم وجود ماء في الجبل. وكنت أحمل أيضاً سلاح والدي. كان حملاً ثقيلاً. وصلت إلى منطقة حراجية ولم يرني أحد. اختبأت في منطقة الغابة. بعد فترة غادر داعش وتوجهت أنا إلى الجبال".
غداً: أطالت شعرها من أجل الحرية