مكاسب وإخفاقات المرأة في الشرق الأوسط خلال عام 2024 -1-
سلسة أحداث متسارعة ومتناقضة شهدتها ساحة الشرق الأوسط في ميادين الحياة والعمل وسط الصراعات والنزاعات التي شهدتها هذه الجغرافية هذا العام وبوتيرة متسارعة وحاسمة أكثر من أي عام مضى، وكان للمرأة نصيبها الأكبر من هذا التحدي.
مركزالأخبار ـ خلال عام 2024 شهدت كل من فلسطين ولبنان والسودان واليمن وسوريا أحداث متسارعة ومتشابها، فبينما كانت المرأة في هذه الدول تكافح وتتحدى الحروب والظروف القاسية من معاناة النزوح والجوع والحرمان من حق التعليم وانتهاكات حقوق المرأة والطفل ومناهضة كل اشكال العنف وانتهاكات المعاير الإنسانية وسط الصمت الدولي. وكانت تواجهها وجهاً لوجه والعبء الأكبر على كاهلها.
كانت نساء تونس ومصر وليبيا والمغرب تعملن على تصعيد العمل في مجال حقوق المرأة التي تعيش معوقات كبيرة بفعل العقلية الذكورية التي تطبق تلك القوانيين حسب مزاج السلطة الأبوية ومصالحها، وكان لمكافحة العنف ضد المرأة بشتى الوسائل وعلى كافة الميادين البصمة الأقوى للعام هذا.
ومن أبرز نشاطات النساء على مستوى الشرق الأوسط عقد المؤتمر الرابع عشر للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، تحت عنوان "نسويات مقاومات، نسويات متضامنات"، وسلط المؤتمر الضوء على وضع المرأة في تونس وإفريقيا والشرق الأوسط، وأكدت المجتمعات أن "الوضع مأساوي تتشارك فيه كل النساء ويتطلب التضامن"، كما تم التأكيد على أن الجمعية تعقد مؤتمرها في ظروف صعبة للغاية وطنياً وإقليمياً ودولياً وسط أزمة متعددة الأوجه، اقتصادية واجتماعية وسياسية وحرب إبادة في غزة وحصار على لبنان، وواقع صعب تكابده السودانيات اللواتي تنتحرن خوفاً من اغتصابهن وانتهاك حرمتهن الجسدية، علاوة على الوضع الصعب نتيجة شح المياه والتغيرات المناخية، وغيرها من الإشكاليات التي تواجهها النساء.
فلسطين -السودان واليمن... تحدي مشترك
كبقية مناطق الشرق الأوسط تعرضت فلسطين للعديد من الهجمات والسيطرة لكن قصتها تعقدت منذ أربعينيات القرن العشرين، وتعقدت معها قضية حقوق المرأة، ففلسطين أصبحت هي قضية العرب والمسلمين وليس للمرأة الفلسطينية مكان للكفاح إلا من أجل الأرض، فنسبة العنف الذي تتعرض له النساء في قطاع غزة تتزايد نتيجة لاستمرار الحرب منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، سواء كان عنفاً داخل الأسرة أو عنفاً من قبل القوات الإسرائيلية، ويتزايد الطلب على خدماتهن، في الوقت الذي تفتقر فيه الناجيات إلى القدرة على الوصول إلى العدالة بسبب انهيار النظام القانوني وسط الحرب المستمرة.
فالاعتداءات شبه اليومية التي تشنها القوات الإسرائيلية تؤدي إلى مقتل النساء والفتيات بمعدلات غير مسبوقة؛ حيث تشكل النساء والأطفال ما يقارب 70% من عدد الضحايا و75% من المصابين، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، في الوقت نفسه، أفادت جمعية وفاق لرعاية المرأة والطفل الشريك المحلي لمؤسسة آكشن إيد فلسطين بزيادة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل العنف المنزلي، نتيجة الضغوط التي تواجهها الأسر بسبب فقدان الوظائف أو المدخرات، أو نتيجة الإجهاد الناتج عن النزوح القسري المتكرر، كما تصاعدت حالات التحرش اللفظي والجنسي في الأماكن المكتظة وغير الآمنة التي نزحت إليها معظم النساء بعد تهجيرهن بسبب الحرب.
استراتيجيات الحركة النسائية الفلسطينية لمواجهة التحديات
بالرغم من هذه التحديات، تقوم الحركة النسائية الفلسطينية بمواصلة نضالها بإصرار وعزيمة حيث تمكنت الناشطات من تحقيق العديد من الإنجازات من خلال توظيف استراتيجيات متنوعة لتوعية المجتمع المحلي والدولي حول واقع المرأة الفلسطينية بإصدار العديد من البيانات التي تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيات ودورهن في النضال بهدف نشر الوعي حول القضايا التي تواجه المرأة الفلسطينية وإثارة الاهتمام المحلي والدولي بهذه القضايا، وإعداد نداءات لجمع التواقيع من أجل دعم قضاياهن.
هذه الحملات تسعى إلى جذب انتباه المجتمع الدولي وإظهار الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، مما يساهم في الضغط على صناع القرار للتحرك واتخاذ إجراءات ملموسة، وكذلك عقد العديد من المؤتمرات المحلية لتعزيز الوعي والدعوة للمشاركة في الأنشطة الإغاثية والمظاهرات المنظمة، بالإضافة إلى ذلك مشاركة الناشطات في مؤتمرات دولية وعربية لعرض الحقائق على أرض الواقع وتوضيح تأثير الاحتلال والحروب على النساء الفلسطينيات.
وعلى الرغم من الصعوبات، حققت الحركة النسائية الفلسطينية العديد من الإنجازات التي تعزز من مكانتها وقدرتها على التأثير، حتى وان كان الصمت العربي مؤثرا فانه لم يمنع النساء الفلسطينيات من تحقيق أهدافهن والإيمان بأن الحالة العربية مؤقتة وستعود إلى سابق عهدها من النشاط الجماهيري والدعم للقضية الفلسطينية.
كما أن المشاركة في المؤتمرات الدولية والاجتماعات الأممية للنساء ساعدت في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيات وجذب الاهتمام الدولي نحو قضيتهن، باعتبار أن هذا الدعم الدولي يمثل قوة إضافية للحركة النسائية في سعيها لتحقيق العدالة والمساواة.
ـ السودان... العنف الجنسي سلاح الحرب الذكورية
وكذلك لاتزال السودان تعاني ويلات النزاع الدائر منذ أكثر من عام، والذي أدى إلى نزوح الملايين من السكان من منازلهم ودمار واسع في البنية التحتية في البلاد، وتوقف المراكز الصحية والمشافي عن العمل وانتشار المجاعة، ونسبت مفوضية حقوق الإنسان 70% من حالات العنف الجنسي التي ارتكبها مقاتلون يرتدون زي قوات الدعم السريع، بينما وثق تقرير "هيومن رايتس ووتش" وقوع انتهاكات ممنهجة طالت عشرات النساء والفتيات، تتراوح أعمارهن ما بين 7 ـ 50 عاماً.
وبحسب منظمة المرأة في منطقة القرن الإفريقي "SIHA"، فأن أكثر من 90% من حالات الاغتصاب التي تعرضت لها النساء كانت من ضمن الاعتداءات الجماعية، حيث ارتكبت الجرائم أمام عائلات الضحايا، في منازلهم أو بعد اختطافهم واستعبادهم جنسياً.
وتنديداً بهذه الانتهاكات نظّمت شبكات المساواة النوعية النسوية بالسودان عدة اجتماعات تشاورية في الفترة من أيلول/سبتمبر وحتى تشرين الثاني/نوفمبر تحت شعار "لا يمكننا الانتظار"، والتي تهدف إلى تكوين تحالف شامل ومتنوع بأجندات مشتركة للنساء، لدعم مشاركتهن في عمليات السلام والأمن، وتعزيز أدوارهن كصانعات تغيير في مجتمعاتهن.
وعانت نساء السودان من التهميش المجتمعي وسلب حقوقهن وإقصائهن سياسياً ومجتمعياً من كل الحقوق، ويعتبر مؤتمر قضايا المرأة نقلة كبيرة في حياة النساء بشرق السودان وهو أول مؤتمر تداولي لنساء شرق السودان وناقش عدة قضايا تهم المرأة بشرق السودان، منها التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي، وكذلك المشاركة السياسية والذي جاء تحت شعار "المرأة نهضة وطن".
كما طالب ملتقى جامع للمرأة السودانية، بالمحافظة على وحدة وتعزيز سيادة القانون وتحقيق السلام الشامل، ونبذ العنف والنزاعات الداخلية، وإشراك النساء في قضايا الحرب والسلم وصنع القرار.
وعقدت أمانة الشؤون الاجتماعية السودانية، ملتقى جامع للمرأة، على مدى يومي الأول والثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في مدينة دنقلا بالولاية الشمالية في السودان، لمناقشة قضايا المرأة في السلم والحرب، تحت شعار "المرأة إسهام في لم الشمل وإعادة إعمار الحياة مرة ثانية"، وسط مشاركة واسعة من قبل النساء من مختلف الفئات.
كما أكدت المشاركات في المؤتمر الذي أقامته منظمة "رائدات فيد" على دور المرأة السودانية في بناء السلام والتعايش السلمي، مطالبات بضرورة إشراك النساء في قضايا الحرب والسلم وصنع القرار.
السودان وحالات الاغتصاب ملف شائك ويحتاج لمواقف صارمة
وإلى جانب ماسي ومعاناة الحرب التي فاقت أعبائها على السودانيين إلا أن ازدياد حالات الاغتصاب التي شهدتها السودانيات كانت محور الرأي العام خلال أحداث العام، لذا كانت هناك ردود أفعال ومطالب لمناهضة هذا الاجرام داخل السودان والمطالبة بالحد من استخدام أجساد النساء في الحروب والصراعات، حيث رصدت شبكة "صيحة" ٢٤٤ حالة لجرائم العنف الجنسي منذ اندلاع الحرب في السودان، وأشار تقريرها إلى أنه منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب ظهرت أنماط مختلفة لجرائم العنف الجنسي، معظمها ارتبطت بقوات الدعم السريع ومناطق سيطرتها.
وأكدت الشبكة أن "هناك وجود لعدد من الأنماط التي تتبعها قوات الدعم السريع في ارتكابها للجرائم، وكلها تعتمد على اختطاف النساء والفتيات وإخفائهن واغتصابهن، وفي بعض الأحيان تقوم بإعادتهنّ لأسرهنّ مقابل فدية مالية، أو تحتفظن بهنّ لاستخدامهنّ في أعمال مرتبطة بالسخرة الجنسية، والقيام بالأعمال المنزلية لأفرادها، واغتصاب الفتيات والنساء؛ بغرض الانتقام أو الإذلال، أو كوسيلة لفرض السلطة".
وبالمقابل قامت نساء السودان بتنظيم حملة ضد الجرائم التي ترتكب بحق النساء حيث دشنت حملة "معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي" بتاريخ 24 أيار/مايو عبر مؤتمر صحفي صك الالتزام بحظر العنف الجنسي والاغتصاب في السودان في ظل الحرب الدائرة، وعرف المؤتمر الصحفي صك الالتزام بأنه صك تعهد رسمي وطوعي للأطراف المختلفة ويهدف إلى خلق بيئة آمنة خالية من الاغتصاب والعنف الجنسي في سياق الحروب وحالات السلم، إضافة لحظر العنف الجنسي والعمل على خلق بيئة آمنة خالية من الاغتصاب والعنف الجنسي وتعزيز دور الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية في محاربة العنف الجنسي.
اليمن... فرض واقع الحرب والصراع المستمر
أما في اليمن فقد ازدادت القيود على حرية النساء والفتيات والتشديد عليهن في مناطق عديدة في اليمن، ففي شمال البلاد لا تستطيع المرأة أن تعمل باستقلالية بسبب "نظام المحرم الذي يجبر المرأة أن يرافقها رجل في السفر"، وهو ما قيد دور العاملات في مجال المساعدة الإنسانية من أجل توفير الخدمات والدعم الحيويين، فقرابة 7 مليون امرأة في اليمن تحتاج للوصول بشكل ضروري إلى الخدمات التي تمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له، ولكن للأسف تلك الخدمات محدودة للغاية ومنعدمة تماماً في بعض المناطق.
وألقى الصراع المستمر منذ عشر سنوات بأعبائه على النساء والأطفال، الذين بات عليهم توفير الغذاء والماء والحماية في ظل تخلي بعض الرجال عن مهامهم.
وحول ما تتعرض له النساء في اليمن من عنف شهدت حقوق المرأة في السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً، فكانت هناك زيادة ملحوظة في حالات العنف ضد المرأة في اليمن، بما في ذلك القتل على يد الزوج أو أحد الأقارب، فضلاً عن حوادث التحرش والاغتصاب في ظل ضعف النظام القضائي وغياب العدالة، فهناك ضرورة لتطبيق مراجعة القوانين الخاصة بحقوق المرأة وحمايتها من العنف الأسري والجنسي وفرض عقوبات مشددة على الجناة وتعديل القوانين التي تقيد حريتها في الزواج والطلاق والميراث وإقرار قوانين فعالة لحمايتها من كافة أشكال العنف وإطلاق حملات توعية موجهه للمجتمع حول خطورة العنف القائم ضد النساء وينبغي أن تتكامل هذه الجهود بين الحكومة والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لخلق بيئة آمنة للنساء والفتيات والأطفال.
سوريا بين الازمة وبوادر الحل تحت مظلة نسوية
بالنسبة لسوريا وعلى مر السنوات الماضية كان لنساء سوريا مواقف معبرة عن رفض العنف أو انتهاكات مفروضة سياسياً واجتماعياً، فمهما كانت سوريا ساحة حرب وصراع فهي ساحة ترسيخ النساء لتنظيم أنفسهن وهناك أمثلة وتجارب شاهدناها على أرض الواقع بدءاً من تعالي أصوات نساء السويداء بفعاليات عدة منها الاحتجاجات والاعتصامات في ساحة الكرامة مطالبات بحقوق وواقع يليق بهن وفي كانون الأول/ديسمبر تم ترشيح منصب المحافظ لامرأة تتويجاً لنضال النساء على مدار عام ونصف من الاحتجاجات.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم ترشيح امرأة لهذا المنصب في سوريا وهي سابقة تتفرد فيها مدينة السويداء لضمان المساواة في المسؤوليات والواجبات واحتراماً للتعددية وإظهار الوجه الحضاري للبلاد، ولا يمكن تجاهل نجاح النموذج المؤسساتي والسياسي الذي أنشأته وطبقته نساء إقليم شمال وشرق سوريا الذي عمل على تغييرات هامة في المجتمع عامة والنساء خاصةً.
ووفق هيكلية مجلس تجمع نساء زنوبيا يتألف التجمع من عدة لجان كل لجنة تختص بعمل ما والذي يشرف عليه مجالس التجمع في المقاطعات الأربعة، كلجنة الصلح والتدريب والإعلام ولجنة الثقافة والفن ولجنة الصحة، ولجنة المالية، ولجنة العلاقات الدبلوماسية التي يتم العمل من خلالها على توسيع العلاقات الدبلوماسية مع الداخل السوري وعلى صعيد الشرق الأوسط والعالم للوصول من خلاها إلى كافة النساء.
وللمرأة نضال دؤوب في تجمع نساء زنوبيا وكان لاسم هذا التجمع صدى كبير في إقليم شمال وشرق سوريا وبات معروفاً على أنه معني بشأن المرأة ويهتم بقضاياها، ورغم التحديات التي واجهوها إلا أنهم حققوا إنجازات كبيرة ولا تزال مستمرة في تحقيق المزيد من الأهداف والمبادئ التي يعمل عليها تجمع نساء زنوبيا، ليصلوا بذلك إلى كافة النساء.
فيما يعد مجلس المرأة السورية مظلة سياسية عملت على جمع وتنظيم النساء ونشر الوعي السياسي والفكري الذي لا زالت تحتاجه المرأة أكثر من أي وقت مضى، وقد عقد المجلس المؤتمر الثاني خلال هذا العام بمدينة حلب بحضور 250 مندوبة من داخل سوريا وخارجها.
النساء الضحية الأكبر في الحرب السورية
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن النساء كن الضحية الأبرز في الحرب الدائرة في عموم سوريا، وأنه خلال العام 2024 قتلت 227 امرأة، 92 منهن بجريمة قتل و27 قتلن بمخلفات الحرب، و14 قتلن بقصف الاحتلال التركي، 9منهن بظروف مجهولة و3 على يد داعش.
وسط مخاوف ومخاطر تهدد حياة النساء والأطفال مصير مجهول يلوح بالأفق
مخاطر عودة الحكم المتطرف والجهادي على المجتمعات الشرق الأوسطية عامة والنساء خاصة قي سوريا ولبنان والعراق تحديداً وهي أبرز القضايا الفتاكة التي ستعمق من أزمة اجتماعية في حال امتد هذا النمط من الأفكار، كون الطائفية والذكورية هي الطابع الأساسي لوجه تلك التنظيمات الإرهابية والمتطرفة كداعش وهيئة تحرير الشام وطالبان حيث يتطلب من النساء والعاملات في المنظمات النسائية محاربة هذه التنظيمات بفكر ووعي نير يستند على السياسة الديمقراطية أي تلك السياسة التي تحارب التفرقة والمعادة والكراهية والتي تمتلك المرأة في طبيعتها تلك القدرة والصفات القادرة على ترسيخ منظور العدالة الحقيقي، فملفات حاسمة على أجندة العام المقبل 2025 وسيكون لنضال المرأة مؤشر بارز في تحديد ملامح قضاياها العالقة.