إيران... شاهدة تروي أحداث الانتفاضة الطلابية عام 1999

تعتبر الانتفاضة الطلابية عام 1999، الأبرز في تاريخ الحركة الطلابية في إيران، التي قتل خلالها الآلاف، وجرح آخرون وفقد أثر العشرات.

سارة محمدي 

مركز الأخبار ـ بعد الكشف عن دور وزارة المخابرات في اغتيال وقتل مثقفين وشخصيات سياسية في السبعينيات، والمصادرة الجماعية للمطبوعات والصحف التي كشفت عن تلك الجرائم، تم إغلاق صحيفة "سلام" الإصلاحية في الثامن من تموز/يوليو عام 1999، بعد نشرها رسالة سعيد إمامي وهو مسؤول رفيع المستوى بوزارة الإعلام الإيرانية.

في تلك الرسالة أوصى سعيد إمامي المعروف باسم "سعيد إسلامي" وهو أحد المضلعين الرئيسيين بارتكاب سلسلة جرائم القتل، الذي تم التضحية به باعتباره ورقة خاسرة، ببعض أحكام قانون الصحافة الجديد إلى وزير الإعلام السابق قربان علي داري نجف آبادي، وعبر عن قلقه بشأن الوضع في البلاد وطالب بفرض قيود على الكتاب والصحفيين، وقد ذكر أسماء العديد من الكتاب من بينهم محمد مختاري الذي قُتل في سلسلة جرائم بعد أشهر قليلة من تاريخ هذه الرسالة، حيث اتهموا بخلق مشاكل أمنية.

وفي مساء يوم الجمعة 9 تموز/يوليو عام 1999 بدأ الطلاب المقيمون في سكن كوي بجامعة طهران، بمظاهرات سلمية في طهران احتجاجاً على إغلاق صحيفة سلام الإصلاحية وفرض قانون جديد يعزز الرقابة على الصحافة، لكن بعد ساعات قليلة داهمت قوات الأمن التابعة للحرس الثوري والمخابرات وشرطة مكافحة الشغب حرم الجامعة بوحشية.

ورغم أن الحكومة الإيرانية لم تعلن رسمياً عن عدد القتلى والجرحى، إلا أنه ووفق نشطاء لحقوق الإنسان، فقد خلال تلك المداهمة حوالي 9 أشخاص، كما قتل طالب يُدعى "محمد جواد فرهنجي".

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فالمداهمات أشعلت المظاهرات وأعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد على مدى ستة أيام قُتل خلالها ما لا يقل عن 9 أشخاص آخرين وجرح أكثر من 200 شخص، ووفقاً للتقارير التي وردت فقد تعرض الكثيرين لكسور في الرأس والذراعين والساقين نتيجة الضرب بالهراوات ورميهم من علو شاهق، والإصابة برصاصات، العديد من المصادر أفادت باعتقال مئات الطلاب، كما فقد أكثر من سبعين طالباً.

الصور والروايات التي خلفتها تلك الأيام إلى جانب غضب وإحباط الطلاب الذين كانوا يأملون أن تفتح الإصلاحات أبواب الحرية، كشفت عن مدى القمع الذي مورس بحق الطلبة، الأبواب والنوافذ المكسورة، آثار الدماء على الأرض والجدران، الكتب والدفاتر الممزقة، القبضة المشدودة والقمصان المليئة ببقع الدم التي أصبحت علم الحرية في تلك الأيام، ليست سوى جزء مما شوهد عليه وسمع عنه.

تقول "فريدة. و" وهي إحدى الشاهدات على ما حدث في جامعة طهران آنذاك التي وصفتها بالحادثة المريرة، أنها أصعب اللحظات التي مرت بها "عندما اندلعت الانتفاضة الطلابية كنت في الفصل الدراسي الثاني في قسم المحاسبة بجامعة طهران، في ليلة الثامن من تموز عام 1999، انتشرت أنباء في الجامعة بأن الطلاب يخططون للاعتصام احتجاجاً على جرائم القتل المتسلسلة، وكذلك إغلاق صحيفة سلام التي فضحت مرتكبي تلك الجرائم".

وأضافت "لقد تجمع الطلاب في السكن وبعد حوالي ساعة تحركوا باتجاه شارع العمال الشمالية، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى هاجمت قوات مكافحة الشغب الطلاب ليعودا إلى مهاجعهم"، لافتةً إلى أنه في اليوم التالي عندما أغلقت أبواب الجامعة في حوالي الساعة العاشرة مساءً بدأ الطلاب والطالبات في الاحتجاج ودخلوا إلى السكن، ورددوا شعارات تندد بجرائم القتل المتسلسلة وممارسات السلطة لإسكات المنتقدين والمثقفين "لقد رأيت بأم عيني كيف قتل العلامة محمد ربيعي أحد مثقفي كرماشان، كما كان أحد أقربائنا من بين القتلى في الاحتجاجات"، مشيرةً إلى أنه "قتل 13 شاباً في مدينة جوانرود على أيدي قوات الأمن والحرس الثوري، خلال احتجاجهم على اغتيال العلامة محمد ربيعي، لقد أدركت حقيقة ما يحصل".

وأوضحت أنه "في حوالي الساعة الرابعة صباحاً عندما عدت إلى السكن الجامعي رأيت كيف هاجم قوات حرس مكافحة الشغب والحرس الثوري الطلاب المحتشدين ومهاجع الطلاب والطالبات، لقد كسروا جميع الأبواب ومتعلقات الطلبة"، مشيرةً إلى أنها وبعض الفتيات كنّ تنظرن بدهشة إلى ما تفعله قوات الأمن وكيف يضربون الفتيات اللواتي شاركن في الاحتجاج بالهراوات "لم يكن بإمكاننا فعل شيء سوى الصراخ، بدى وكأنهم لا يتحلون بالإنسانية إطلاقاً، بالرغم من أنني شاهدت العديد من الأفلام لأسرى الحرب الإيرانيين الذين تعرضوا للضرب والتعذيب والجوع من قبل القوات العراقية، لكن أياً منهم لم يُقارن بالصورة التي أتذكرها من تلك الليلة الفظيعة".

وتابعت "لقد شتمتهم بلغتي الأم الكردية بدافع الضرورة، ولكن فجأة رد أحد عناصر مكافحة الشغب باللغة الكردية قائلاً أسكتي أيتها الفتاة أو سأرميك من النافذة، وبالرغم من أنني كنت أرتجف من الخوف إلا أنني التفت إلى الوراء وبصقت في وجهه وقلت (عار عليكم أيها الكرد، الكرد لا يقتلون أحداً بهذه الطريقة)، وعلى إثر ذلك ضرب رأسي في الحائط. وبعد يومين تم نقلي إلى المشفى ومنذ ذلك الحين أعاني من صداع نصفي مع غثيان شديد. وعندما يبدأ الصداع يجب أن أذهب إلى المشفى لإعطائي حقنة".

وأشارت إلى أنه بعد يومين من بقائها في المشفى وقضائها إجازة لعدة أيام، عادت إلى السكن الجامعي لترى كيف أن أرضية السكن والجدران ملطخة بالدماء وممتلكات الطلاب مكسورة "قال أصدقائي من الطلبة إنهم أشعلوا النيران في السكن الجامعي الخاص بالطلبة الشباب وأحرقوا جميع ممتلكاتهم، وأن عدد كبير من الطلبة بقوا بدون مأوى لأن معظم الطلاب لم يكونوا يملكون مكاناً يلجؤون إليه، فهم من مدن مختلفة".

 

انتهاء احتجاجات الجامعة بالرشاشات والأسلحة الثقيلة

تقول "فريدة. و" أنه بالرغم من مضي سنوات طويلة على أحداث الجامعة إلا أنها لن تنسى ما حدث فهي قد حفرت في ذاكرتها "العنف والقمع الذي مورس من قبل الجيش وقوات الأمن ضد المحتجين أمام أعيننا لم نرى له مثيل في أي مكان آخر، لا يمكنني أن أنسى ذلك. قام ضباط الأمن والجيش بالرشاشات والأسلحة الثقيلة بإغلاق جميع الشوارع المحيطة بالجامعة وخلق جو من الرعب لدى الطلاب. في الرابع عشر من تموز، لم أستطع مشاركة الطلبة بإيقاد الشموع على أرواح من قتلوا بسبب حالتي الصحية".

وأشارت إلى أنه "عندما غادر الطلاب السكن الجامعي لم يكن من الممكن سماع سوى أصوات الطلقات النارية، قُتل وجُرح العديد من الطلاب، واعتقل آخرون، كانت هذه نهاية احتجاجات طلبة الجامعة، وفي اليوم التالي عدت إلى المنزل"، لافتةً إلى أنه "مع افتتاح الجامعة مرة أخرى في الأول من أيلول عام 1999، عدت إلى الجامعة، ولكن قد اعتقل عدد كبير من طلاب وطالبات الجامعات وبعضهم لا يزالون في السجن. لقد مر وقت طويل منذ تلك الحادثة ولا أتذكر بشكل جيد أسماء الذين تم القبض عليهم وقتلوا، لقد فقد العديد من الطلبة حياتهم حيث تم إلقاء معظمهم من الطوابق العليا للجامعة".