نساءٌ اجتمعنَّ بنيران مقاومة نوروز

ـ عيد نوروز والذي يصادف الـ 21 من آذار/ مارس من كل عام من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكُرد والفرس والأذريين، ويعني "اليوم الجديد"

مركز الأخبار ـ عيد نوروز والذي يصادف الـ 21 من آذار/ مارس من كل عام من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكُرد والفرس والأذريين، ويعني "اليوم الجديد"، ويقال إن أصل هذا العيد جاء من الديانة الزرادشتية، وهو من أكثر الأيام رمزية بالنسبة للشعب الكُردي، فهو رمزٌ للمقاومة ومرتبط بقضية التحرر من الظلم، تختلف الاحتفالات به بين منطقة وأخرى ولكن إشعال النيران يبقى أساس هذا العيد.   
في 21 من آذار/ مارس بدأ الفرس والكُرد تقويمهم، ويعده الإيرانيون من أهم الأعياد الوطنية ويطلقون عليه اسم "يوم الطبيعة". أما بالنسبة للكُرد فهم يحتفلون بهم في أجزاء وطنهم المقسم بين سوريا وتركيا والعراق وإيران، وكذلك في دول المهجر.
 
كاوا الحداد... أسطورة نوروز
تعود احتفالية نوروز إلى أسطورة كاوا الحداد في ملحمة "شاه ناماه"، كتمرد على طغيان الملك الظالم "الضحاك أو ازدهاك (التنين)"، الذي كان يحمل ثعبانين على كتفيه. 
تقول الرواية أن الملك يذبح في كل يوم طفلين من أطفال القرية، ليقدم أدمغتهم إلى الثعابين التي ظهرت على كتفيه، من أجل أن يشفى من مرضه، بعدما أخذ بنصيحة مستشاريه من الأطباء والحكماء. كاوا الحداد بطل الأسطورة ضحى بـ 16 طفلاً من أطفاله للملك، ولم يبقى لديه إلا طفلة صغيرة فقرر التحايل على الملك وقدم دماغ خروف بدلاً من دماغها.
أهالي القرية الذين سمعوا بخدعة كاوا فعلوا مثله، وأرسلوا أطفالهم إليه في الجبال حيث يعيش لحمايتهم، وكبر الأطفال في الجبال وصنع منهم جيشاً، وعندما وصل الجيش إلى ذروة قوته نزل من الجبل بقيادة كاوا الحداد واقتحم قلعة الضحاك، وقتله. 
أعلن كاوا الحداد الذي يعد بالنسبة للكُرد رمزاً للمقاومة عن نصره من خلال إشعال النيران على سفوح الجبال وكان ذلك يومي (20ـ21) آذار/مارس. وإيماناً منهم بعدالة قضيته قرروا إبقاء هذه النار نار الخلاص والتحرر من العبودية والظلم متقدة.
 
طقوس النوروز وأساطيره
تنقل بعض الروايات أن عيد نوروز وطقوسه وأساطيره المرتبطة بعناصر الطبيعة تعود إلى أكثر من ستة آلاف عام مضت، فبعد اعتناق الإيرانيين الزرادشتية كدين رسمي في البلاد قبل 3500 عام، احتفلوا بحلول الربيع. وهناك أسطورة أخرى تقول إن الإنسان ولد على الأرض في هذا اليوم.  
في بلاد فارس كان يستمر الاحتفال لقرابة العشرة أيام وخلال تلك الفترة يقوم الإيرانيون بزراعة الخضراوات والبقول لتزداد خضرةً وجمالاً، ويحرصون كل الحرص على رش المياه على بعضهم البعض في طقس يعبر عن ضرورة الطهارة قبل بدء العام الجديد.
أما اليوم فقد اختلفت الكثير من الطقوس ظاهرياً فقط، لكن جوهرها ما زال موجوداً، فالإيرانيون ما زالوا يستقبلون العام الجديد من خلال تنظيف المنازل وشراء ملابس جديدة، أو أي أثاث جديد فكما تتجدد الطبيعة يجددون ما حولهم. يشعلون النار ويطلقون المفرقعات في ليلة الأربعاء الأخيرة من العام الفارسي، فالنار أساس هذا العيد فهي رمز الحكمة والثورة على الظلم. 
كذلك يحتفل الشعب في طاجكستان بعيد النوروز، حيث تشكل طبيعة البلاد الجبيلة بيئة مناسبة للاحتفال وإشعال النيران، وكانت قد أقرت الحكومة أن تكون الاحتفالات على مدى خمسة أيام.
 
احتفال الكُرد بعيدهم
نوروز عنوان للاحتجاج والثورة على القمع بالنسبة للكُرد الذين يحتفلون به في مناطق تواجدهم منذ آلاف السنين وحتى اليوم، ورغم منعهم إلا أنهم يصرون على الاحتفال، وأصبحت النساء اللواتي أججنَّ المقاومة بإضرام النار بأجسادهنَّ رمزاً له. فبفضل كفاح ومقاومة المرأة انتشر نوروز عنوان المقاومة ضد الظلم شيئاً فشيئاً.    
لكنهم ولسنوات احتفلوا به سراً فالسلطات الأمنية في الأجزاء الأربعة من كردستان تمنعهم من الاحتفال، فيما تقام فعاليات مشابهة في مناطق أخرى من العالم، يتجمع فيها مئات الآلاف من الكُرد وهم يرتدون الزي الفولكلوري.
في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي لم يعاني الكرد من القمع في نوروز، فمنذ خمسينيات القرن الماضي اعتاد العراقيون على أن يكون يوم النوروز عطلة في جميع أنحاء البلاد، ويحرص الكُرد هناك على طقس إشعال النيران على قمم الجبال، خلال احتفالات شعبية واسعة تقام في جميع المدن والقرى.
أما في شمال كردستان فكان يتم الاحتفال بعيد النوروز منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، وتستمر الاحتفالات لأيام، ولكن بعد تأسيس جمهورية تركيا الحديثة، بدأت مظاهر الاحتفال تقل تدريجياً، وفي عام 1992 صدر قرار حكومي بمنع الاحتفالات.
وفي سوريا وطوال سنوات حكم حزب البعث للبلاد منذ عام 1963 كان الاحتفال ممنوعاً كون حقوق الكُرد في سوريا غير معترف بها. ففي كل عيد كانت القبضة الأمنية تشتد لتعتقل النشطاء العاملين على فعاليات هذا العيد، ولسنين طويلة كانت السرية تكتسي مكان وبرامج الاحتفال. وحتى في المناطق التي يسكنها الكُرد في العاصمة دمشق كـ "ركن الدين، ابن النفيس، زور آفا وغيرها" لم يكن بإمكانهم الاحتفال دون خشية الاعتقال والتنكيل.  
رغم كل ذلك، استمر الكُرد بممارسة طقوس عيدهم الخاص بشكل سري، وبمجموعات صغيرة غالباً ما اتخذت طابعاً اجتماعياً مغلقاً. إحدى الحوادث الهامة في تاريخ نضال هذا الشعب للحصول على حقوقه المسلوبة هو ما قام به مجموعة من الشباب الكُرد في عام (1986) عندما خرجوا في مظاهرة أمام القصر الجمهوري، وكان القمع بانتظارهم حيث استقبلهم الأمن السوري بالرصاص، ما أدى إلى استشهاد الشاب (سليمان آدي) من أبناء مدينة قامشلو في شمال وشرق سوريا. هذه الحادثة تعد منعطفاً في المسار السياسي والاجتماعي الكُردي من زاوية تحدي السلطات الأمنية، التي جعلت من يوم الـ 21 من آذار/مارس عطلة رسمية في دوائر الدولة لكن ليس احتفالاً بعيد خاص بأحد مكونات المجتمع السوري إنما بمناسبة عيد الأم، لتجنب مزيد من التصعيد والاصطدام بالحالة العاطفية المرافقة لهذه المناسبة.
اليوم وبعد ثورة روج آفا في 12 تموز/يوليو 2012 أصبح بالإمكان الاحتفال بالعيد، واندرج هذا اليوم كأحد الأعياد القومية والذي بإمكان أي شخص الاحتفال به سواء كان كردياً أم عربياً أم من مختلف المكونات التي تعيش في مناطق شمال وشرق سوريا.
 
نساءٌ اجتمعنَّ بنيران مقاومة نوروز
يتم استذكار نساء 21 آذار/مارس يوم عيد نوروز الذي يعد رمزاً لمقاومة الكُرد، تلك النساء اللواتي تعتبرنَّ كميراث قومي وحافزاً لمواصلة المقاومة، فالمنع الذي طال عيد النوروز أثار غضب الشعب الكُردي والذي قام بالرد عليه.
رهشان ديميرال ذات 17 ربيعاً قابلت تهديدات رجال السلطة التركية الذين ظهروا على التلفاز وقالوا "إشعال الإطارات والاحتفال بنوروز ممنوع، فلن يتم الاحتفال بنوروز هذا العام. وإذا ما احتفل أي أحد، فسيتم القيام بما هو ضروري" قابلت هذه التهديدات بأن جعلت نفسها شعلة لنار الانتفاضة، قالت قبل إشعال نفسها "أقول لعصمت سزكين ـ وزير الداخلية آنذاك ـ سنحتفل بنوروز ... إذا لم يكن بالإطارات فليكن بإحراق أرواحنا وأجسادنا". ولطالما قالت إنها تفتخر بكونها تقاتل ضد الإنكار.
أما زكية آلكان فقالت "الاحتفال بنوروز لا يكون إلا بإشعال النار". في عام 1990 صعدت الأسوار التاريخية لقلعة آمد/ديار بكر في 21 آذار/مارس وأضرمت النار في جسدها. ومن حينها تحولت زكية آلكان إلى بطلة احتفلت بنوروز بجسدها. وصفتها بلشين تولهلدان عضو منسقية حزب حرية المرأة الكردستانية بالقول "عندما كنت أدرس في عام 1990 سمعت عن عمليتها. لقد شعرت بالصدمة والذهول! لماذا يحرق المرء نفسه؟ أي نوع من القوة هذه؟ أي نوع من الغضب هذا؟ ماذا كانت الرسالة؟ واجهت صعوبة في الفهم والاستيعاب. بعدها رأيت صورتها. كانت جميلة جداً! كانت امرأة متمردة وواثقة من نفسها". تُستذكر بمقولتها "لو كانت الحرية سهلة، لما أحرقت زكية نفسها"
بعد مرور السنين أشعلت سما يوجا النار في جسدها داخل السجن في نوروز، وقالت إن مصدر عشقها للحرية هي زكية آلكان. كما ذكرت في أحد كتاباتها أن هناك وجهان للبشر، أحدهما نور والآخر ظلام. وتذكر في رسالتها أن جانبها المظلم هو الضعف وجانبها المضيء هو زكية آلكان.  
قالت سما يوجا في ليلة نوروز 21 آذار/مارس عام 1998 "أريد أن أجعل جسدي جسراً يمتد من 8 آذار إلى 21 أذار"، وانتشر صدى عمليتها في كل البقاع. كان مستوى الإنجاز الذي حققته نقطة انعطاف فكرية للحركة النسائية الكُردية. 
قضت فترة علاج طويلة في المستشفى، حوالي 84 يوماً، نجت سما من العملية الجراحية الأولى وظلت على قيد الحياة، ولكنها فقدت حياتها في الثانية. لم تكن العملية الثانية ذات أهمية بعد أن استطاعت المشي والتكلم لكنهم أصروا على إجرائها، وفتحوا ثقباً في حلقها وقطعوا حبالها الصوتية، ففقدت النطق، وفقدت حياتها بعد ذلك بأسبوع، عائلتها قدمت شكوى إلى المحكمة لكن القضية أغلقت.
أضرمت امرأتان كُرديتان هما بدرية تاش المعروفة بلقبها روناهي ونيلغون يلدرم المعروفة بلقبها بيريفان، النار بجسديهما. الشعب الكُردي ربط بين النار الموجودة في قلبهما ونار نوروز. ففي الثاني والعشرين من شهر آذار/مارس عام 1993 أرادت كل من روناهي وبيريفان الرد بالنار التي أضرمتاها في جسدهما على عداء الدولة الألمانية وأوروبا للشعب الكُردي وأن تكونا جواباً على انتفاضة بوطان. أشعلتا النار في جسديهما في مدينة مانهايم الألمانية، وقالتا "نحن نعلم وكلنا إيمان بأن نار الحرية التي أشعلناها ستنمو وتكبر وتتأجج. وعليه فإننا نهدي جسدينا وفكرنا إلى الشعب الكردي". 
ومن حينها بدأ الشعب الكردي يتداول فيما بينه الجملة الشهيرة "لو أن الحرية سهلة، لما أحرقت بيريفان وروناهي نفسيهما".