نساء إقليم شمال وشرق سوريا خط الدفاع الأول لحماية سد تشرين
احتدمت المعارك على سد تشرين بعد احتلال مقاطعة منبج، وبدأت وفود المدنيين من مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا بالتناوب للدفاع عنه منذ الثامن من كانون الثاني/يناير الماضي.

سناء العلي ـ سيلفا الإبراهيم
سد تشرين ـ بُني سد تشرين عام 1999 على نهر الفرات، فأصبح بذلك مصدراً حيوياً للطاقة والمياه، إذ يولد الكهرباء ويمد مناطق واسعة بمياه الري والشرب، ما جعله شريان حياة أساسي للسكان والزراعة، ويقع السد في منطقة استراتيجية تربط بين مدن حلب والرقة والحسكة، وتعتبر السيطرة عليه وسيلة ضغط على الأطراف الأخرى لأنه يمنح من يسيطر عليه قدرة التحكم في طرق الإمداد والتحركات العسكرية.
سد تشرين يمثل حاجز طبيعي وخط دفاع عن المنطقة ولهذه الأهمية تجري معارك يمكن وصفها بـ "الطاحنة" لحمايته من قبل قوات سوريا الديمقراطية، لردع ما يسمى بـ "الجيش الوطني السوري" وهو مجموعة من المرتزقة التي جندها الاحتلال التركي لمحاربة إقليم شمال وشرق سوريا.
بدأ الاحتلال التركي حملة شرسة في محاولة للقضاء على مشروع الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا مع سقوط النظام السوري، واحتدمت المعارك على سد تشرين بعد احتلال مدينة منبج، ومع تقديم القوات العسكرية وعلى رأسها وحدات حماية المرأة تضحيات جسيمة أعلن الأهالي من جميع المقاطعات تضامنهم لحماية السد، وبدأت الوفود بالتناوب للدفاع عنه منذ الثامن من كانون الثاني/يناير الماضي وكل ثلاثة أيام يسلم وفد راية الحماية لوفد آخر.
ومع احتلال لم يرحم حتى أغصان الزيتون في عفرين ولا قبور المقاتلين وكان القصف نصيب المدنيين الذين قاوموا مسيراته بالرقصات الشعبية وواجهوا الموت بتراثهم، والنساء رفعن صوتهن بالزغاريد التي علت على أصوات المدفعية فقد آمنوا أنه حتى لو قضوا نحبهم هناك ستبقى مقاومتهم درس للعالم الذي صم آذانه منذ سنوات عن الإبادة التي يرتكبها الاحتلال التركي بحقهم.
المرأة ولأنها رمز الحماية لأي مجتمع كانت حاضرة بل هي أول من بادر للتضامن وأكد على ضرورة المشاركة وتنظيم الوفود، وتصدرت شعارات المشاركات من على السد وسائل الإعلام، قالت المشاركات "نحن أكبر من الموت"، ورفعن شارة النصر في وجه الأسلحة والتخاذل الدولي.
انطلاقاً من مسؤوليتها في نقل حقيقة المرأة من الانتهاكات بحقها إلى المقاومة التي تبديها توجهت مراسلات وكالتنا إلى سد تشرين لتوثيق ما يحدث من خلال رصد آراء المشاركات في المناوبة، والمقاتلات على خط النار.
مشاركة المدنيين في الحماية تجسد مفهوم حرب الشعب الثورية
ما الذي يدفع هؤلاء الناس لترك منازلهم وتحمل مشقة الطريق ومخاطره والبرد؟ ما الذي يدفع الأمهات المشاركات لترك أطفالهن؟، صحيح أنها أيام لكن من يضمن أن يعود إلى منزله والطائرات التركية المسيرة والحربية تحوم فوق الرؤوس، وقد أوقعت ضحايا مدنيين منذ بدء فعالية الحماية؟، باختصار هذا ما يسمى بحرب الشعب الثورية، وهي أن يتضافر الأهالي مع قواتهم العسكرية لحماية مناطقهم، وهذا المشروع هو ما يتم تطبيقه في إقليم شمال وشرق سوريا منذ ثورة 12 تموز/يوليو 2012 وحتى اليوم.
النساء في إقليم شمال وشرق سوريا أثبتن أن المرأة ليست ذلك الكائن الذي ينتظر الحماية بل تحمين أنفسهن بأنفسهن وليس بالسلاح فقط وإنما بالكلمة والحضور بمختلف المجالات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
في الشرق الأوسط لم تتلون الثورات بلون المرأة كما يحدث في إقليم شمال وشرق سوريا فقد اعتاد الناس على مشاهدة الحشود بدون المرأة أما هنا في سد تشرين فالنساء ربما يزيد عددهن عن عدد الرجال، إذاً المرأة لا تخاف من الحرب والرجال أيضاً أثبتوا حضورهم ومنهم كبار في السن والفئة الشابة كانت حلقة قوية في هذه المقاومة وعن ذلك قالت عضوة اتحاد المرأة الشابة في إقليم
شمال وشرق سوريا نادية يوسف وهي مهُجرة من مدينة عفرين "نواصل فعالية المناوبة لحماية السد رغم الاستهداف الوحشي للاحتلال التركي للمدنيين المناوبين على جسم السد وبمواصلتنا التوافد للانضمام إلى هذه المقاومة نؤكد بأن هجمات الاحتلال لن تثنينا عن مقاومتنا، وبروح ومعنويات عالية وبالرقص والأغاني نرد على تلك الهجمات، فنحن شعوب هذه المنطقة بكردها وعربها وتركمانها وأرمنها وسريانها أخذنا على عاتقنا حماية هذا السد".
وأكدت أنه "منذ الهجمات الأولى التي استهدفت المنطقة ومنذ أول يوم من المقاومة لعب شبيبة إقليم شمال وشرق سوريا دوراً ريادياً، واستشهد الكثير منهم فجميع الشهداء الذين ارتقوا في هذه المقاومة لم تتجاوز أعمارهم الثلاثون، وهذا يبين الروح الفدائية لدى الفئة الشابة، وسنواصل مقاومتنا في الجبهات الأمامية لحماية مكتسبات ثورتنا التي حققناها خلال 13 عاماً".
الحضور النسائي
منذ اليوم الأول للهجوم على سد تشرين أثبتت المرأة وجودها في القوات العسكرية وتشاركت مع رفيقها الرجل حمل السلاح لمواجهة المرتزقة، ودحر إرهابهم، وعندما بدأت القوافل الشعبية بحماية السد كانت النساء في الصدارة، وقد نقلت الوكالات
الإخبارية يوم بيوم تحدي النساء لحماية السد ومن هؤلاء الإدارية في مؤتمر ستار بمدينة الدرباسية بمقاطعة الجزيرة فاطمة كلش التي انضمت لوفود الحماية للمرة الثانية، والتي وصفت سد تشرين بـ "سد المقاومة البطولية التي يبديها شعب المنطقة من قوات عسكرية ومدنيين".
وبينت أن مرتزقة الاحتلال التركي لم تتمكن من التقدم وذلك بفضل التضحيات التي يقدمها هؤلاء؛ لوعيهم بضرورة القتال بمختلف أشكاله لحماية ليس السد فقط، وإنما المشروع الديمقراطي في المنطقة انطلاقاً من الأهمية العسكرية لسد تشرين حتى لو تطلب ذلك استمرار المناوبات الشعبية لأشهر.
ما يحدث على سد تشرين يسمى بـ "حرب الشعب الثورية"، وهذا ما تراه فاطمة كلش التي تقف وخلفها سيارات مدنية محترقة بفعل الاستهداف التركي المتواصل للوفود، ويخشى المدنيين على جسم السد من الانهيار مما سيحرمهم أساسيات حياتهم كالماء والكهرباء، وعلى ذلك اتحدت النساء من جميع المكونات لأن إرادتهن قوية في مواجهة "الطيران المسير وقذائف الهاون والطائرات الانتحارية".
الخمسينية كفاح الأفندي نزحت من مدينة حلب وسكنت مدينة الدرباسية بمقاطعة الجزيرة، تقول "جئنا إلى هنا لندافع عن أنفسنا وحقوقنا ولا نريد أن يتكرر سيناريو سري كانيه عندما تم احتلال محطة مياه علوك وأجبر أهالي مدينة الحسكة على شراء المياه على فقر حالهم، فنحن هنا لندافع عن أرضنا وعن حياة الناس، فأردوغان يقتل شعبنا وعليه أن يكف يده عن مناطقنا هذا السد ملك شعبنا ولن نقبل أن يسيطر على سد تشرين ليستخدمه كورقة ضغط ضدنا، والنساء جزء أساسي من هذه المقاومة بغض النظر عن أعمارهن ولن نقبل بأي قوة أجنبية أن تسلب منا حقنا".
الإعلام مهمة مقدسة
الإعلام أثبت حضوره منذ اليوم الأول وغالبيته إعلاميات حتى أنه تم استهدافه وفقدت عدد من الصحفيات حياتهن، وكل ذلك مستمر والصمت الدولي سيد الموقف.
الصحفية السويسرية آنا كونتر تعمل في صحيفة 20 menet قصدت سد تشرين لتكون شاهدة على مقاومة شعوب إقليم شمال وشرق سوريا وعلى الانتهاكات المرتكبة بحقها، وخلال قضائنا معها يوماً كاملاً كان إعجابها واضحاً بالشعب الكردي حتى أنها تحفظ عدد من الكلمات، وقالت لوكالتنا أنها كصحفية تجد المنطقة مثيرة للاهتمام، ولكن وصفتها بـ "الحزينة جداً" لأنها تقع بين عدة قوى جبارة "لم أرى قط أشخاصاً أكثر ترحيباً ويملكون قلوباً طيبة وابتسامتهم لا تفارقهم رغم ما يمرون به من أوقات عصيبة لذلك قلبي كردي جداً، ففي المرة الأولى التي أتيت فيها إلى المنطقة لم أتوقع ما رأيته واعتقدت أن الأمر سيكون حزيناً للغاية، لأن داعش كان موجوداً وكذلك تركيا وأيضاً النظام السابق والكثير من القوى التي تمارس ضغوطاً على الكرد، ولكن فوجئت لأن الناس هنا متفائلون رغم الحرب، ويرحبون بالجميع، فعادةً ما تغير الحروب من طبيعة المجتمعات نحو الأسوأ لكن في إقليم شمال وشرق سوريا لا يزال الناس أقوياء".
وعن متابعتها للمنطقة قالت "من خلال عملي الصحفي تمكنت من زيارة المنطقة لست أو سبع مرات، وفي البداية كانت مهمتي تغطية الأوضاع إبان سيطرة داعش والمعارك ضده، وبعد سقوط نظام الأسد أردت أن أعرف ماذا يعني ذلك لإقليم شمال وشرق سوريا، وما هدف تركيا من استهداف المنطقة في هذه المرحلة الحساسة والمعقدة؟".
وأجابت عن سؤالنا لماذا تعتبر الأحداث التي تشهدها المنطقة مهمة بالنسبة لصحيفة 20 menet بالتأكيد "الصحيفة تهتم بالكرد وفي سويسرا وخاصة بزيورخ مسقط رأسي هناك كرد وأتواصل معهم لأطلعهم على كيفية سير الأمور في بلدهم وأشعر أنه لشرف لي أن أتمكن من القيام بذلك".
ولأن دور النساء بارز في مقاومة سد تشرين لفت ذلك انتباه آنا كونتر التي شددت على أن "لا شيء يعمل بدون النساء إنهن تقدمن كل شيء، وتمنحن من حولهن معنويات عالية لحماية السد، لذلك أكن احتراماً كبيراً للنساء الموجودات في سد تشرين اللواتي تخاطرن بحياتهن لحمايته، من جهة أخرى يتم استهداف الصحفيين وخاصةً الصحفيات وهذا خرق للقانون الدولي نحن نعمل لنقل الحقيقة فلا يجب استهدافنا، وللأسف يحدث هذا في غزة أيضاً حيث يتعرض الصحفيون للقتل طوال الوقت وهذا يجب أن يستدعي تنديد عالمي لأن مهمة الصحفي نقل الأخبار التي تهم الشعب ولذلك لا بد من ترك المجال لهم للقيام بهمتهم، ويجب أيضاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا التركيز على ما يحدث في دمشق".
وحدات حماية المرأة خط الدفاع الأول
تأسيس وحدات حماية المرأة في روج آفا أولاً عام 2013 وتوسعها بعد انضمام المناطق التي تحررت من داعش لتشمل مناطق إقليم شمال وشرق سوريا لهدف سامي وهو حماية مكتسبات المنطقة، وخاصةً ثورة المرأة لذلك هي اليوم كما في جميع المعارك في خط الدفاع الأول.
ومن جبهات القتال تحدثت المقاتلة أمارا قامشلو لوكالتنا عن تطور المعارك واستخدام الاحتلال التركي لمجموعة من المرتزقة لتحقيق مآربه، وعن المقاومة التي تبديها مقاتلات وحدات حماية المرأة ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية وقالت أنه منذ أكثر من 67 يوماً يقاومون في خنادق القتال انطلاقاً من مسؤوليتهم لحماية شعوب المنطقة ومقدراتها ومنها سد تشرين "لأكثر من شهرين يهاجم الاحتلال التركي ومرتزقته بكافة الأسلحة المتطورة، ولكن إلى هذه اللحظة لم يتقدم خطوة واحدة باتجاه سد تشرين، فثاني أقوى جيش في حلف الناتو تم إفشال جميع هجماته، لأننا نستمد قوتنا من شعبنا، وما يميز هذه المقاومة هو توحيد صف الشعب الكردي والعربي وكذلك الأرمني وجميع شعوب المنطقة، وهذا الصورة تجسد معنى حرب الشعب الثورية، فحتى في جبهات القتال الأمامية مقاتلون ومقاتلات في قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة من كافة مكونات المنطقة، لأننا نحن بنات وأبناء هذه المنطقة نحمل على عاتقنا حماية أرضنا وشعبنا من هذا الاحتلال، ولا نعتمد على أحد آخر في حماية أرضنا".
وشبهت مقاومة سد تشرين بمقاومة مدينة كوباني عندما هاجمها مرتزقة داعش قبل سنوات "المقاومة التي يشهدها سد تشرين تمثل تلك المقاومة التي خاضتها مدينة كوباني في عام 2014، ونحن على يقين بأن النصر أيضاً سيكون مماثلاً لأن الذين يهاجمون مناطقنا اليوم هم نفسهم الذين هاجموا كوباني ولكن بدلوا الراية".
وقالت عن الأهمية الاستراتيجية للسد بالنسبة للمنطقة أنه "عدا عن كون السد أصبح رمزاً للمقاومة لأنه روي بدماء رفاقنا الشهداء، هو أيضاً موقع استراتيجي لأن احتلال تركيا له سيشكل خطراً على مقاطعة الفرات ويجعلها عرضة لهجمات المرتزقة والاحتلال التركي، لذلك قدمنا الكثير من الشهداء والجرحى في سبيل حماية هذا السد، وحتى نكون لائقين بتضحيات شعبنا وشهداءنا لن نسمح بأن يقع شعبنا ومناطقنا تحت وطأة الاحتلال مهما كان الثمن وهذا عهد نقطعه لشعبنا".
ولأن المرأة هي محور الحدث فللمقاتلات كلمتهن ودورهن الذي لا يمكن إلا أن يكون ملفتاً "لوحدات حماية المرأة دور كبير في معارك سد تشرين فهي تشارك في الجبهات الأمامية لأنها جزء من قوات سوريا الديمقراطية بكافة العمليات العسكرية لصد هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته، وهذا واجبنا كنساء في حماية المنطقة".
ورسالتها لم تكن للشعب أو القوات العسكرية لأنهم كما تقول يقومون بواجبهم الأخلاقي تجاه المنطقة لكن المرتزقة كما تقول فقدوا حسهم الوطني "على المرتزقة أن يستيقظوا من سباتهم لأنهم يعملون لصالح أجندة لتنفيذ مآرب الاحتلال التركي لقتل الشعب السوري وعليهم أن يكونوا وطنيين لخدمة شعبهم السوري، وألا ينخدعوا بالاحتلال ويقتلوا أبناء جلدتهم".