المرأة العراقية... بصمة وتأثير في مختلف الحضارات والأزمنة (4)
شكلت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 على العراق مفترق طرق بالنسبة للشعب العراقي وللمنطقة ككل. لم ترحم آلة الحرب لا نساءً ولا أطفالاً، وما زالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم
أوضاع النساء خلال فترة الغزو الأمريكي عام 2003
سناء العلي
مركز الأخبار ـ .
لم يكن حال النساء أفضل بعد تغيير السلطة، فئات المجتمع المختلفة والتي كانت تأمل بتغييرات إيجابية في حياتها فقدت الأمان بشكل كبير، تم تغيير النخبة السياسية لكن القوانين التي لا تنصف المرأة لم تتغير إلا بشكل طفيف أو شكلي، وازداد التشدد تجاه المرأة.
في إقليم كردستان كانت المرأة بمنأى عن الحرب، لكنها خاضت حرب من نوع آخر هي حرب المرأة مع العادات والتقربات المسيئة لها كجرائم الشرف والعنف الأسري وهضم حقها في الميراث، كذلك ينتشر الختان بصورة كبيرة في الإقليم مقارنة مع العراق ودول الجوار.
أما العنف فإنه زاد بشكل كبير ففي عام 2008 ازدادت حالات العنف الأسري بشكل غير مسبوق. مدير الإعلام في وزارة حقوق الإنسان في الإقليم ناظم دلبند كشف أن 117 امرأة فقدن حياتهن، بينما حاولت 333 امرأة أخرى الانتحار جراء تعرضهن للعنف الأسري، ويعود مصدر الاحصائية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومديرية مكافحة العنف ضد المرأة. حتى اليوم ما تزال المرأة تتعرض للعنف، ففي النصف الاول من عام 2019 فقدت 55 امرأة لحياتها جراء تعرضها للعنف الأسري، بحسب المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة في الإقليم.
كما قالت الاحصائيات الأخيرة أن 490 امرأة قتلت خلال الأعوام (2010 ـ 2020)، فيما أقدمت 612 امرأة على الانتحار، وسجلت 73 ألف و15 امرأة شكاوى تفيد تعرضهن للعنف.
أما من ناحية العمل السياسي فإن مشاركة النساء في الإقليم هي الأفضل مقارنة بالدول العربية. فالإقليم يعد نموذجاً لانخراط النساء في العمل السياسي من خلال كوتا عُمل بها ما بين أعوام 2004 و2009 بلغت نسبتها 25 بالمئة، ثم زادت لتصبح 30 بالمئة عام 2009.
في السنوات الأخيرة تحسنت بعض التشريعات المتعلقة بحقوق وحماية المرأة، فكان أن أقرت حكومة الإقليم قانوناً يجرم العنف الأسري وجرائم الشرف وممارسة الختان وكان ذلك في عام 2011.
في مناطق العراق الأخرى والتي عانت من الحرب والطائفية أجبرت النساء على التخلي عن أسرهن؛ كون الأزواج ينتمون لطوائف مختلفة. النساء على اختلاف معتقداتهن أجبرن على تغيير ملابسهن وعاداتهن وفق لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت طائلة التعرض للاغتصاب والتحرش وحتى الخطف.
فرض الحجاب أصبح واقعاً في العراق المنقسم حول نفسه، جماعة تابعة لإيران تمارس سياساتها في العراق من خلال تقليد نظام الملالي الذي يفرض الحجاب على النساء الإيرانيات، دون احترام للاختلافات الموجودة بين شعوبه، الجماعة الثانية التي لها تأثير كبير على الحياة في العراق هم المتشددون السنة، وهؤلاء يفرضون الحجاب على النساء بطبيعة الحال.
أثرت الحرب على حقوق النساء وعلى حياتهن، عانين من الناحية المادية والإنسانية بنفس القدر. حال النساء بعد الغزو الأمريكي البريطاني يكذب ما قاله الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، حين قال بعد عام من الغزو "كل النساء في العراق أفضل حالاً الآن"، فالنساء أكثر من تضرر بالعنف الطائفي الذي عم البلاد، حتى فترة قريبة قتلت نساء بسبب ملابسهن، تارة فارس عارضة الأزياء واحدة منهن.
في عام 2013 صنف العراق كثاني أسوأ بلد عربي بالنسبة للمرأة وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة تومسون رويترز. وفي عام 2020 جاء العراق في المرتبة 11 عربياً في تصنيف أفضل الدول لعيش النساء فيها.
ضرب واعتداءات في السجون
انتشرت السجون بشكل كبير وصلت لـ 36 سجناً عدا سجن أبو غريب بحسب ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين سحر الياسري، حيث تحولت الأبنية التابعة للنظام السابق مراكز لاحتجاز وتعذيب الشعب العراقي.
قام الجنود الأمريكيين بالاعتقال التعسفي، وتلفيق التهم، والتعذيب والاعتداءات الجنسية التي طالت النساء والرجال. صحيفة الغارديان كشفت في لقاءات مع عدد من النساء اللواتي اعتقلن تعرضهن للاغتصاب من قبل جنود أمريكيين. التقرير تضمن حديث لنساء أجبرن على التعري والوقوف أمام السجناء الرجال. تعرضن لشتى أنواع التعذيب منها العزل والحرمان والضرب والتجويع والإهانة، المعتقلات منعن من الكلام والنوم، عشن على الفتات من الطعام، كما قبعنَّ في غرف صغيرة بدون فراش.
في 28 نيسان/أبريل 2004 نشرت شبكة السي بي إس نيوز الأمريكية صور تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، وهو ما عرف بفضيحة أبو غريب. كانت قد اعتقلت 90 امرأة قبل فضح الانتهاكات الممارسة في المعتقل وتم إطلاق سراحهن. أثناء الاعتقال لم يسمح الاحتلال لهنَّ بمقابلة أي جهة حقوقية أو قانونية، عن عدد المعتقلات أشارت وزارة حقوق الإنسان إلى أنه وصل لـ 10 آلاف معتقلة منهن متهمات بجرائم جنائية وأخلاقية.
عدد السجينات في معسكر بوكا الذي يقع في محيط مدينة أم قصر والذي احتجزت فيه النساء والأطفال أيضاً، وصل لعشرة آلاف امرأة بحسب تصريح ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين سحر الياسري.
منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان قالت في تقريرها لعام 2008 أن القوات الأمريكية تحتجز عراقيين دون توجيه اتهامات لهم، ودون أن تملك أدلة دامغة على انتمائهم لجماعات المقاومة.
وزيرة حقوق الإنسان في حكومة المالكي لعام 2006 وجدان ميخائيل سالم قالت إن عدد المعتقلات في العراق بلغ 447 معتقلة منهن 11 امرأة في سجون الاحتلال والباقي في المعتقلات التابعة للحكومة، في حين قالت وزيرة الدولة لشؤون المرأة نوال السامرائي في وقت لاحق أن الكثير من النساء العراقيات واللواتي تم اعتقالهنَّ من قبل قوات الاحتلال أو من قبل الأجهزة الحكومية قد اختفين.
وزيرة المرأة نوال السامرائي قبيل استقالتها عام 2009 قالت إن المحتجزات يضربن بشكل روتيني ويتعرضن للمضايقات ويتم اغتصابهن في السجون الأمريكية والعراقية على حد سواء، وفي نفس العام قال النائب حارث العبيدي في جلسة رسمية داخل البرلمان أن هناك أكثر من 4000 امرأة و22 طفلاً حديثي الولادة في السجون، هؤلاء الأطفال هم خير دليل على تعرض المعتقلات للاغتصاب، وجاءت تصريحاته على إثر زيارة قام بها لبعض السجون كونه يشغل منصب رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، وبعد يومين من هذه التصريحات المدوية تم اغتياله وسجلت القضية كعملية إرهابية.
ضحايا الهجمات الإرهابية من النساء
غاب الأمن بشكل كبير وأصبح العراق مرتعاً للإرهاب تتعرض البلاد لهجمات إرهابية متكررة معظم ضحاياها من المدنيين ومنهم نساء. استهدفت العاملات في مختلف المجالات، حتى أولئك العاملات في الصحافة وتقديم المساعدات الإنسانية، والترجمة، اعتدت الجماعات الإرهابية على دعاة حقوق المرأة أيضاً.
بحسب تقرير لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق لعام 2006 فإن 183 امرأة فقدت حياتها في الفترة الممتدة ما بين الأول من كانون الثاني/يناير حتى أخر حزيران/يونيو. وفي آب/أغسطس من نفس العام فقدت 194 امرأة لحياتها في أعمال العنف التي شهدتها البلاد.
في أحد أيام تموز/يوليو عام 2005 أدى تفجير إرهابي في إحدى حُسينيات مدينة المسيب الواقعة في محافظة بابل لمقتل أكثر من 90 مدنياً بينهم نساء وأطفال، أعداد أخرى من المدنيين أصيبوا بحروق وإصابات بليغة. في عام 2004 استهدف تفجير إرهابي منطقة أربيل، أدى لسقوط 99 مدنياً كردياً بينهم العديد من النساء.
الهجمات الإرهابية لم تفرق بين مكون وآخر، المناطق الشيعية والسنية والكردية والأقليات كذلك جميعهم تعرضوا للهجمات الإرهابية، لكن لا يُعرف على وجه الدقة عدد ضحاياها من النساء. لم تقتصر الانتهاكات على الجماعات المسلحة. جاء في تقرير خاص بحقوق الإنسان لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق عام 2006 أن القوات الأمريكية ومتعددة الجنسيات وكذلك قوات الحكومة العراقية جميعها ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان.
العنف يطال الأقليات
في الفترة التي تلت الحرب مباشرة ازدادت عمليات الخطف والقتل والاغتصاب، وخاصة بالنسبة للأقليات التي تسكن العراق كالأرمن والغجر والشبك والصابئة والشركس والشيشان والبدو واليهود والزرادشتيين والبهائيين والتركمان.
نساء الأقليات في العراق تعرضن لعنف مضاعف، يجري استهدافهن مثل رجال الأقليات، بسبب ديانتهن أو هويتهن الأثنية، يجبرن على اعتناق الإسلام، أو تتم تصفيتهن. اجبرت النساء المتزوجات على الطلاق للتزوج من مسلمين وكذلك بالنسبة للرجال.
في العام 2004 استهدفت حافلة كانت تقل مجموعة من نساء الأقليات كن عائدات من العمل، وأدى العمل الإرهابي لإصابة عدد منهن وقتل بعضهن الآخر.
"أمريكا مسؤولة بصورة مباشرة عن الأوضاع الحالية في العراق"
في عام 2010 قدم الاتحاد النسائي العام في العراق تقريراً لمجلس حقوق الإنسان، حمّل الولايات المتحدة الأمريكية كل ما آلت إليه الأوضاع في العراق، جراء إنهاك البلاد بالعقوبات التي فُرضت عليه منذ عام 1990 (حصار العراق) انتهت بغزو البلاد وتحويلها لمنطقة صراعات طائفية تعاني منها النساء بشكل كبير.
واستعرض الاتحاد النسائي الانتهاكات التي قامت بها الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب ومن أبرز ما جاء في التقرير حرمان النساء من الحق في الحياة من خلال القصف العشوائي والذي استهدف المناطق المأهولة، إضافة للحرمان من الغذاء والتعليم والحرية والسكن الآمن.
وكشف التقرير أن نسبة البطالة بين النساء وصلت لـ 90 بالمئة من نسب البطالة الكلية، إضافة إلى أن النساء اللواتي فقدن معيلهن ومع تنامي معاداة عمل المرأة أصبح وضعهن مأساوياً، توجهن للمؤسسات الخيرية بحثاً عن الرعاية لهن ولأطفالهن، كما أن أعداد الأطفال المتسولين في الشوارع ترتفع بشكل كبير.
زيادة المنظمات النسائية بعد 2003
بعد انهاء حكم صدام حسين عام 2003 نشطت النساء أكثر وزاد عدد المنظمات النسائية التي تطالب بحقوق المرأة، زاد عدد هذه المنظمة عن 90 منظمة، جميعها تحت مظلة تنظيم النساء العراقيات، الذي له دور مهم في نضال النساء التحرري في البلاد.
لا يقف الأمر عند هذه المنظمات فإضافة لها هناك 400 منظمة مجتمع مدني تعنى بشؤون المرأة على مستوى العراق لكنها مرتبطة بالكتل والأحزاب السياسية، لا يختلف الوضع كثيراً الإقليم.
وطدت المنظمات بجميع مشاربها علاقاتها مع المنظمات والمؤسسات الدولية، وخاصة بالمنظمات المعنية بشؤون المرأة.
واستطاعت تفعيل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 والذي يؤكد على أحقية النساء بالمشاركة بالقرار السياسي، حضرت المرأة السياسية بقوة في الإعلام لكن يعاب على ذلك بأنهن لست إلا أداة في يد القوى السياسية. ومنذ عام 2003 وحتى الآن قضية حقوق المرأة ما تزال مهملة، ولا خطوات جدية بصدد هذا الموضوع ولا تحركات حقيقية لحل مسألة حقوق المرأة من قبل المسؤولين في البلاد.
في عام 2008 جرت تعديلات على قانون الأحوال الشخصية في إقليم كردستان، وتناولت هذه التعديلات 25 مادة من قانون الأحوال الشخصية لعام 1969 المعدل من قانون العام 1958 والذي أعطى بعضاً من حقوق المرأة، لكنها لا شيء بمقياس حقوق النساء في يومنا الراهن.
مثلت النساء في المجلس الوطني الانتقالي بنسبة لا تقل عن 25 بالمئة، هذه النسبة تعتبر سابقة في البلدان العربية والشرق الأوسط، لكن فعلياً لم تفعل شيء فيما يخص حقوق المرأة.
ما بين عامي 2004 و2005 شغلت النساء ست وزارات، لكن في الأعوام اللاحقة بدأت تقل النسبة إلى أربعة وزارات.
في حكومة المالكي الأولى عدد الوزيرات أربعة فقط من مجموع 38 وزيراً عدد قليل جداً، والنسبة أقل في إقليم كردستان حيث أنها 4 وزيرات من مجموع 42 وزارة، وبقيت نسبة النساء 31 بالمئة في مجلس النواب.