قضايا الأحوال الشخصية في السودان... النساء هن الخاسر الوحيد
تختلف النساء في السودان بشقيه الشمالي والجنوبي في الكثير من الجوانب نتيجة انتمائهن لثقافات وإثنيات مختلفة، لكنهن تتشاركن نفس المعاناة والطموحات والقوة لتغيير واقعهن
سناء العلي
مركز الأخبار ـ عادات الزواج في السودان بشقيه الجنوبي والشمالي تعود لآلاف السنوات، حيث تطغى العادات الفرعونية على طقوسه في مناطق الشمال، بينما ورث الجنوب العادات الأفريقية التي تعود للحضارة النوبية، هذه العادات والتقاليد تمثل أساس حياة الشعوب هناك بينما تبقى القوانين حبراً على ورق.
النساء اللواتي يعدن أساس أي مجتمع مهما بلغ تعدادهنَّ يشكلنَّ نسبة 49 بالمئة من السكان في جمهورية السودان وفق آخر التقديرات للأمم المتحدة والتي تعود لعام 2017. أما في جمهورية جنوب السودان فبلغ عدد السكان وفق آخر تحديث سكاني إلى ما يقارب 11 مليون نسمة، وفيها ترتفع نسبة الذكور بشكل طفيف عن الإناث.
تختلف الثقافات وتبقى تقاليد الزواج دون رغبة المرأة هي السائدة
السودان بشقيه الشمالي والجنوبي بلد يمتاز بتنوعه العرقي فسكانه خليط من عدة شعوب لكل منها ثقافة خاصة، ويدينون بديانات مختلفة، فرغم أن الطابع الإسلامي يغلب على البلاد ويشكل معتنقوه حوالي 95 بالمئة إلا أن المسيحيون يشكلون غالبية في الجزء الجنوبي وهناك اللادينيين أيضاً.
على ذلك تختلف الثقافات كما تختلف الأعراق والديانات في البلاد، ويشكل الجنوب ثقافة أفريقية خالصة مازجها الإسلام قليلاً، أما الثقافة اللغوية والقبلية ما تزال راسخة بفضل النساء، لكن منها ما يؤثر سلباً على حياتهنَّ.
في المجتمع السوداني ذا الطابع المحافظ ظهرت ممارسات عديدة باسم العادات والتقاليد والدين وكذلك أثرت أحداث سياسية على حياة النساء؛ حروب الممالك القديمة والانقسامات والحروب الأهلية والاستعمار، والإسلام السياسي الذي بدأ بالظهور كمفهوم حديث لربط الدين بالسياسة وشكل غطاءً لأفكار ذكورية متجذرة في المجتمع السوداني جميعها كانت تحديات تواجهها المرأة السودانية.
منذ بداية الخليقة نالت المرأة السودانية قدسية أوصلتها إلى مصافي الآلهة، فالتاريخ يشهد بأن العصر النيولوتي "الأمومي" كان سائداً في السودان وكانت الإلهة التي تقدس في بلاد الفراعنة مقدسة أيضاً في السودان خاصةً بعد انتشار ثقافة المصريين القدماء جراء سيطرتهم في العام 2500ق.م على النوبة القديمة (السودان حالياً) لنحو خمسة قرون.
لكن مفاهيم متعددة بدأت بالظهور في مختلف الحضارات بعد سيطرة الرجل على الحياة إثر تآمره على المرأة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وتنامت مع السلطات المتعاقبة والديانات السماوية التي أعلت من مكانة الرجل على حساب المرأة، وحتى تلك الانتصارات التي حققتها الأديان بالنسبة للمرأة تم تشويهها من قبل رجال الدين. لتتراجع مكانة الأم في الحضارة النوبية خاصةً في مملكة مروي حيث كانت قد بلغت أقصى درجاتها.
خلال العصور الوسطى والعصر الحديث ارتبط البلدان بشكل كبير فحتى عام 1955 كان السودان ما يزال تابعاً لمصر، ثقافة سكان شمال السودان تشبه إلى حد كبير الثقافة المصرية وعادة ختان الإناث تمارس في كلا البلدين ولذات الأسباب، إضافة للعديد من العادات والتقاليد.
من المدينة إلى الريف حال النساء واحد
ما بين المدينة والبادية والريف تختلف حياة النساء كلياً، ففي الريف تمتهن المئات من النساء الزراعة، يعملنَّ فيها على حساب تعليمهنَّ فنصف النساء السودانيات غير متعلمات، معظمهنَّ يعملنَّ في المجال الزراعي ويشكلنَّ بحسب الاحصائيات الأخيرة لمنظمة العمل الدولية 82 بالمئة من العاملين فيها، كما وتشكل المرأة العاملة في الرعي نسبة 20 بالمئة من مجتمع النساء بحسب ذات الإحصائية. أما في البادية فوضع النساء فيها أسوأ بكثير فهنَّ يقمنَّ بكافة الأعمال من أصغرها حتى تشييد الخيام، ويكتفي الرجال برعي الأنعام، تلك الحياة جعلت من العادات والتقاليد الأبوية سيفاً مشهوراً على رقاب النساء، ورغم كل أعمال المرأة لا يفرح الأهل إذا رزقوا بابنة، لكن عندما يرزقون بابن ذكر تعم الاحتفالات. والفتاة ومنذ أن تفتح عينيها على الحياة يتم اختيار عريس لها.
عند القبائل العربية لا رأي للنساء في مسألة الزواج، فالحيار أو خطبة الفتاة لأحد أبناء عمومتها منذ أن تولد هو تقليد منتشر بينهم خاصةً في البادية، بينما تستنكره بعض القبائل الأفريقية. كذلك زواج القاصرات منتشر في كلا المجتمعين، والنساء يتعرضن للتميز على أساس لونهنَّ فكلما ازدادت المرأة سمرةً اعتبرت محببة أكثر في المجتمع.
تجبر نساء العائلة على الصمت والموافقة فهنَّ قد تربين على أن جسد المرأة ملك للمجتمع والعائلة، ولا يمكنها التصرف به، وأن الشرف الذريعة التي سيقتلنَّ تحت اسمها، إن هنَّ تجرأنَّ وخالفنَّ قرارات العائلة والقبيلة، ورفضنَّ هذا الزواج.
3000 عام من التقاليد العصية على الاندثار
الزواج ذا أهمية كبيرة لدى مختلف الشعوب التي تسكن السودان قديماً وحديثاً، له طقوس خاصة به، كما عند أهالي النوبة فالمجتمع النوبي يتسم بكونه أبوياً، فلا رأي للمرأة في الزواج حيث تقتضي العادات قبول ما يراه الرجل مناسباً، فمثلاً انتشر عندهم زواج الأقارب للحفاظ على الثروة ضمن العائلة الكبيرة، وللحفاظ أيضاً على الهوية النوبية.
منذ أيام إمبراطورية كوش قبل نحو أكثر من 3000 عام وحتى اليوم ما زال زواج الأقارب تقليد مستمر، فكان يشترط على الفتاة التزوج من أحد أقاربها من الدرجة الأولى (ابن عم ـ ابن خال)، ولا يجب الارتباط من خارج القرية، كذلك انتشر زواج البدل والحيار لكن هذين الشكلين تراجعا منذ بدايات القرن العشرين، فبحسب الباحث في تاريخ النوبة مصطفى محمد عبد القادر فإن التهجير إثر تعلية السد العالي مرتين (1912ـ 1932) ساهم في تراجع العديد من هذه العادات إلا أن النوبيون متمسكين بعادة زواج الأقارب حتى اليوم ولو بشكل أقل.
أشكال مشوهة من الزيجات
يرتكز أهالي الشمال على العقيدة الإسلامية فيما يرتكز الجنوبيون على التقاليد كون عدد ليس بقليل منهم لا دينيين فيجمع الرجل بين أكثر من أربع نساء ويصل عدد الأبناء إلى المئة في بعض الأحيان، فيما يسمح القانون وتحث البيئة المجتمعية على تعدد الزوجات في جمهورية السودان (القسم الشمالي) كتقليد إسلامي محبب، أما المسيحيين وهم غالبية في الجنوب فهم الوحيدين الذين لا يجمعون بين امرأتين.
يشكل الزواج القسري وزواج القُصر ظاهرة في جنوب السودان وهو ما دعا منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان في أحد تقاريرها للتحذير من تداعيات هذه الممارسة، وطالبت الحكومة بوضع حلول لها. ومع أن القانون يمنع إلا أن العشائر تتصرف بحرية ولا تجرؤ الدولة على فرض أي قانون يتعارض مع النظام العشائري.
زواج القاصرات منتشر في جمهورية السودان التي تشهد في ذات الوقت ارتفاع في نسب تأخر الزواج لدى النساء والرجال، فتتزوج فتيات لم يبلغن 18 عاماً ومنهنَّ من لم يتجاوزن الـ 15 عاماً، فمعظم العائلات تفاخر بتزويج بناتها وهنَّ بعمر صغيرة، والعديد من العائلات وخاصةً في الجنوب تخشى من الحمل خارج نطاق الزواج فتسارع لتزويج الفتيات ومنها من يسعى للكسب المادي، ويقع ضحية هذا الزواج الأطفال الذكور أيضاً وبنسب مرتفعة.
أسباب هذه الزيجات مختلفة منها ما يعود إلى العائلة ومنها ما يعود إلى المجتمع، كما ويساهم تقصير السلطة في انتشارها على نطاق واسع، ومن أهمها الأسباب الاقتصادية حيث يلعب الاقتصاد دوراً كبيراً في التلاعب بالنساء فوفرته وشحه سيان، فهو الهدف لمختلف الزيجات.
فالمهر "ثمن الفتاة" عادة ما يكون من الأبقار عند بعض القبائل منها الدينكا في الجنوب، وكذلك عند قبيلة الزغاوة أكبر قبائل غرب السودان، أما القبائل التي تعمل في الزراعة فتكون إحدى الآليات الزراعية من ضمن المهر.
وفي جنوب السودان يدفع المهر على أساس شكل الفتاة فالمرأة طويلة القامة ذات الأسنان شديدة البياض تحصل على مهر أعلى وذلك بحسب تقييمهم للجمال. ومع أن المهر يكون بحسب قدرة الرجل المادية إلى أنه مرتفع نسبياً في جمهورية السودان (في الشمال) مما أدى إلى فشل العديد من الزيجات.
يتاجر الأهل ببناتهم طمعاً بالمهر الذي يدفعه المتقدم، فجنوب السودان ومع أنه سن قانوناً يمنع زواج القاصرات إلى أن الأهل لا يلتفتون إلى القوانين "الشكلية"، فيقبلون على تزويج بناتهم لمن يدفع أكثر، فيما تجبر الظروف الاقتصادية بعض العائلات على حرمان الفتيات من التعليم بإبقائهنَّ في المنزل، وتزويجهنَّ لأول خاطب للتخلص من عبئهنَّ. مع العلم أن نسبة الفقر في جمهورية جنوب السودان وصلت لـ 51 بالمئة في السنوات الأخيرة بحسب البنك الدولي.
كما أن شعب قبيلة الدينكا الذي يمثل حوالي نصف سكان الجنوب، ويتوزعون على سبع ولايات من أصل عشرة أسس نظاماً عشائرياً مستقلاً وفيه يرث الأبن زوجات أبيه ما عدا أمه.
الفقر والحرب ساهما بانتشار زواج القاصرات
نسبة الفقر المرتفعة أدت إلى تراجع قطاعي الصحة والتعليم، وأبعدت النساء عن مقاعد الدراسة، فالحرب الأهلية دمرت الجنوب الغني بالنفط وأحالته لمنطقة منكوبة، وأصبح حوالي ثلث السكان يعانون من المجاعة، ويحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة.
الاقتصاد في جمهورية السودان ليس بأفضل حالاً فالبلاد عانت من الفساد والحروب مع الجنوب وفي دارفور، وساهم وضعها على لائحة الإرهاب الدولي منذ عام 1993 حتى 2020، في ارتفاع نسبة البطالة وتراجع التعليم وهو ما ألقى بظلاله على النساء بشكل مباشر.
كما يعد تعدد الزوجات أحد أبرز نتائج التراجع الاقتصادي فالاعتقاد السائد أنه يمثل حلاً يساهم في إنهاء ظاهرة تأخر الزواج، ففي عام 2017 أي قبل الثورة التي أطاحت بالنظام الإسلامي عام 2019 حثت هيئة علماء المسلمين في السودان على تعدد الزوجات متغاضين عن الأسباب الحقيقية وراء تأخره، فالشباب السوداني عازف عنه جراء الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد بسبب العقوبات والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، إضافة لازدياد وعي النساء بضرورة كسر الصورة النمطية المأخوذة عن المرأة، وحصر حياتها في نطاق العائلة والزوج.
وحتى اليوم لم تظهر نتائج إيجابية لإزالة البلاد من لائحة الإرهاب منذ أواخر العام 2020، فكان من المتوقع أن يتم تعزيز دور النساء وصياغة قوانين تحمي الفتيات من الزواج المبكر، والنساء من تعدد الزوجات وتحقيق المزيد من التحسينات القانونية، خاصة أنهنَّ مساهمات بشكل أساسي في إنجاح الثورة.
كذلك يساهم ضعف التعليم بزواج القاصرات، فمع العلم أن السودان من أوائل الدول التي سمحت بتعليم الفتيات عام 1907 وقبلت أول دفعة من الطالبات في الجامعات عام 1930 إلا أنها شهدت تراجعاً كبيراً.
الأمية في الجنوب لا تقتصر على النساء فضعف التعليم ألقى بظلاله على كلا الجنسين فغالبية السكان من رجال ونساء لا يجيدون القراءة والكتابة، فرغم محاولات الحكومة دعم تعليم الفتيات إلا أن الظروف الاقتصادية كانت أقوى، كما ويلعب الفساد دوره في هذا المجال ففي عام 2016 تعرضت مواد تعليمية ومواد غذائية وطبية للسلب في مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة.
ويعاني الجنوب من نقص حاد في أعداد المدرسين وغالبية الموجودين يفتقرون للتدريب، وبعد أن دمرت البنية التحتية يأخذ الطلاب دروسهم تحت ظلال الأشجار، أما المدارس الموجودة ففصولها مكتظة بالطلبة.
التعليم دون توعية المجتمع لم ينقذ عدد من الفتيات من مطب الزواج المبكر فـ 46 بالمئة من النساء المتعلمات يتزوجنَّ قبل بلوغهن 18 عاماً وفقاً لدراسة سابقة.
إن مختلف الأزمات التي تعاني منها البلاد مرتبطة بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها فقد أثرت على تعليم الفتيات في جمهورية السودان، إضافة إلى انعدام الأمان في معظم المناطق جراء الحروب، والتفات الحكومة للناحية العسكرية على حساب النواحي الاجتماعية. أما الموروث الاجتماعي فإنه لا يشجع على تعليم الفتيات فسكان المناطق البعيدة عن المدن لا يرسلون بناتهم إلى المدارس، واللواتي يلتحقنَّ يتسربنَّ من المرحلة الابتدائية فهنَّ لا يحظيَّن بالتشجيع لاستكمال تعليمهنَّ، وكثير منهنَّ يجبرنَّ على التزام المنزل، وذلك نتيجة لضعف تطبيق القوانين.
ففي عام 2008 بلغت نسبة الأمية 31 بالمئة قبل أن ترتفع عام 2003 إلى 51 بالمئة ومع تراجعها في العام 2017 إلى 24 بالمئة وفق الجهاز المركزي للإحصاء، إلا أنها تبقى دون المأمول حيث لا توجد خطط للقضاء على الأمية على المدى البعيد، فأحدث تقديرات صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" كشفت أن نسبة الأمية في السودان بين النساء تصل لـ 50 بالمئة و31 بالمئة بين الرجال فثلاثة مليون طفل من أصل 7 مليون طفل بمرحلة الدراسة لا يذهبون إلى المدارس.
بعد الثورة أقرت وزارة العدل السودانية إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وألغت العديد من المواد التي تحط من كرامة المرأة، بما فيها الختان حيث تم تجريمه، كما سُمح للأم المطلقة باصطحاب أطفالها خارج البلاد دون موافقة الأب على عكس ما كان معمولاً به. ولم تعد موافقة "الولي" ضرورية للتعلم والزواج واستخراج جواز سفر والسفر كذلك. لكن تزويج القاصرات ما زال قانونياً فما تزال المادة 40 التي تنص على السماح بتزويج الطفلة في عمر 10 سنوات موجودة.
تقصير في سن أو تطبيق القوانين الداعمة
لا تملك القوانين السلطة الكافية لحماية النساء فتقاليد المجتمع هي الكلمة الفصل لمعظم الزيجات، وما يتبعها من طلاق ونفقة وحضانة.
قبل نجاح الثورة (2019) في جمهورية السودان، وتغيير قانون الأحوال الشخصية، هضمت القوانين حقوق المرأة، فكانت جميع التشريعات معتمدة على المذهب الحنفي الأقل تشدداً، عدا عن قانون الأحوال الشخصية فهو معتمد على المذهب المالكي والمعروف بتشدده. على ذلك فإن العديد من النساء أجبرنَّ على القبول باستمرار الزواج من أجل الحفاظ على الأطفال، فالقوانين لا تحميهنَّ من تداعيات الطلاق، كما ولا تسمح لهنَّ باصطحاب أبنائهنَّ خارج البلاد إلا بموافقة الأب.
وكذلك القوانين العشائرية في الجنوب تتحكم بحياة النساء، فالطلاق حق لا تتمتع به المرأة الجنوبية، فهي لا تستطيع طلب الطلاق لأنها وإن فعلت فهي مجبرة على إرجاع المهر حتى لو كان لديها جيشاً من الأطفال.
أعلى نسب موت للأمهات والأطفال
لعل الوعي بمسائل الصحة يأخذ أهمية كبيرة للحفاظ على الجنس البشري، لكننا نجده متراجع بشكل كبير في جنوب السودان جراء تراجع التعليم، فالأمهات ومعظمهنَّ لم يكملنَّ تعليمهنَّ أي انهنَّ تزوجنَّ قبل بلوغهنَّ 18 عاماً لا يعينَّ تماماً المخاطر التي تهدد حياتهنَّ أو حياة أطفالهنَّ حيث صنف جنوب السودان من بين أعلى البلاد في معدلات وفيات الأمهات بحسب منظمة الأمم المتحدة، والعديد من الدراسات أشارت إلى أن 2 بالمئة فقط من النساء في المناطق الفقيرة استخدمنَّ أحد أشكال وسائل منع الحمل، بينما استخدمته 22 بالمئة من النساء في المناطق الأقل فقراً.
جهلهنَّ بالشؤون الصحية يلعب دوراً كبيراً في انتشار العديد من الأمراض فطبقاً لعدد من الدراسات فإن نصف عدد نساء السودان الجنوبي لم يسمعنَّ بمرض الإيدز "نقص المناعة المكتسبة" ولا يدركنَّ طرق الوقاية منه.
كما وتنتشر أمراض الأطفال، وتبلغ نسب مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى فمثلاً يعاني أطفال الجنوب من نقص الوزن الحاد، ونسبته مرتفعة أكثر بين أبناء الأمهات الغير متعلمات فقد وصل إلى 35 بالمئة، بينما هو 19 بالمئة لدى أبناء الأمهات المتعلمات وكذلك يعاني الأطفال من نقص النمو.
تراجع التعليم والصحة وهو ما يجعل جنوبي السودان من أعلى البلاد في معدلات وفيات الأمهات بحسب الأمم المتحدة، كما وتقدر الاحصائيات الدولية أن ثلثي السكان أميين لا يجيدون القراءة والكتابة، ناتج عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد فما إن انفصل الجنوب السوداني حتى اشتعلت الحرب الأهلية فيه، والتي أخذت شكل الصراع العرقي بين الحكومة والمعارضة منذ نهاية عام 2013.
الطلاق ومزاجية الرجل
في جمهورية السودان النساء عرضة للطلاق التعسفي، لكنهنَّ أيضاً ضحية لمزاجية الرجل المدعوم بالقوانين، فتحرم المرأة من الطلاق في حال تعنت الزوج، أما النساء اللواتي يرفعنَّ قضية انفصال بسبب العجز الجنسي للزوج فإنهنَّ يخضعنَّ لفحص عذرية في البداية، ثم يخضع الزوج للفحوص الطبية لاحقاً، فطبيعة القوانين تضع اللوم على المرأة بالدرجة الأولى، لذلك لا تبحث في حقيقة الأمور بل إنها تقف إلى جانب الرجل حتى يثبت العكس.
الطلاق شكل ظاهرة في السودان ففي أحدث إحصائية للسلطة القضائية في السودان تم الكشف عن وقوع 7 حالات طلاق في الساعة الواحدة، ليرتفع بذلك عدد الحالات في عام واحد إلى أكثر من 60 ألف حالة، وسجلت ولاية الخرطوم وحدها بحسب الإحصائية 22 ألف حالة في 2020.
المرأة الجنوبية لا تملك حق الطلاق ومع الانهيار الاقتصادي أصبح من المستحيل على المرأة تأمين المهر، وغالباً ما يكون عدد البقرات حوالي 30 بقرة، والنساء لسنَّ مستقلات اقتصادياً فالرجال يستولون على نتاج عملهنَّ، أما المطلقات فلا يملكنَّ حق حضانة أطفالهن، فما أن تنتهي فترة الرضاعة حتى يأخذهم الأب.
تحديات أخرى
في جنوب السودان لا تحصل الأرملة على ميراث زوجها المتوفى فتجبر على الزواج من شقيقه؛ لتحافظ على أطفالها وميراثهم. ومع أن القانون بدأ حديثاً بمنح النساء حق الميراث إلا أنه وكما معظم القوانين لا يطبق على أرض الواقع.
أما النفقة في شمال السودان وهي من أهم حقوق المرأة قبل وبعد الطلاق فإنها تخضع لعدة شروط، فبحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ عام 1991 فيستطيع الزوج ابتزاز المرأة العاملة بأن يحرمها من عملها، وإن أصرت عليه تحرم من النفقة الزوجية، وذلك أيضاً في حال لم تقبل السفر معه.
أما المطلقات فإنهنَّ لا يحصلنَّ على نفقة تتناسب مع الغلاء المعيشي ويقضينَّ سنوات في المحاكم يطالبنَّ بتحسينها. المعاناة مع النفقة لا تتوقف عند المطلقات وإنما تقع النساء ضحية للإهمال، فهنَّ لا متزوجات ولا مطلقات "معلقات" فبعض الأزواج يرفضون تطليق زوجاتهم خوفاً من أن تقع عليهم النفقة.