العنف ليس كدمات على أجساد النساء ووجوههن... ما لا تعرفونه عن العنف
استساغت العديد من المجتمعات الموروثات التي ترفع من قدر الرجال، وتمارس الانتهاكات بشكل يومي ضد النساء تحت مسميات مختلفة، وتشكلت منظومة من العنف يصعب اختراقها، تستهدف أي مطلب تحرري، وتستخدم العديد من أساليب العنف ضد المرأة.
سناء العلي
مركز الأخبار ـ كدمات على الجسد، محضر شرطة، واتفاق بعدم الإيذاء، هذه اجراءات روتينية لكن ماذا عن اللواتي يتحملن سماع كلمات تؤذي مشاعرهن وتحط من قدرهن وتجعل منهن أشخاص عديمي الثقة بأنفسهم، ماذا عن اللواتي يتنمر المجتمع على ملابسهن وأشكالهن كم من دمعة ذرفن في صمت الليل؟
قليلات هن اللواتي وصلن لوعي بحقيقة العنف الممارس ضدهن بأشكاله المختلفة نفسية واقتصادية وقانونية لكن ما يتم الحديث عنه بشكل أساسي هو العنف الجسدي الذي يترك آثاراً يراها الناظر دون تمحيص فيما يحيط ضحيتها، هذه الضحية التي تعرضت لجميع أشكال العنف قبل أن يصبح لكمة على عينها أو كسر في يدها أو حتى ينهي حياتها.
العنف النفسي يتم تجاهله
تصر المجتمعات الأبوية على أن كل ما يحدث في المنزل هو مسألة خاصة لا يجوز البوح بها، والأسوأ أن النساء الأقل تعليماً وثقافةً تعتقدن أن إهانات الرجل أحد حقوقه، حتى أن غير المقتنعات بذلك تتعرضن لضغط مجتمعي حتى ترضخن، وهذه الممارسات جزء من العنف النفسي الذي تتعرض له النساء ولا يتم التطرق إليه.
هذه الأزمة في تعريف العنف النفسي لم تطل النساء أو مجتمعات محددة، فحتى عام 1996 لم يكن هناك اجماع علمي حول التعريف الأدق للعنف النفسي، وتم تقديم تعريفات مختلفة منها أن "الإساءة الانفعالية تعتبر أي نوع من أنواع الإساءات ذات الصبغة العاطفية وليست الجسدية، فمن الممكن أن تشمل كل شيء بدءاً من الإساءة اللفظية والنقد المستمر وصولاً إلى الأساليب الماكرة مثل الترهيب والتلاعب ورفض الابتهاج، ويشمل السلوك المسيء ثلاثة أنماط عامة الاعتداء والحرمان والتحقير"، وفي تعريف آخر اعتبر الإهمال "شكل آخر من أشكال الحرمان، ويتضمن رفض الاستماع، ورفض التواصل، والتجاهل العاطفي كنوع من العقاب".
وينتشر هذا الشكل من العنف في العلاقات الأسرية وأي علاقة تربط الرجل بالمرأة عموماً، حتى في العمل والدراسة ووسائل التواصل الاجتماعي، ويطال مظهر المرأة الخارجي بشكل عام وكأنها عورة يجب ألا تظهر للعلن.
لكن يواجه الباحثون في هذا المجال ووكالتنا أيضاً صعوبة في الحصول على نسب أو احصائيات، ليس لكونه غير منتشر بل لأن الوعي المجتمعي لم يدرك بعد أنه عنف يستوجب تسليط الضوء عليه، كذلك لا تولي القوانين الوطنية أي اهتمام بالعنف النفسي.
"العنف الرقمي" عندما تستخدم التكنلوجيا ضدهن
ويعد العنف الرقمي أحد أشكال العنف المنتشرة بشكل رهيب إذ يبلغ معدل انتشاره عالمياً 85 بالمئة، من أجمالي عدد المستخدمات لمواقع التواصل الاجتماعي، ويمارس ضد جميع النساء حتى الشخصيات العامة، فهو منصة يستطيع من خلالها أي شخص فرض رأيه، ويتفنن الرجال في إهانة المرأة، والتحرش بها والتدخل بخصوصياتها والتحريض عليها.
مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) اهتم بهذا الشكل من العنف ونشر دراسة في العام 2020 حول انتشاره في تونس جاء فيها أن "51 بالمئة من المستجوبات تعرضن لعنف لفظي على فيسبوك، و24 بالمئة تعرضن للتحرش الجنسي، و19 بالمئة تعرضن لمضايقات معنوية"، هذه الدراسة قديمة نوعاً ما وتشمل عدداً محدداً من النساء أي أنها لا تعطي حقيقة العنف الرقمي الذي تتعرض له التونسيات.
ووفق المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية فإن مؤشرات انتشار ظاهرة العنف الرقمي ضد المرأة عربياً بينت أن 49 بالمئة من مستخدمات الإنترنت يشعرن بعدم الأمان بسبب التحرش، و16 بالمئة منهن أبلغن عن تعرضهن للعنف الرقمي، و60 بالمئة منهن تعرضن له خلال جائحة كورونا، و58 من نساء مصر تعرضن للتحرش الإلكتروني، وجاء في الدراسة أن العراقيات كن الأكثر تعرضاً للعنف الرقمي بنسبة 70.4 بالمئة، وتليهن اليمنيات بنسبة 62.3 بالمئة، وتليهن الأردنيات بنسبة 60.4.
في العام 2018 أطلقت شركة Rimmel London حملة عالمية بعنوان "أنا لن ألغى"، كشفت من خلالها نحو 55 مليون امرأة عن الإساءات التي تطالهن على مواقع التواصل الاجتماعي "التنمر الإلكتروني"، وشارك المشاهير فيها، كما أنها شملت 11 ألف امرأة، قالت واحدة من بين 4 نساء أنها تعرضت للتنمر الإلكتروني، وأن 115 مليون صورة يتم حذفها كل عام لهذا السبب، و33 بالمئة من البريطانيات قُلن أنهن تعرضن للتنمر بسبب مظهرهن الخارجي، وهو ما أثر على 51 بالمئة منهن بحيث امتنعن عن التنويع في ملابسهن ومظهرهن جراء الإساءة، كما قالت 65 بالمئة من النساء أنهن فقدن ثقتهن بأنفسهن.
لا يمكن الفصل بين العنف النفسي والرقمي والتنمر فجميعها ترتبط مع بعضها البعض، خاصةً الرقمي والتنمر، فالتنمر هو المصطلح الذي عرفه العالم في السنوات الأخيرة ويمكن تشبيهه إلى حد ما بالسخرية من شخص لكنه يتطور ليصل إلى الإيذاء الجسدي وحتى القتل، والممارسات المسيئة تمس النساء أكثر من غيرهن فالمجتمعات وعلى اختلاف نظرتها للمرأة ترى منها كائناً أضعف من الرجل لذلك تتجرأ على ممارسة العنف ضده.
العنف الرأسمالي... عندما يفخر العبد بعبوديته
الشركات الكبرى لمستحضرات التجميل والموضة ضمن النظام الرأسمالي استغلت جسد المرأة لمضاعفة أرباحها، بوضع مقاييس للجمال وأي مخالفة لها يعني أن المرأة قبيحة، مما يصنف كعنف لكنه متستر بغطاء نية طيبة تسعى إلى رفع ثقة النساء بأنفسهن.
والمجتمعات الشرقية هي مستهلكة بطبيعة الحال تتأثر بكل ما يروج له النظام الرأسمالي، لذلك تقع نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى في البلدان الآسيوية ضحية هذه الآفة، والتي يمكن تسميتها بالمؤامرة على كينونة المرأة، حتى تصبح النساء جميعهن نسخة عن بعضهن، ذات الطول والوزن وشكل الشفاه ومقاس الصدر ولون الشعر والبشرة.
وفي المجتمع الأبوي يتم التحكم فيما ترتديه النساء بشكل مختلف فأجساد النساء تعتبر عورة، ولا يمكن لهن إظهار أي جزء منها، وتتم السخرية من مظهرهن.
أضف إلى ذلك العنف النفسي الذي تتعرض له اللواتي لا تستطعن مجاراة الموضة التي تتغير كل شهر، أو أنهن بحسب المفاهيم التي وضعتها الرأسمالية لا يمتلكن مقومات الجمال، لذلك يتم الترويج لعمليات التجميل التي أصبحت عبئاً وخطراً على العديدات، يمكن القول إنها عبودية لكن بشكل جديد عبودية لا تقول للعبد أنت عبد بل يكون العبد راضياً بعبوديته ويشعر بالفخر بها.
ولذلك تنتشر عمليات التجميل التي تعتبر آفة العصر فخلال العام 2021 شهد العالم 30 مليون عملية تجميل، وبذلك يكون الرقم ارتفع خلال عامين إلى الضعف تقريباً فالعام 2019 سجل 11.36 عملية تجميل.
العنف الاقتصادي... سلب جهد المرأة
الرجل في المجتمعات الأبوية يعتبر أن ليس للمرأة الحق في التملك والعمل أو اتخاذ القرارات فيما يخص اقتصاد المنزل أو حرية التصرف بممتلكاتها، والهدف من ذلك ضمان السيطرة الاقتصادية وتبعية المرأة، ويساوم المرأة على عملها ويهددها بحرمانها منه إذا رفضت منحه كامل الأجر أو جزء منه، كما يهدد بعض الأزواج بالطلاق في حال لم تعطه حصتها من الميراث أو غيره من ممتلكاتها، وفي حالات أخرى يأخذ الرجل ممتلكاتها بالحيلة ويبيعها.
الريفيات يتعرضن لعنف مضاعف فهن مجبرات على العمل في المنزل وفي الأراضي العائدة ملكيتها للعائلة، دون أجر أو تعويض، حتى أن الفتيات تحرمن من التعليم لتقمن بهذه المهمة، وفي النهاية تخسرن حقهن بالميراث نتيجة الموروثات المجتمعية.
ويتمثل العنف الاقتصادي أيضاً بابتزاز المرأة جنسياً لإعطائها فرصة الحصول على عمل، والتمييز ضدها بالأجر، والانتقائية في الترقية بالسلم الوظيفي لصالح الرجل. وتعد البطالة بين النساء أحد أشكال هذا العنف فالأردن يسجل أعلى نسبة بطالة حيث أظهرت أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أن نسبة البطالة بين النساء للربع الأول من عام 2023 بلغت 30.7 بالمئة وارتفعت في الربع الثاني لتصل لـ 31.7 بالمئة، كذلك أدى انتهاك حقوق العاملات لانسحابهن من العمل، وأتت السعودية في المرتبة الثانية من حيث بطالة النساء فسجلت نسبة 20.5 بالمئة، أما تونس سجلت 20.1، ومصر 19.3 بالمئة، والمغرب 18.8، والبحرين 10.2 بالمئة.
ورغم أن نسبة مشاركة النساء في النظم الزراعية والغذائية متساوية مع الرجال تقريباً إلا أنهن تعانين من ظروف عمل أسوأ وهذا ما أكدت عليه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة عبر تقرير حديث ومهم.
وجاء في التقرير الذي صدر خلال الربع الأول من عام 2023 بعنوان "وضع المرأة في النظم الزراعية والغذائية"، أن عمل النساء غير منتظم وتتعرضن لتمييز في الأجور، ويتوجب عليها العمل مع تكنولوجيا مصممة خصيصاً للرجال، وفي حال أي انكماش اقتصادي، تفقد المرأة عملها، ويتمتع الرجال بملكية الأراضي الزراعية أو بحقوق حيازتها الآمنة بقدر أكبر منهن.
العنف السياسي... سلب القرار
تقول العديد من الدراسات أن مسألة التنوع بين الجنسين في القيادة يتماشى مع زيادة الرعاية الاجتماعية والحد من العنف والإقصاء وانخفاض مستويات الفساد، لكن عمل النساء في السياسة يتم تشويهه بشكل ممنهج والاستخفاف به، وتمارس على العاملات في هذا المجال ضغوط مجتمعية لتبتعدن عنه.
في بلدان الشرق الأوسط ما يزال هناك رفض واسع لعمل النساء في السياسة، وتمارس ضدهن أشكال مختلفة من العنف وباستخدام مختلف الوسائل، ففي لبنان عام 2022، أعدّت مؤسّسة مهارات ومدنيات، تقرير يوثق تجارب النساء في السياسة، وكشفت نتائجه أن 80 بالمئة من المشاركات تعرضن لعنف سياسي، لكن أبلغ عن 39 بالمئة فقط من حالات العنف بسبب غياب آلية للشكوى، ولا يمكن للنساء الترشح فتمويل الحملات الانتخابية أصبح حجر عثرة أمامهن، وفي الانتخابات البلدية ينص القانون على ترشح شخص واحد من العائلة فقط وبذلك يتم تسهيل الانتخابات على الرجال وتصعيب ذلك على النساء.
أما في تونس فالترشح حق الجميع لكن لا يتم دعم المرشحات وتواجهن تحديات كبيرة تتمثل في تفضيل الاحزاب لمرشحين ذكور، وكذلك صعوبة تمويل حملاتهن الانتخابية، كما أن العنف السياسي وصل لحد الضرب وتوجيه الفاظ نابية ضد السياسيات، ومثال على ذلك ما حدث مع عبير موسي عندما كانت عضو في البرلمان، ففي حزيران/يونيو 2021 تعرضت للضرب مرتين في قاعة الجلسات العامة، الأولى من قبل النائب الصحبي سمارة، ولم تمر ساعات إلا وقام النائب سيف الدين مخلوف بضربها، وتسجن اليوم لأنها تعارض سياسة الرئيس التونسي.
وفي العراق تم تشويه سمعة مرشحات برلمانيات في العام 2018 مما أدى إلى انسحاب انتظار أحمد جاسم، وواجهت أخريات إساءات على صفحات الإنترنت، حتى أن الأمم المتحدة نددت بالعنف الممارس ضدهن وقالت إنهن تعرضن لأعمال مبتذلة طالت حتى الملصقات التي تحمل صورهن.
أما سجينات الرأي في البلدان العربية والشرق أوسطية فحدث ولا حرج وليس هناك أي احصائيات فهذا الملف يحيطه الغموض.
في تركيا يتم اتهام أي شخص ينتقد الحكومة بالإرهاب حتى أن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إن "الحكومة تسيء استخدام الاتهامات من أجل أغراض سياسية، فالكثير من السجناء يُحتَجزون لفترات طويلة قيد المحاكمات، أو يُسجنون دون سند أو أدلة على ارتكابهم جرائم عنف". ومن الوجوه المعروفة التي تعرضت لعنف سياسي ليلى كوفن التي جردت من عضويتها في البرلمان عام 2020، واعتقلت أكثر من مرة لأنها عبرت عن رأيها في سياسة البلاد، وانتقدت الهجوم على مدينة عفرين بشمال وشرق سوريا.
إضافةً لرئيسة بلدية ديار بكر لغولتان كيشاناك، التي ألقي القبض عليها عام 2016، وحكم عليها بالسجن 14 عاماً. كما أن عمليات الاستهداف والقتل والاغتيال طالت الناشطات الكرديات أمثال ساكينة جانسيز وفيدان دوغان وليلى شايملز في العاصمة الفرنسية باريس عام 2013.
وفي إيران أقصيت النساء من العملية السياسية والمناصب الهامة، واللواتي انتقدن الحكومة نفين أو سجن، فوزيرة التربية والتعليم السابقة فرخ رو بارسا نفيت بعد كتابتها لمقال حول المساواة الجنسية في التعليم، ليس كذلك فقط بل إن محكمة الثورة الإيرانية وجهت لها تهمة "الإفساد في الأرض" وحكم عليها بالإعدام رمياً بالرصاص.
وفي شمال وشرق سوريا يتم استهداف السياسيات والقياديات من قبل الاحتلال التركي، فخلال الهجوم على رأس العين/سري كانيه عام 2019 اغتيلت الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، كذلك اغتيلت ثلاث قياديات في وحدات حماية المرأة كنَّ حاضرات ملتقى ثورة المرأة الذي نظم في مدينة قامشلو عام 2022، من بينهن القيادية في وحدات مكافحة الإرهاب جيان تولهلدان، كما اغتيلت الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو يسرى درويش.
وفي السودان ارتبطت بنية العنف بمفاهيم الأنثروبولوجيا السياسية كالقرابة والمنطقة، فالعنف مثل ظاهرة في تاريخ البلاد وانقلابات السلطة، واستخدمه نظام عمر حسن البشير وحتى نظام جعفر النميري الذي سبقه، وذلك جراء تحالف النظامين مع المنظومة الدينية، وتحت عنوان تطبيق القانون عنف المعارضون للنظام رجالاً ونساءً.
العنف القانوني... التمييز الفاضح
أبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية للقضاء على العنف ضد المرأة أبرزها اتفاقية سيداو التي صيغت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووقعت عليها معظم الدول لكنها تعزف عن تطبيقها على أرض الواقع وتستمر بالتحفظ على مواد مهمة أبرزها منح الجنسية، وكذلك صدر الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، واتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي من قبل الاتحاد الأوروبي.
يضاف إلى ذلك القوانين الوطنية "الشكلية"، والتي لا تغني ولا تسمن، بل إن معظم التشريعات عنف بحد ذاتها تحرم المرأة منح جنسيتها، أو الاحتفاظ بأطفالها، أو العمل، فالنظام الطائفي في لبنان يميز بين النساء والرجال وبين النساء أنفسهن على أساس انتمائهن الديني والطائفي.
تحرم نساء الأردن من منح جنسيهن لأبنائهن، وتحرمن كذلك من حق الإقامة إذا تزوجن غير أردني، ويطبق العذر المخفف على مرتكب جريمة "الشرف"، أما المغتصب يفلت من العقاب إذا تزوج من الضحية، وتتعرض النساء لعنف اقتصادي في قانون الضمان الاجتماعي حيث ينظر للمرأة على أنها معالة وليست معيلة، وتطبق قوانين الشريعة باعتبار شهادة المرأة أقل من شهادة الرجل، وتجبر الفتيات على الزواج لأن المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية تنص على أن "رضا أحد الأولياء بالخاطب يسقط اعتراض الآخرين".
وفي اليمن لا تختلف القوانين التمييزية فما يختلف هو رقم المواد فقط، حتى أن دية المرأة أقل من دية الرجل، وما يسمى بولي الأمر هو من يحدد خياراتها، ويصل تعنيف النساء نفسياً واقتصادياً أعلى مستوياته في المادة 40 التي تعتبر المرأة ملك للرجل عليها طاعته وأخذ موافقته.
كما أن المادة 41 في القانون العراقي تبيح قتل النساء فالنص يقول "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون وينطوي على ذلك تأديب الزوج لزوجته".
وفي ليبيا يصنف العنف الجنسي باعتباره جريمة ضد شرف المرأة وليس لشخصها، حتى أن ضحايا الاغتصاب تتم ملاحقتهن قانونياً لأن القانون لم يفرق بين الجنس بالتراضي والقسري.
العنف الجنسي... حقد وازدراء النساء
يشمل العنف الجنسي التحرش وإجبار المرأة وابتزازها لممارسة العلاقة الجنسية والاغتصاب وتوجيه الألفاظ الجنسية للمرأة بقصد إهانتها والتقليل من احترامها، وتستخدم الألفاظ الجنسية لإهانة شخص ما، كما وأن العديد من النساء تعرضن للابتزاز الجنسي خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أماكن العمل.
ولا يقتصر العنف الجنسي على التحرش والاغتصاب إنما يصل إلى العائلة نفسها حيث يشرع الزوج لنفسه إجبار شريكته على القيام بأعمال جنسية لا ترغب الزوجة بها، كما يعاني بعض الرجال من السادية التي تدفعهم للقيام بضرب المرأة وتعنيفها خلال العلاقة.
وفي النزاع يعتبر العنف الجنسي سلاح المتحاربين، وتعد المؤرخة والناشطة الأمريكية سوزان براون ميلر (1935) صاحبة كتاب "ضد إرادتنا: الرجال والنساء، والاغتصاب" الصادر عام 1975، أول مؤرخة أجرت دراسات عامة عن الاغتصاب خلال الحرب، وقالت إن هذه الممارسة تنم عن حقد وازدراء تجاه النساء، وقالت أيضاً أن الرجال يجدون أن الحرب هي أفضل وقت ليعبروا عن هذا الاحتقار.
وفي حروب كالبوسنة وكمبوديا وأوغندا وفيتنام وميانمار استخدم الاغتصاب للتطهير العرقي. كما أن الجيش التركي ارتكب خلاع الصراع مع الكُرد، انتهاكات كبيرة بحق النساء، ومورست ضغوط على النساء لإخفاء ما تعرضنَّ له من اغتصاب ممنهج ما أدى إلى أن بعضهنَّ اخترنَّ إنهاء حياتهنَّ، وتصدر أول تعذيب جنسي منهجي الرأي العام عام 1993 ضد شكران أسن، لكن الدعاوى التي رفعت ضد الجنود باءت بالفشل وتمت تبرئة المتهمين، وقيل إنها فقدت عذريتها نتيجة "الخوف".
واستخدم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق في الفترة ما بين (2014 ـ 2019) العنف الجنسي ضد النساء وكانت الإيزيديات أبرز ضحاياه، وباع المرتزقة النساء للاستخدام الجنسي في الأسواق، فمأساة الإيزيديات تعد مفصلاً في تاريخ العنف الجنسي في مناطق النزاع.
وفي المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها في شمال وشرق سوريا تجبر النساء على الزواج من عناصر المرتزقة، كما أنهم يعتقلون الرافضين لممارساتهم ويتم الاعتداء على المعتقلات، ومن هذه الانتهاكات ما انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في أيار/مايو 2020 عن كُرديات وجدنَّ عاريات في معتقلات ما تسمى بـ "فرقة الحمزات".
وفي صيف العام 2023 انتشر مقطع فيديو لرجال من أغلبية الميتي الهندية يقودون امرأتين من أقلية الكوكي عاريتين بعد اغتصابهما بشكل جماعي، على خلفية أعمال عنف بين الجماعتين، كما استهدفت مئات النساء من مختلف الأعمار، وبشكل أكبر أفراد أقلية كوكي العرقية.
العنف ضد اللاجئات
80 بالمئة من اللاجئين حول العالم نساء، تتعرضن لعنف مضاعف، فجراء غياب العدالة القانونية يتم استهداف السوريات في لبنان وتركيا، وأصبحن ضحية ممارسات عنصرية تقودها بعض الجهات السياسية ووسائل الإعلام، ففي العام 2022 أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن 74 بالمئة من الناجيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي في لبنان لاجئات سوريات، وتتعرضنَّ لعنف ثانوي مثل الاحتجاز أو إجبارهن على العودة إلى سوريا.
وتحفل وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو التي توثق ممارسات عنصرية ضد لاجئات سوريات في تركيا حتى أن الكثير من المتعصبين لم يكتفوا بتوجيه الإهانات للاجئة وأطفالها إنما وصل الأمر بهم إلى حد ممارسة العنف الجسدي، عدا عن تحديات الإقامة وتقييد الحق في التنقل والحصول على الرعاية الصحية والتمييز في الأجور، كما تواجه النساء خطر العودة القسرية إلى سوريا.
أما لاجئات الروهينغا في بنغلادش اللواتي فررن من إبادة جماعية استهدفت شعب ولاية راخين بميانمار في العام 2017 تتعرضن لعنف مضاعف في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وتمنعن من العمل وتخطي السياج الذي أقامته سلطات بنغلادش لمنع اللاجئين من المغادرة، إضافة لعدم الأمان فالأكواخ بنيت في مناطق تتعرض لانجراف التربة والسيول عدا عن قلة المساعدات الأممية، أما اللواتي بقين في راخين تعشن خوف مطبق جراء مداهمات الجيش والعصابات لمناطقهن.
وتعرضت الأوكرانيات لأشكال مختلفة من العنف وصلت حد الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر في مراكز الاستقبال، وهذا ما تعانيه اللاجئات على الحدود الأوروبية، فوفق ما أعدته شبكة مراقبة العنف على الحدود مع مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي للعامين (2021ـ2022) 95 بالمئة من الذين شملهم التقرير أكدوا تعرضهم للعنف المفرط أثناء ترحيلهم من أوروبا، وشملت الانتهاكات العنف الجنسي.
العنف الجسدي... ما نراه
يعد العنف الجسدي من أشكال العنف الواضحة والتي لا يمكن إنكارها، ويترتب عليه مخاطر تصل إلى الموت في بعض الأحيان ومن ذلك ما يعرف بجرائم الشرف المنتشرة في دول الشرق الأوسط وبين المهاجرين في أوروبا، إضافةً للختان.
ورغم أن القوانين في عدة دول تُجرم ضرب المرأة، إلا أن الثقافة المجتمعية هي السائدة، ولا تتدخل الدولة لحماية المرأة باعتباره شأن أسري، وحتى في حال قتلها بداعي الشرف تصدر عقوبة رمزية غير رادعة.
العام 2023 شهد جرائم عدة بحق النساء رغم أن العديد من المراكز لم تصدر إحصاءاتها بعد، فخلال شهر ونصف من الحرب على قطاع غزة قتلت أكثر من5500 امرأة، وفي الأردن شهد النصف الأول فقط من العام ارتفاعاً في جرائم القتل الأسري، حيث قتلت 12 فتاة، أما في مصر قتلت 51 امرأة خلال الربع الأول فقط من العام، وتستمر ممارسة الختان رغم تجريمها، وقتلت في لبنان 13 امرأة إضافةً لـ 5 محاولات خلال النصف الأول من العام.
وتشكل الأسرة المكان الأخطر لمعظم نساء العراق فبحسب الإحصائيات الحكومية 86 بالمئة من العنف الممارس ضد المرأة أسري، يليه الاقتصادي، وفي إقليم كردستان ولسنوات شكل حرق النساء لأنفسهن ظاهرة، كما أن العام 2022 سجل نحو 16 ألف حالة عنف، إضافةً لاستمرار ممارسة الختان فـ 60 بالمئة من نساء الإقليم ضحايا للختان.
وفي تركيا تقتل العشرات من النساء كل شهر بحسب منصة سنوقف قتل النساء"KCDP"، ففي شهر أيار/مايو قتلت 40 امرأة، وفي آب/أغسطس قتلت 50 امرأة.
فيما كشفت أحدث الدراسات في تونس أنه خلال العام 2023 قتلت 24 امرأة، و54 بالمئة من هذه الجرائم نفذت من قبل أزواج ضد زوجاتهم. وفي فرنسا تلقى امرأة كل 3 أيام حتفها.
في الهند تعاني نسبة كبيرة من النساء من الفقر والأمية وزواج القاصرات لذلك ترتفع نسبة العنف ضد المرأة في البلاد، حتى أن نسبة الجرائم التي تستهدف النساء ازدادت خلال السنوات العشر الأخيرة.
وتتعرض نساء أفغانستان لمختلف أشكال العنف منذ سيطرة جماعة طالبان على البلاد، من التقييد والتمييز إلى الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب ما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.