من قارة إلى قارة... نضال المرأة قديماً وحديثاً (4)

كانت استراليا، والتي هي قارة بحد ذاتها تعيش حياة طبيعية قبل أن يتم اكتشافها من قبل المستكشفين الغربيين، ومع الاستعمار البريطاني لاستراليا تحولت إلى ميدان للاضطهاد الممنهج والاغتصاب والصهر القومي

وطن تحت حصار العنف الجنسي: استراليا

مركز الأخبار ـ . أقدم الرجال البيض بمساعدة الحكام المستعمرين على اغتصاب الآلاف من نساء السكان الأصليين (الأبورجين)، وأقدمت النساء البيض على فصل الآلاف من الأطفال الإناث من عوائلهم وجذورهم في سعي إلى تطبيق سياسة "التبييض". ولا تزال قضية التمييز والعنف الجنسي ضد النساء البيض والنساء المحليات من القضايا المهمة في هذا البلد، وتحتل استراليا المركز السادس على مستوى العالم في نسبة جرائم الاغتصاب. 
في دولة استراليا (القارة)، وبما أنها اكتشفت متأخراً ولكن لها تاريخ عريق في الحياة الطبيعية، فإن قضايا النساء والقضايا القومية مترابطة بشكل وثيق. حيث يتم تطبيق سياسات الصهر القومي بحق مختلف الشعوب باستخدام النساء البريطانيات اللواتي أصبحن جزء من سياسات التبييض. فحتى اليوم لا زال السكان الأصليين (الآبورجيين) والنساء المحليات يتعرضن للاغتصاب الممنهج من أجل صياغة "استراليا بيضاء الهوية" والنساء البيض اللواتي يتم استقدامهن إلى الجزيرة تتعرضن من جهة إلى السياسات الاستعمارية ومن جهة أخرى يتعرضن لممارسات واعتداءات النظام الاستعماري الذكوري بصفتهن نساء. تاريخ استراليا الذي يتألف من سياسات استعمارية عشوائية، ليست مثالاً جيداً بالنسبة للنساء الأصليات والنساء البيض.
 
الاغتصاب تحول إلى جزء من سياسة الإبادة
واجه سكان استراليا الأصليين خلال فترة الاستعمار سياسات إبادة. يعود تاريخ ظهور الإنسان في استراليا إلى حوالي 40 ألف عام على أقل تقدير، في البداية كان يعيش في استراليا السكان الأصليين والآبورجيين. عندما قدم الأوروبيين إلى قارة استراليا، كانت يوجد فيها ما يتراوح بين 350 و750 لغة تنتمي إلى 27 عائلة لغوية مختلفة، كما كان يعيش فيها مليون شخص من السكان الأصليين وسط تنوع ثقافي ثري جداً. ومع بدء الهجرة الغربية إلى استراليا والتي كانت معظمها من إنكلترا ابتداءً من القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، ومع فرض السياسات الاستعمارية والاحتلال ساء وتضرر نموذج الحياة الطبيعية في استراليا. ونالت النساء النصيب الأكبر من هذا الخراب والضرر. وتعرضت ما لا يقل عن 20 ألف من النساء الآبورجيين للقتل، كما تم إبادة السكان الأصليين في جزيرة تسمانيا بشكل كامل، كما قتل حوالي 10 آلاف شخص في مدينة كوينزلاند.
وتعرض السكان الأصليين للإبادة والتهميش وعزل الأطفال عن أسرهم، كما استخدم السكان الأصليين كفرائس صيد بغرض التسلية، كما أصبحت ممارسات مثل اختطاف واغتصاب النساء من الأمور الاعتيادية، كما استخدمت النساء الأسرى لتلبية الرغبات الجنسية للرجال البيض الذي قدموا إلى الجزيرة.
 
عزل الآلاف من الأطفال النساء عن أسرهم
في القرن التاسع عشر رحّلت بريطانيا، مدفوعة بعدة أسباب، الآلاف من السجناء المنفيين إلى استراليا بينهم نساء، وهن اللواتي تشكلن طبقة النساء البيض النبيلات. وكانت نسبة 75 بالمائة من السجناء المنفيين هم من الذكور، وكانت قضية الاغتصاب من القضايا الأساسية التي عانى منها السجناء المنفيون بشكل عام وبالنسبة لباقي فئات المجتمع الاسترالي. حتى الحرب العالمية الثانية كانت غالبية سكان البلاد من الذكور، وفي عام 1901 تحولت استراليا بشكل رسمي إلى نظام كومنولث بشكل مستقل عن الإمبراطورية البريطانية لتستقل بشكل كامل في عام 1931. وبسبب السياسات العنصرية تأخرت مرحلة التطور والتحول القومي في استراليا بالنسبة للنساء. وتحول شعار "استراليا البيضاء" إلى شعار قومي للدولة القومية، لتبدأ في تلك الفترة مرحلة سياسات "التبييض" التي فرضت على النساء وعلى الأسرة بشكل عام. وخلال تلك المرحلة وفي ظل سياسات "استراليا البيضاء" شجعت الدولة المهاجرين الأوربيين على انتهاج ممارسات الصهر القومي ضد المهاجرين القادمين من الصين وجزر الباسفيك والآبورجيين الأصليين، وبهدف تنفيذ هذه السياسات تحول الاغتصاب إلى ممارسات اعتيادية ممنهجة. وتم ترحيل مجموعات كبيرة من الفتيات البيض إلى استراليا عن طريق امرأة بريطانية متزوجة تدعى (مورتون). وفي عام 1869 بدأت سياسة الصهر الثقافي ضد الأسرة وضد السكان المحليين تحت قانون حماية السكان الأصليين الفكتوري.
وقد منح إقرار هذا القانون مستعمرة فكتوريا قوة واسعة على السكان الأصليين؛ فقاموا بالإبعاد القسري للأطفال، ولاسيما الفتيات المعرضات للخطر.
وطبقت قوانين وتشريعات مماثلة لهذا القانون في الولايات والأقاليم الأخرى بحلول عام 1950. ونتج عن هذا القانون إبعاد كامل للأطفال عن أبويهم، وممارسة وصاية شاملة على من هم بين 16و21 عاما من قبل حماة السكان الأصليين، ولقد أعطي رجال الشرطة، وموظفين آخرين في الدولة مثل ضباط حماية السكان الأصليين الصلاحيات لإبعاد الأطفال عن أمهاتهم وعائلاتهم ونقلهم إلى مؤسسات ومنظمات.
في الفترة بين أعوام 1960 و1970 ناضلت حركة الآبورجيين من أجل المساواة ومن أجل الدفاع عن أرضهم. وفي الإصلاحات التي أقرتها البلاد في عام 1960، اعترفت بشكل رسمي بحق المواطنية للآبورجيين وألغت التمييز من القوانين، إلا أن الإصلاحات لم تكن كافية للقضاء بشكل كامل على التمييز الاقتصادي والاجتماعي اليومي ضد الآبورجيين.
 
واحد من كل ثلاث فتيات تفقدن الحياة
من أهم الأهداف التي ناضلت من أجلها حركة الآبورجيين هي استعادة مناطقهم وبشكل خاص استعادة أماكنهم المقدسة. ومن المعروف أن سكان استراليا الأصليين كانوا يتبّعون قبل المدّ الاستيطاني الأوروبي قوانين عرفية وقواعد تقليدية خاصة بهم، وهي وإن لم تكن مكتوبة إلا أنها برزت في شكل تقاليد شفوية وطقوس احتفالية وصور ونقوش على الشجر وترانيم أغاني. وكان غائباً عنهم وضع علامات على الحدود بين أراضيهم، لكن ذلك تجسد في الطقوس والرموز الثقافية مما يشكل قانونا عرفيا عن الأراضي غير مكتوب.
بحسب القانون الدولي اعتبرت استراليا "أرض مباحة" والأرض المباحة مصطلح قانوني يعني أن الأرض المعنية لا مالك أو لا صاحب لها. واعتبر القانون إن استراليا كانت وعند قدوم الأوروبيين إليها قارة خالية من السكان ولذلك لم يتم الاعتراف بحقوق ملكية الأراضي المنبثقة عن الأعراف التقليدية بالنسبة للسكان الأصليين. وفي عام 1992 تم إلغاء قانون الأرض المباحة والاعتراف بشكل رسمي بحقوق السكان الأصليين في تملك الأراضي. مما سمح للآبورجيين باستعادة أراضيهم التي سلبت منهم على مدى قرون عبر مجازر الإبادة والعنف الممنهج. ومنذ عام 2011 تم تسجيل 16 بالمائة فقط من مساحة استراليا كأراضي عائدة للسكان المحليين في القيود والسجلات الرسمية. ولأن هذه الآلية لا زالت معمول بها، فإن قليل جداً من قضايا حق التملك ترى طريقها للنجاح ولا يستطيع السكان الأصليين إثبات ملكيتهم بسهولة والسكن في مناطقهم. يضاف إلى ذلك إن ظروف الحياة الصحية والمادية متدنية بالنسبة للسكان الأصليين مقارنة بالوافدين. حيث يتوفى نصف الذكور الآبورجيين وواحدة من كل ثلاث نساء قبل بلوغ سن 45 سنة، أي أن متوسط عمر السكان الأصلين يقل بعشر سنوات عن متوسط عمر السكان الوافدين.
 
العنف الجنسي قضية عاجلة
في يومنا الراهن يعتبر موضوع العنف الجنسي ضد النساء من القضايا العاجلة في استراليا، حيث تزداد نسبة الاعتداءات الجنسية في استراليا بنسبة الضعف مقارنة بباقي دول العالم. وبحسب الاستبيانات الأخيرة احتلت استراليا في عام 2010 الدرجة السادسة في عدد قضايا الاغتصاب على مستوى العالم. وبحسب أرقام مكتب الاستبيان الاسترالي فإن واحدة من خمس نساء استراليات تعرضت للعنف الجنسي خلال عام 2012. وخلال الفترة بين عامي 2008-2010 تعرضت امرأة واحدة للقتل اسبوعياً على يد زوجها أو أحد أقاربها. ومن القضايا الأخرى أيضاً هي قضية التمييز في أماكن العمل، ورغم أن نسبة النساء العاملات تزيد عن 50 بالمائة، إلا أن النساء تواجهن التمييز واللامساواة في الأجور، حيث بلغ فارق الأجور بين الذكور والإناث 24.7 بالمائة.
 
أيلين موريتون روبنسون... الدفاع عن البيض
تناضل النساء في استراليا من أجل هويتهن القومية من جهة، وهويتهن النسوية والجنسية من جهة أخرى. أيلين موريتون روبنسون أكاديمية من السكان الأصليين وناشطة نسوية معروفة، ناضلت على صعيدين. وهي ترى أن هناك صلة وترابط بين البنية "البيضاء" والعنف الجنسي.
هي امرأة من السكان الأصليين من قبيلة جوينبول، وهي جزء من أمة كوانداموكا في جزيرة سترادبروك في كوينزلاند. كانت أول شخص من السكان الأصليين يتم تعيينه في منصب محاضر رئيسي في دراسات المرأة في استراليا.
شغلت مناصب في دراسات المرأة في جامعة فلندرز ودراسات السكان الأصليين في جامعة جريفيث وجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا. وهي حالياً عميدة أبحاث ومشاركة السكان الأصليين في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا ومديرة الشبكة الوطنية لأبحاث ومعرفة السكان الأصليين (NIRAKN). أكملت شهادة الدكتوراه في جامعة غريفيث في عام 1999، في كتابها بعنوان "حديث مع المرأة البيضاء: نساء السكان الأصليين والحركة النسائية في استراليا" الذي صدر عام 2000، كيف تنصلت النسوية من سيادتها الأصلية، وتمثيل "البياض" توضح الطرق التي يتم بها تمثيل نساء الشعوب الأصلية من خلال منشورات وتعاليم المرأة الاسترالية البيضاء. وترى إيلين مورتون روبنسون إن هناك ترابط وصلة بين البنية "البيضاء" والعنف الجنسي.
 
"تمييز في كل مكان"
تقول إيلين مورتون روبنسون في حديث لإذاعة محلية عام 2007 إن مقولة "استراليا وطن أبيض" ترسخت بشكل كبير لدى الاستراليين بعد قضية "مابو". وتقول إيلين: يستخدم الأشخاص البيض في أستراليا خطاب التملك عند الحديث عن علاقتهم بالدولة. وتضيف "بأن المواطنة بحد ذاتها "تملكية" بطبيعتها". وبسبب هذا التاريخ والأعمال غير المكتملة فإن وجود السكان الأصليين يزعج السكان البيض ويهدد وجودهم. وتؤكد إيلين إن ما يتعرض له السكان الأصليين المحليين من تمييز، وعجزهم عن التعبير عن هويتهم مرتبط بشكل كبير بتوجه "الملكية" التي ينتهجها البيض وتقول في ذلك "نحن السكان الأصليين، نتعرض يومياً لمواقف وسياسات التملك من قبل السكان البيض".