مسيرة النشاط النسوي في السعودية (5)

استعادت الدولة سلطتها وحلت محل علماء الدين في تحديد أدوار الجنسين، نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية التي مورست على المملكة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001

تداعيات 11 سبتمبر... بوابة المرأة نحو الحرية

 
مركز الاخبار ـ والذي كان من بين منفذي العملية الإرهابية 15 سعودياً. 
واجبرت السعودية على فتح ابوابها أمام المنظمات والصحفيين الأجانب؛ لتبعد نفسها عن شبهة الإرهاب، فتدفق الإعلام الغربي للبحث في جذور الإرهاب، وصممت المنظمات الاجنبية مشاريع لإشراك النساء السعوديات في معركة محاربته باعتبارهن أساس المجتمع واللواتي يغرسن بذور الصلاح في نفوس ابنائهن. 
 
حضور المرأة بعد عام 2001
يقول المثل الشعبي مصائب قوم عند قوم فوائدُ فكما أن تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر تعد بداية انتشار الإرهاب في العالم وبداية التدخل الغربي في الشرق الأوسط إلا أنها كانت خطوة هامة في طريق تحرر المرأة السعودية. 
سارعت السلطة السعودية إلى توظيف نساء في الإعلام وأصبحن يظهرن على شاشات التلفزة، واحتفت بإنجازات العديد من النساء اللواتي تميزن في عدة مجالات، منهن الدكتورة غادة المطيري لتميزها في مجال الابتكار والاختراع، والفنانة التشكيلية هدى العمر والشاعرة فاطمة القرني وغيرهن. 
وشاركت نساء العائلة الملكية في المنتديات الاقتصادية والتربوية الدولية، ودعمن من خلال كتاباتهن في الصحف المحلية التغيير الاجتماعي الجديد. 
وظهرت في الصحف الدولية والمحلية قصص حول نساء ناجحات ومستقلات، لم تعدوا عن كونها قصص فردية وليست حالة عامة في المجتمع، وناقشت وسائل الإعلام الممولة سعودياً قضايا البطالة والتعليم والزواج والطلاق والعنف ضد المرأة ومشاكل الشباب.  
وظهرت أصوات نساء متعلمات انتقدن بشكل علني التضييق باسم الدين على المرأة والتمييز بين الجنسين وتهميش النساء، والقيادة والعمل والسفر وغيرها، وناشدن أبوية الدولة لتغيير الواقع. أمثال الصحفية حسناء عبد العزيز التي انتقدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
نشطت النساء بشكل كبير في مجال الاقتصاد وبرزت سيدات أعمال امتلكن ثروة، أمثال رانية سلامة مالكة مؤسسة للخدمات التجارية والتسويق، ولها مشاركات في اللجان القطاعية في الغرفة التجارية الصناعية بمدينة جدة، وسيدة الأعمال لمى عبد العزيز السليمان وهي من أبرز سيدات الأعمال وأول امرأة تفوز في انتخابات الغرف التجارية السعودية، وغيرهن الكثير.
كما افتتح عام 2004 أول تجمع اقتصادي نسائي باسم "مركز خديجة بنت خويلد الاقتصادي" نسبة إلى السيدة خديجة زوجة الرسول محمد الأولى والتي عملت في التجارة قبل 1400 عام.
في مجال الحقوق السياسية تم استبعاد النساء من التصويت في الانتخابات البلدية لعام 2005، وعزت الدولة الأسباب لصعوبة تأمين مراكز اقتراع خاصة بالنساء، نظراً لأن الانتخابات حديثة على البلاد وهي غير مستعدة بعد لمثل هذا الأجراء.
في عام 2009، عينت أول امرأة نائبة لوزير التربية وهي نورا الفايز، حاصلة على شهادة الماجستير في التربية من جامعة ولاية يوتا الأمريكية، والبكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة الملك سعود.
وفي عام 2015 منحت النساء حق المشاركة في الانتخابات البلدية، وتم تعيين 30 امرأة في مجلس الشورى عام 2013 وشكلن خُمس اعضاء المجلس، كما تضمن القرار أن تشكل النساء 20 بالمئة من أعضاء المجلس مما يمكّن العضوات من مراجعة وتدقيق القرارات التي تخص المرأة السعودية وتعديلها.
ورغم محاولة إشراك المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية إلا أن نظام الولاية وقف على مدى عقود عائقاً أمام المشاركة النسائية في مختلف المجالات، ومع الاصلاحات الحديثة والغاء نظام الولاية بشكل جزئي إلا أن تطبيقه مرهون بمدى تقبل كل عائلة.  
 
موقف السعودية من الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بالمرأة
لا يوجد في السعودية قانون مكتوب، وتعتمد على الشريعة الإسلامية في حل القضايا وإصدار العقوبات وتحصيل الحقوق، وتخضع الاحكام للتفسيرات المزاجية للقضاة.
المملكة العربية السعودية وقعت على عدة اتفاقيات دولية فيما يخص حقوق المرأة، ففي عام 2000 وقعت على اتفاقية سيداو التي تدعو إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتحفظت على جميع البنود التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وعلى الفقرة الثانية من البند التاسع المتعلقة بمنح الجنسية لأطفال السعوديات المتزوجات من غير سعودي، وعلى الفقرة الأولى من المادة 29، التي تنص على عرض أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية على التحكيم، باعتبارها انتهاك لسيادة البلاد.
كما وتحفظت على فقرتين من "إعلان إنهاء التمييز وحماية المرأة من العنف"، وتتعلقان بحقوق المثليات جنسياً والعلاقة مع الصديق الحميم.
وأصبحت السعودية في نيسان/أبريل 2019 عضو في المجلس التنفيذي لجهاز الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وهي عضو في منظمة تنمية المرأة بمنظمة التعاون الإسلامي.
 
محدودية التعليم
خطت السعودية أولى خطوات سحب صلاحيات المؤسسة الدينية في مجال التعليم، وبدأ افتتاح مدارس الإناث بشكل كبير، خاصة بعد تسبب الشرطة الدينية في وفاة أربعة عشر طالبة بحادثة حريق مدرسة البنات في مكة عام 2002 إثر منعهن من الخروج والنجاة بأنفسهن لأنهن لم يكن يرتدين الزي المحتشم بحسب زعمهم.
توسعت الدولة في التعليم الجامعي للفتيات ووفرت فرص متكافئة لهن مقارنة بالذكور، لكنهن منعن من دراسة العديد من المهن والتي يعتبرها المجتمع حكراً على الرجال ولا تناسب المرأة، وحتى دخولهن للمكتبة كان محدود للغاية ومقتصراً على أيام محددة في الأسبوع.
وأعلن عن إنشاء جامعة نورا في عام 2008، بمبادرة من الملك عبد الله بن عبد العزيز وافتتحت بعد عامين من الإعلان، درست فيها الفتيات الطب والحوسبة والإدارة والصيدلة. وأعادت البلاد منح الفتيات فرص الدراسة في الخارج "المنح الدراسية"، ابتداءً من العام 2010، وكانت نسبة المنح المخصصة لهن 25 بالمئة من مجموع المنح. 
وتجري مراقبة الطالبات والتضييق عليهن من قبل منظومة التعليم كاملة تديرها المشرفة "امرأة مثلهن"، يمنع اصطحاب الهاتف النقال والتصوير، قص الشعر، ارتداء عباءة مطرزة، تصرفات توحي بالمثلية، مغادرة الجامعة مع إحدى الصديقات وقبل كل ذلك على الطالبة ملئ استمارة تتضمن اسم السائق وموافقة ولي الأمر وابراز البطاقة للحارس بعد انتهاء الدوام للسماح بخروجها.
 
نظام الولاية 
هو أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في العالم والممارس في المملكة العربية السعودية. منذ ولادتها وحتى موتها تخضع المرأة السعودية لوصاية الرجل ابتداءً بالأب وانتهاءً بالأبن، أي أن المرأة تُعامل كقاصر مهما بلغ عمرها ويتحكم الرجل بأدق تفاصيل حياتها ولا تملك الحق في التصرف، ولا يشترط نظام الولاية أن يكون "الولي"، راشداً فحتى الطفل يمكن أن يتحكم بحياة المرأة البالغة.  
تم العمل بنظام الوصاية أو الولاية أو القوامة بشكل أكبر بعد حادثة الأميرة مشاعل بنت سعود، والتي أعدمت في منتصف تموز/يوليو 1977، بعد أن مُنيت محاولة هروبها بالفشل، وعلى إثر هذه الحادثة سُنت تشريعات تحد من حرية المرأة في السفر، وزادت التشريعات التي تؤكد الفصل بين الجنسين في العمل.
ولكن نظام الولاية وإن لم يكن مكتوباً فأن العمل به كان قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، ويعود ذلك للطبيعة القبلية التي تسود البلاد، وباعتبار الجزيرة العربية مهد الدين الإسلامي الذي يشرع قوامة الرجل على المرأة.
وساهم تعليم النساء في السنوات الأخيرة والثورة التكنلوجيا وإتاحة فرصة للتواصل مع العالم بكل سهولة "مواقع التواصل الاجتماعي"، في زيادة وعي المرأة السعودية لحقوقها وعلى ذلك علت الأصوات المطالبة بإسقاط نظام الولاية.
انطلقت أولى الحملات منذ بداية الحراك العربي واقتصرت على موقعي التدوين تويتر وفيس بوك كون المظاهرات والاحتجاجات ممنوعة بشكل كامل حتى وإن حملت طابع سلمي.
انطلقت أول حملة واضحة المعالم بداية عام 2011 عبر صفحة على موقع فيس بوك باسم "المرأة السعودية تريد إسقاط وصاية الرجل عليها"، وفي نفس العام قامت الحقوقية عائشة المانع التي اعتقلت في أيار/مايو 2018، وتم إطلاق سراحها بعد عدة أيام بتنظيم ورش عمل في العاصمة الرياض وجدة والخبر لتحديد آليات الولاية للسعوديات، وفهم الولاية في الإسلام.
وفي العام 2012 أطلقت السعوديات على موقع تويتر هاشتاغ "أنا ولية نفسي"، بعد ذلك أقامت مجموعة من الناشطات ندوة نسائية في أيار/مايو 2013، بعنوان "المرأة والميراث التجاري وأحكام الأسرة".
وتحت هاشتاغ سعوديات نطلب إسقاط الولاية أطلقت السعوديات عام 2016حملة مطالبة لإسقاط ولاية الرجل على المرأة كان ثمرتها صدور قرار ملكي يلغي شرط موافقة الولي لعمل المرأة أو تقديم استقالتها. 
وعلى إثر هروب رهف القنون بداية عام 2019 إلى كندا أطلقت السعوديات هاشتاغ #اسقطوا_الولاية_ولا_كلنا_بنهاجر. 
ساهمت هذه التحركات مع الضغوط الخارجية من قبل دول ومنظمات وأبرزها منظمة هيومن رايتس ووتش التي اصدرت تقريرين الأول في عام 2008 بعنوان "قاصرات للأبد"، والثاني عام 2016 بعنوان "كمن يعيش في صندوق"، إضافة إلى عزم الدولة الانفتاح على العالم واعطاء المرأة حقوق كل ذلك ساهم في إصدار قرار في الثاني من آب/أغسطس 2019 يسمح للنساء فوق 21 عاماً بالحصول على جواز سفر والسفر دون موافقة الولي، كما شملت التعديلات الأحوال المدنية بما فيها تسجيل المواليد وسكن الزوجة، واستخراج الوثائق الرسمية والوصاية عن الأبناء القُصر.
 
فصل الجنسين 
منحت النساء حق العمل لكن بشروط أولها موافقة ولي الأمر مع تطبيق نظام فصل الجنسين، وبعد العام 2004 زادت المبادرات الحكومية لإشراك المرأة في سوق العمل، مع الأخذ بالحسبان رأي المؤسسة الدينية الرافضة بشكل قاطع لأي فكرة تدور حول العمل المشترك بين الجنسين.
أثار افتتاح شركة أرامكو لجامعة "الملك عبد الله"، وهي مختلطة عام 2009 حفيظة الدعاة والنساء الإسلاميات بشكل كبير، ووصل ببعض الدعاة إلى تكفير الطالبين بالاختلاط وعَدوهم من المرتدين المباحة دمائهم، واعتبروا الملك منتهكاً للبيعة، ووصل التطرف ببعضهم الآخر لحد المطالبة بتطبيق الفصل بين الجنسين في المسجد الحرام وهو ما يعد دعوة لهدم المسجد.
أما أسباب رفض الإسلاميات للاختلاط فهو بعيد عن التفسيرات الدينية ولم يكن أكثر من تخوف فقدان العمل للنساء اللواتي ترفض عائلاتهن الاختلاط الذي يوفر شروط جديدة لإقصاء المرأة من العمل.
بدا موقف الأكاديميات الإسلاميات واضحاً ضد "مركز خديجة بنت خويلد"، حين أصدرت 36 أكاديمية بياناً ضد تطبيع الاختلاط وطالبن الدولة بالتدخل، ثم وقعت 700 امرأة على عريضة تدين اهتمام مركز خديجة بنت خويلد بالاختلاط الذي لا يراعي مصالح النساء المختلفة ويحرم العديد منهن فرصة العمل.
 
الأدب النسوي
برزت عدة كاتبات سعوديات جريئات، تحمل رواياتهن اسقاطات على الواقع، مستغلات عدم وجود قيود على كتابة الرواية التي تعتبر أقل خطراً على المجتمع المحافظ من النشاط النسوي، وأصدرت روايات العديد منهن من خارج المملكة، وبعضها بأسماء مستعارة.
بدء النشاط الأدبي النسوي منذ الستينيات وتعرض للقمع بعد ازدياد التعاون بين الدولة والمؤسسة الدينية في الثمانينات، واعتبرت كتاباتهن لا أخلاقية وخارجة عن الآداب العامة لأنها عكست آمال المرأة السعودية والكبت المفروض عليها والعنف الممارس من المرأة على المرأة، وسلطت الضوء على الخطاب الديني المنحاز للرجل، وناقشت سلبيات البنية المجتمعية والتغيير الطفيف في المجتمع السعودي نتيجة توافد العمالة الأجنبية والاختلاف بين الثقافات داخل المملكة ما بين منطقة وأخرى وما بين السعوديين والوافدين. 
كان الأدب النسوي السعودي في بداياته ذا هدف سامي لكنه كنوع تراجع في السنوات الأخيرة إذ ركزت أديبات الجيل الجديد على العلاقة الحميمية بين الجنسين وصورت حياة الفتيات اللواتي يدرسن خارج المملكة ومدى انغماسهن في تلك الحياة، وحالات لفتيات يعشن في المملكة يمارسن رغباتهن بالسر، وهذا النوع ميز الأدب النسائي السعودي الحديث عن غيره من الأدب.
 
إهمال الفتاوى
ليس جديداً على السلطة السعودية إهمال الفتاوى حينما تشاء فبالرغم من أنها لم تمنع أبرز الدعاة من إصدار فتاوى تَحرمُ النساء من العمل في مجالات عِدة مثل المحاسبة بدعوة أنها لا تليق بالنساء السعوديات (معروفة بالسعودية أنها وضيفة وضيعة)، ولأنها تؤدي إلى ملامسة أيدي الرجال، إلا أن هذه الفتوى تم تجاهلها واستمر العمل بخطة 2005، الهادفة لخلق فرص جديدة للنساء.
ووضعت السعودية ضمن الخطة آنفة الذكر برامج لتدريب النساء المطلقات والأرامل، وحثت الخطة القطاع الخاص على توظيف عدد أكبر من النساء.
بعد ذلك تم ضبط الفتاوى العشوائية والمتناقضة بمرسوم ملكي يحظر الفتاوى التي تقدم بشكل آني دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للعلماء، وبذلك أصبحت هذه المؤسسة المصدر المعترف به لإصدار الفتاوى، وعلى ذلك تم إغلاق عدة قنوات تبث برامج فتاوى وحذفت بعض الفتاوى من موقع يوتيوب. 
وفي 25 نيسان/أبريل 2016، أطلق ولي العهد محمد بن سلمان خطة لعدم الاعتماد المطلق على النفط والذي هو من أهم ركائز الاقتصاد السعودي، وتشمل الخطة تعزيز وجود المرأة في المجتمع وزيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 بالمئة حتى 30 بالمئة، بحلول عام 2030، والعودة إلى الإسلام الوسطي، ضارباً بعرض الحائط عقوداً من التشدد. 
 
ظاهرة هروب الفتيات
تطغى الاعراف الاجتماعية في البلاد، وتعد الأسرة المتحكم الرئيسي بحياة الأفراد سواء الذكور أو الإناث، ومعظم الأسر السعودية ذات الذهنية الذكورية العشائرية تعامل الفتاة معاملة قاسية خالية من الاحتواء والتفهم، وتنظم سلوكها الاجتماعي والديني دون مراعاة لرغبتها الشخصية، ويشمل التعنيف الممارس من الأهل ضد بناتهم الضرب والتزويج القسري والحرق أحياناً.
وسجلت السعودية نسبة مرتفعة للتعنيف الأسري وصلت إلى 87.6 بالمئة بحسب احصائية لمختصين في شؤون المرأة والطفل لعام 2013م، نشرتها صحيفة الرياض، وأكد المختصين أن أرقام هذه الاحصائية أقل بكثير من الواقع. 
وكشفت نتائج استطلاع للرأي عام 2018 أن العنف النفسي من أكثر الأنواع التي تتعرض لها المرأة السعودية بنسبة وصلت إلى أكثر 46 بالمئة، والإهمال بنسبة 27 بالمئة، بينما كانت نسبة العنف الجسدي 12 بالمئة، والاستغلال 10 بالمئة.
أسس التعنيف الأسري لفكرة هرب الفتاة من أسرتها، واللجوء إلى الدولة لكن سرعان ما ينقلب الموقف إجمالاً ضد الفتاة التي يتهمها والدها (وهو غالباً المعنف) بالعقوق وتزج في دار الرعاية التي هي أشبه بالسجن ولا تستطيع الخروج منها إلا بموافقة الأب، وفي أحسن الأحوال تنقل وصايتها إلى أخيها أو عمها.
ساهم التعنيف الأسري وعدم ضمان الدولة الأمان للفتاة بعد هربها من أسرتها انتشار ظاهرة هرب الفتيات إلى دول الخارج وطلب اللجوء كما حصل مع رهف القنون وغيرها من الفتيات اللواتي اتهمن أسرهن بتعنيفهن والتهديد بقتلهن.
ووصلت أعداد الفتيات الهاربات إلى الألوف قدرتها صحيفة الحياة قبل ثلاث سنوات بـ 1500ـ3000 هاربة. وبحسب احصائية تم اعدادها من قبل وزارة العمل السعودية عام 2015 فإن أعداد الهاربين من السعودية وصل إلى 1750 شخص، نسبة هرب المعنفات منها 35 بالمئة خلال عام واحد.
وفي آخر دراسة اعدتها الباحثة السعودية عائشة السواط وصدرت عن جامعة نايف للعلوم الأمنية في العاصمة السعودية بداية العام الحالي (2019) بعنوان "العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المرتبطة بهروب الفتيات"، وشملت فتيات موقوفات واخصائيات في مجال الرعاية أن 40 بالمئة من الفتيات الهاربات آباؤهن منفصلون، ونسبة الطالبات الهاربات 63.3 بالمئة، وربات المنزل 46.2 بالمئة، والمتزوجات 66.7 بالمئة، وصاحبات التحصيل العلمي العالي 52.8 بالمئة.
ووجدت الدراسة أن التفكك الأسري والتعنيف والتمييز بين الجنسين في العائلة واجبار الفتاة على الزواج من أبرز أسباب هروب الفتيات إلى خارج المملكة.
 
مطالب نسوية
ناقشت النساء وجهات نظرهن حول وضع المرأة السعودية خلال جلسة لمنتدى الحوار الوطني الذي عقد في عام 2005، وشهد النقاش وجهات نظر متعارضة بين من يؤيدون الدور التقليدي للمرأة ومن يدعمون التغيير.
تم تخوين النساء الداعيات إلى مزيد من الحرية واتهمن بأنهن ينفذن أجندة خارجية تهدف لتدمير المجتمع وتهدد أصالته ودينه، وانتهت الجلسة دون اتخاذ خطوات مهمة أو جدية، لكن المشاركات قدمن قائمة توصيات لولي العهد عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وناقش معهن خلال منتدى خاص دور النساء في مجتمع يتمتع بنزعة تقليدية محافظة ولم يستطع وقتها علماء الدين استعادة سيطرتهم وتأثيرهم، وكان المطلوب منهم تقديم تفسيرات دينية تناسب التغيير الحاصل.
 
الإصلاحات وحقيقتها  
أجريت بعض الاصلاحات مثل اعطاء المرأة حقها في قيادة سيارتها الخاصة في 24 يونيو/حزيران 2018، بعد عقود من الحرمان، وفي الثاني من آب/أغسطس 2019 سمح للمرأة بالسفر دون أذن من الولي، وتضمنت التعديلات الجديدة اعطاء النساء مساحة من الحقوق المدنية مثل تسجيل عقود الزواج والطلاق والمواليد الجدد والحصول على سجلات أسرية، كذلك تم منح المرأة حق الوصاية على ابنائها القصر.
وفتح المجال أمام النساء للعمل في مختلف المجالات والوظائف حتى العسكرية منها وكذلك الانخراط في المجال الرياضي، ومن ناحية اللباس الذي كان مفروض على النساء "العباية" فإنه أصبح من الماضي بعد تأكيد ولي العهد محمد بن سلمان وهو مصدر التشريع الأول في المملكة على أن الاحتشام لا يتطلب لبس شيء معين وبذلك اعطى تصريحاً بأن ترتدي النساء ما يحلو لهن على أن يكون محتشماً.
وتزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة لعام 2019 قررت السلطات إغلاق دور الرعاية، والتي تعد سجن للنساء توضع فيه الفتاة من قبل ولي الأمر، الذي يعتبر تصرفاتها غير مقبولة بعد صدور حكم بحقها باعتبارها "منحرفة أو قابلة للانحراف"، وتبقى فيه إلى أن تتزوج أو أن يقبل ولي الأمر وغالباً ما يكون الأب بعودتها إلى المنزل. 
لكن رغم كل تلك الإصلاحات تقول منظمة العفو الدولية أن هذه الإصلاحات الاجتماعية لا يمكن لها التستر على انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الوحشي لنشطاء حقوق الإنسان بحسب وصفها، كذلك قالت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الانفتاح "مزعوم" لكونه يترافق مع حملة قمع كبيرة وعلى ذلك أصدرت تقريراً في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بعنوان "الثمن الفادح للتغيير". 
بدأت تظهر صورة معاكسة لما كان موجود في المملكة فبعد أن كانت النساء اللواتي لا يرتدين العباءات مستهجنات في المجتمع بدأت تظهر حالات لنساء يتعرضن للتمييز لكونهن ما زلن يرتدين العباءات ويلتزمن بالنقاب في خضم التغيير وأصبحن "مرفوضات" ففي موسم الرياض للترفيه 2019 تم التعامل بعنصرية مع المنقبات وهو ما كشفته إحدى الشركات المساهمة في الموسم حيث قالت إن سبب انسحابها هو "العنصرية بمنع المنقبات من المشاركة" بعد أن طُلب من هذه الشركة عدم السماح لموظفيها من الفتيات بارتداء العباءات وقد وضعت عدة شروط للعمل في موسم الرياض وبينها سؤال عن كون الفتاة التي ستعمل منقبة أم ترتدي العباءة السوداء فقط. 
وكذلك لا بد من السؤال عن مدى جدية هذه الإصلاحات خاصة في مجال حقوق المرأة بينما لا تزال العديد من الناشطات في السجون يتعرضن لانتهاكات جسيمة بسبب مطالبهن السلمية والمحقة للنهوض بالمرأة السعودية. 
لكن لكي تصبح الدولة راعية حقيقية لحقوق المرأة عليها سن تشريعات تمنح جميع النساء وبدون استثناء المتعلمات وغير المتعلمات حقوق متساوية واحترام النساء المختلفات بغض النظر عن أصولهن وانتماءهن وملابسهن ويجب ألا يقتصر الإصلاح على تعيين عدة نساء في مناصب عُليا دون أن يكون لهن دور حقيقي في اتخاذ القرارات وتحسين المجتمع وتغيير وضع المرأة نحو الأفضل.
 
 
(سناء العلي)