المرأة الأردنية نجاحات وتحديات (2)
يعتبر وصول أي امرأة إلى السلطة التشريعية انتصاراً، فوجود المرأة في مراكز صنع القرار يعطي أملاً كبيراً بتغييرات مهمة على صعيد القوانين التي تخص النساء
المرأة في السياسة
مركز الأخبارـ ، هنا تستطيع المرأة المطالبة بحقوقها من مكان مسموع، لا سيما الأهداف المتمثلة بالمساواة، من خلال تغيير القوانين والتشريعات التي تُقنن دورها وتُعزز الذكورية والعنف في المجتمع بكافة أشكاله بدءً من الأسرة.
نضال المرأة للوصول إلى مواقع صنع القرار
لم تكتفي المرأة الأردنية بالأحلام والتمنيات بل ناضلت كثيراً من أجل الوصول إلى ماهي عليه الآن. بعد الحرب العالمية الاولى، أي في فترة عهد الإمارة (1921ـ 1946) وإعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، حُرمت النساء من المشاركة في الشؤون السياسية للبلاد (لا ترشيح ولا تصويت) بشكل كامل ما انعكس سلباً على حقوق المرأة كافة.
ومنذ أوائل الخمسينات بدأ نضال النساء للمطالبة بمنح المرأة حقي الانتخاب والترشح للمجالس البلدية والنيابية والتي كانت حكراً على الرجال.
قادت هذا النضال رابطة اليقظة النسائية التي تأسست عام 1952 لكنها تعرضت لضغوطات عدة من الحكومة أدت إلى حلها.
حمل أتحاد المرأة العربية راية النضال عام 1954، كان له دوراً بارز في توعية المرأة سياسياً، كما ورفع عدة مذكرات إلى مجلس الوزراء والأعيان والنواب مطالباً فيها منح المرأة حقوقها السياسية. وكان من ثمار هذا النضال إقرار مجلس الوزراء في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 1955 مشروع الانتخاب الذي أعطى للمرأة المتعلمة فقط حق التصويت وليس حق الترشح. الاتحاد لم يكتفي بذلك ونظم حملة واسعة طالب فيها منح المرأة حقها الكامل في الانتخاب والترشح دون شروط.
في عام 1974 حصلت النساء على حق الانتخاب والترشح للمجالس النيابية (البرلمان)، وكانت أول مشاركة فعلية للنساء عام 1978 من خلال تعديل قانون رقم 8 والذي نص على أنه "يعدل تعريف كلمة (أردني) الواردة في الفقرة (أ) من المادة 2 من القانون الأصلي بشطب كلمة (ذكر) الواردة فيها والاستعاضة عنها بعبارة (ذكراً أم أنثى".
بعد صدور هذا القانون كانت أول مشاركة للمرأة في المجالس الرسمية عام 1978 فيما سمي آنذاك بالمجلس الوطني الاستشاري، وهو مجلس تم تشكيله بالتعيين في الأعوام (1978-1984) لسد الفراغ الدستوري في فترة تجميد الحياة البرلمانية على إثر حرب العرب مع إسرائيل عام 1967.
شهد المجلس ثلاث دورات مدة كل منها سنتين، ولم يكن له أي صلاحيات لها علاقة بالتشريع، ولم يحق له أن يستجوب الحكومة بل يسألها فقط. حينها عين الملك ثلاث نساء من أصل 60 عضواً وهن إنعام المفتي، ووداد بولص، ونائلة الرشدان.
في عام 1984 جرت انتخابات فرعية لملء المقاعد الثمانية الشاغرة في البرلمان والذي أعيد إحياؤه، لكن لم تتقدم أية مرشحة واقتصر الترشيح على الرجال.
كان العام 1989 نقطة تحول في تاريخ المرأة الأردنية إذ أنها المرة الأولى التي تخوض فيها معركة الانتخابات النيابية. استطاعت كسر الاحتكار الذكوري للمجالس النيابية على الرغم من أن التجربة كانت خجولة اقتصرت على ترشح 12 امرأة من أصل 648 مرشح.
لكن لم تنجح أي مرشحة في الوصول إلى مجلس النواب وكانت نسبة التصويت لهن 01.1 بالمئة من مجموع الاصوات. ربما كان هذا السبب الذي جعل مشاركة النساء في انتخابات 1993 ضعيفة للغاية.
في انتخابات 1993 لم تترشح سوى ثلاث نساء فقط وحصلنَّ على نسبة مرتفعة عن المرة السابقة وصلت إلى 3.4 بالمئة من مجموع الأصوات، نجحت توجان فيصل عبر مقعد الشراكس في الدائرة الثالثة بعدما حصلت على 1885 صوتاً أي بنسبة 4 بالمئة من إجمالي المقترعين في الدائرة الثالثة.
انعكست هذه النتيجة الإيجابية نوعاً ما على انتخابات عام 1997 فشهدت حملة واسعة بين صفوف النساء، عملت على تنظيمها الهيئات النسائية ممثلة باللجنة التنسيقية الأردنية للمنظمات غير الحكومية، كان الهدف اختيار النساء الكفؤات كي تكون الفائزة منهنَّ قادرة على المطالبة بحقوق المرأة وحماية مكتسباتها.
ترشحت 17 امرأة بنسبة 24.3 بالمئة من إجمالي المرشحين، لكن النتيجة كانت مخيبة فلم تنجح أي منهنَّ بما في ذلك توجان فيصل، وحصلنَّ على (13086 صوتاً بنسبة 06.1 بالمئة) من إجمالي الأصوات، نصف هذه الأصوات ذهبت للمرشحتين توجان فيصل وإيميلي نفاع.
ورافق هذه الانتخابات مقاطعة عدد من الأحزاب السياسية، والنقابات المهنية، وبعض المنظمات النسائية، احتجاجاً على قانون الانتخاب الذي يستند إلى مبدأ الصوت الواحد.
وفي الانتخابات التكميلية للمقعد الشاغر في مجلس النواب الثالث عشر بسبب وفاة أحد النواب، تم انتخاب امرأة من قبل المجلس نفسه، حيث لم تجر انتخابات عامة لملء هذا المقعد وذلك في آذار/مارس 2001.
اثبتت نتائج الانتخابات التشريعية على مدار الدورات التي جرت منذ عام 1989 ولغاية 2003 أن المرأة لم تستطع الوصول إلى البرلمان عبر الاقتراع، إذا ما استثنينا وصول امرأة واحـدة "توجان فيصل" عام 1993.
الأسباب والمعوقات التي واجهت المرأة في الانتخابات
قانون الانتخاب المتبع في المملكة والذي يستند إلى مبدأ الصوت الواحد، الذي أعاد العملية الانتخابية إلى إطارها العشائري العائلي، والتي تفضل بطبيعة الحال دعم المرشحين الرجال دون النظر إلى أهلية المرشح/المرشحة شكل أكبر عقبة في طريق النساء.
كما أثر الموروث الاجتماعي بشكل كبير، فعدم قناعة المجتمع بدور المرأة وأهمية وصولها إلى المواقع القيادية أدى إلى عدم انتخاب النساء وعزوف عدد كبير منهنَّ عن الترشح.
ساهم العامل الاقتصادي في تراجع مشاركة النساء، فالمرشحات أقل قدرة على تمويل الحملات الانتخابية.
وقد يكون عدم خضوع العملية الانتخابية إلى رقابة القضاء لضمان الشفافية وعدم تزوير النتائج أحد الأسباب، إلا أن التأكد من أنه حصل أم لا فهذا ما لا يمكننا الجزم بحدوثه.
إجراءات مطلوبة لتسهيل وصول المرأة إلى البرلمان
أدركت النساء أن قانون الانتخاب المتبع هو أحد وأهم الاسباب التي همشت حضورهنَّ في الانتخابات، فعملنَّ على المطالبة بتعديله من خلال رفع عدة مذكرات إلى المسؤولين المعنيين مدعومة بـ 15 ألف توقيع من جميع المحافظات، على أساس إيجاد آلية لتمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة.
أما فيما يخص العامل الاقتصادي فقد تمت المطالبة بمنح المرشحات والمرشحين فرص متساوية في الدعاية المجانية، عبر وسائل الإعلام، ولاسيما المرئية منها.
وللتغلب على الموروث الاجتماعي وضعت خطة من أجل إيصال مالا يقل عن خمس نساء إلى البرلمان، من خلال حملات توعوية عامة تبين أهمية وجود المرأة في البرلمان والغاية من ذلك، والمتمثلة بتعديل وتحديث التشريعات التي تحكم وضع المرأة في الأسرة والعمل والمجتمع.
دور الأحزاب في وصول المرأة إلى البرلمان
الدول التي تعتمد على التمثيل النسبي تساعد الأحزاب السياسية للوصول إلى البرلمان، مما يعطي النساء اللواتي يترشحنَّ على قائمة الحزب فرصة أكبر، ويشجعهنَّ على الانخراط في عضوية الأحزاب السياسية أيضاً.
لكن الذهنية الذكورية وقفت مرة أخرى أمام طموحاتهنَّ، الأحزاب تفضل اختيار الرجال خاصة وأنهم يمثلون القيادات فيها. كانت تجربة الحزب الشيوعي هي الأولى من نوعها حين قام بترشيح امرأة كانت من اعضائه القيادية.
نظام الكوتا
يعود الفضل بوجود النساء الأردنيات في برلمان المملكة إلى نظام الكوتا، أو المحاصصة، من خلال إعطاء النساء عدد محدد من المقاعد بدون الاعتماد على الانتخابات العامة.
وأُقر العمل بنظام الكوتا في عام 2003 وتم تخصيص 6 مقاعد للنساء من أصل 110 مقاعد في البرلمان. لكنه يبقى تمثيلاً شكلياً، حيث أن عدد المقاعد الممنوحة للنساء هي أقل بكثير من تلك المخصصة للرجال.
لكنه وعلى مساوئه يعتبر حلاً لا بأس به لمواجهة الاستيلاء الذكوري على مجال السياسة، وهذا الحل يعالج أيضاً مشكلة عزوف النساء عن المشاركة في الحياة السياسية لاعتبارات اجتماعية.
الأرضية التي ساعدت المرأة للوصول إلى البرلمان
اهتمت الأمم المتحدة خلال العقود الاخيرة بشؤون المرأة، من خلال التركيز على أهمية تعزيز دورها في المجتمع وخاصة في المجتمعات العربية والشرق أوسطية، دعا المجلس الاقتصادي في عام 1990 إلى ضرورة مشاركة المرأة في هياكل السلطة ومواقع صنع القرار بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة.
كما جاء منهاج عمل بكين عام 1995 مؤيداً لقرار المجلس الاقتصادي والتأكيد على ما جاء في الفقرة (86 من الاستراتيجية لتقدم المرأة لعام 2000) التي أقرت في مؤتمر المرأة العالمي الثالث الذي عقد في نيروبي عام 1985 والتي جاء فيها أنه "على الحكومات والأحزاب السياسية تكثيف الجهود، لضمان وتأمين المساواة في مساهمة المرأة في جميع الهيئات التشريعية الوطنية والمحلية، وضمان المساواة في التعيين والاختيار والترقية للمناصب العليا في الفروع الإدارية والتشريعية والقضائية لهذه الهيئات على المستوى المحلي".
في القانون الانتخابي الجديد لسنة 2016 تم منح النساء مقاعد إضافية خارج الكوتا، أي أن مقاعد الكوتا المخصصة لهذه الدورة 15 مقعداً مضمونة للمرأة بواقع مقعد لكل محافظة، ويمكنها أن تفوز بمقاعد أكثر في حال ترشحت خارج الكوتا.
ولا تزال اللجنة التنسيقية للمنظمات غير الحكومية تعمل باتجاه تعديل قانون الانتخاب لتخصيص مقاعد للنساء بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة.
ضمن نشرة الاتحاد البرلماني الدولي التي صدرت في منتصف العام 2016 حول مشاركة النساء في البرلمان، احتل الأردن المرتبة 141 على مستوى العالم من بين 193 دولة، والمركز الـ 13 على مستوى الدول العربية.
مشاركة النساء في الحكومة والسلك الدبلوماسي
مشاركة المرأة في البرلمان ساهمت بشكل كبير ومباشر في ازدياد تعيين النساء في الحكومة وتقلدهنَّ العديد من المناصب الوزارية، وكانت أول مشاركة لأنغام المفتي والتي عينت عام 1979 في وزارة التنمية الاجتماعية، وبعد ذلك تم تعيين ليلى شرف وزيرة للإعلام عام 1984. ثم تلا ذلك تعيين النساء في المناصب الوزارية التي تعتبر أعلى مراكز صنع القرار في البلاد إذا ما استثنينا الملك.
تم تعيين لوريس أحلاس في عام 1970 كأول امرأة في منصب دبلوماسي رفيع، بعد أن عينت نائبة للمندوب الدائم للبعثة الأردنية في الأمم المتحدة، كما تم تعيين منى زريقات هنينغ عام 1993 سفيرة للبلاد في السويد.
لكن حتى اليوم لم يتم تعيين أي امرأة في منصب رئيس الحكومة، رغم عدم وجود نص دستوري يمنع ذلك.
المرأة في القضاء
تشكل النساء أكثر من 50 بالمئة من المشاركين في برنامج قضاة المستقبل ودبلوم الدراسات القضائية الذي يمنحه المعهد القضائي الأردني.
بدأ دخول النساء إلى القضاء الأردني عام 1996 وعينت تغريد حكمت كأول قاضية في البلاد، وحتى عام 1998 كان مجموع النساء القضاة خمسة فقط.
وبلغت مشاركة المرأة في الجهاز القضائي عام 2001 ما نسبته 1,4 بالمئة، وفي عام 2003 ارتفع العدد إلى 23 قاضية، ووفق آخر الإحصائيات بلغ مجموعهن 29 قاضية بنسبة 4.2 بالمئة من مجموع القضاة. وحتى اليوم لم يتم تعيين أي امرأة قاضياً عسكرياً. لكن من المتوقع أن يرتفع عدد القاضيات المدنيات ليتجاوز خلال السنوات القليلة المقبلة ما مجموعه 40 بالمئة من العدد الإجمالي لقضاة الأردن.
بداية مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية
تعود الحياة الحزبية في الأردن إلى بدايات تأسيس الدولة في عهد الإمارة عام 1921، لكنها تأثرت بشكل كبير بالأوضاع الإقليمية والداخلية كما في النكبة عام 1948 والنكسة 1967.
إن أول حزب سياسي في الأردن هو حزب الاستقلال، ثم تشكلت جمعية الشرق العربي في أربد عام 1923 وكان من أهدافها تحقيق الوحدة العربية، والعمل من أجل استقلال منطقة الشرق العربي استقلالاً تاماً، بعد ذلك تشكل حزب الشعب الأردني الذي كان يؤيد الحكم الدستوري والحفاظ على استقلال البلاد ونشر مبادئ الاخاء.
كان أول وجود للمرأة في الأحزاب عام 1951 وذلك بعد توحيد الضفتين الشرقية والغربية، وكان الحزب الشيوعي أول حزب يستقطب النساء، شاركت فيه كل من سلوى شحادة وسلوى زيادين ورفقة غصين وميلاده خميس وإيميلي نفاع وهي عضوة المكتب السياسي للحزب الشيوعي.
بعد ذلك فُتح الباب أمام النساء للانتساب إلى الأحزاب الأردنية، وكان من أبرز نساء التيار البعثي لمعة بسيسو الرزاز وإسعاف شقير وسهيلة الريماوي. وفي الأحزاب القومية شاركت كل من زها مانجو ورغدة جردانة.
أغلب النساء اللواتي انضممنَّ إلى الأحزاب كان عن طريق الأصدقاء أو الأقارب، واقتصرت مشاركة النساء في الأحزاب على نساء المدينة وحُرمت من ذلك نساء المخيمات والقرى والبادية، وبشكل عام كانت نسبة النساء في الأحزاب عند تأسيسها لا تتجاوز الـ 9 بالمئة.
وعلى الرغم من الاهتمام الذي تظهره الأحزاب بقضايا المرأة في برامجها إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه البرامج تعبر عن فهم تقليدي لدورها، فلم تعالج القضايا المرتبطة بها بآليات واضحة وبرامج فعّالة تطبق على أرض الواقع، لم تكن غاية الأحزاب إلا استقطاب النساء ومن ثم إعطائهنَّ دور هامشي، ولم يكن وضع بنوداً خاصة للمرأة في برامجها السياسية إلا لكسب صوتها فقط.