الآلهات في سورية... رمز البركة والتقديس(8)الإلهة هبات وابنتها بودوهبا التي ألهمت حضارة البحر الأبيض

في بلاد ما بين النهرين العليا التي كانت مهد الإنسانية وفي نهاية الهلال الخصيب تقع مدينة عفرين المعروفة بأراضيها الخصبة ودفء شمسها، فهل كنتم تعلمون أنها بنظامها القائم على نهج المرأة ألهمت حضارة طوروس ـ البحر الأبيض؟

.
في الوقت الذي كانت فيه الإلهة هبات وابنتها تحتلان مكانة كبيرة ولهما تأثير على بروز نظام الآلهة في المناطق التي كانت تسودها الثقافة النيولوتية كانت مدينة عفرين التي احتضنت كلاً من الحضارة الهورية والميتانية هي موطن بودوهبا. 
تعالوا نتعرف معاً على تاريخ "إلهة الأرض والسماء" هبات وابنتها التي تبنت هذه الثقافة من المصادر التاريخية القليلة جداً التي تتحدث عنهما ولنلق نظرة على هذه المعلومات. 
استمر نظام العقيدة القائم على نهج الألوهية في بلاد ما بين النهرين الدنيا بفضل عشتار، وفي سلسلة زاغروس من خلال نينهورساج وتيامات واستمر وجوده في التاريخ الحديث في بلاد ما بين النهرين العليا في نهاية الهلال الخصيب في أقصى الغرب بوجود هبات.
وقد أثرت لكونها إلهة الشمس في الحضارة الهورية على الجغرافيا بأكملها. فقد امتد تأثيرها غرب الفرات ابتداءً من حدود البحر الأبيض وحتى روج آفا والأناضول. وذُكرت في التاريخ بأسماء أخرى مثل "آريانا". كما كان لعقيدة هبات تأثير كبير بشكل خاص على حضارة البحر الأبيض ودول المدن والأساطير اليونانية أيضاً. ويعتقد أن هبات زوجة زيوس هيرا وفقاً لما جاء في أساطير اليونان.
هبات هو اسمها الأبرز في الثقافة الأساسية للمجتمع في العصر النيولوتي، في نفس الوقت احتلت مكانة في مجتمعات الثقافة الآرية والعقيدتين الهورية والميتانية في شمال وشرق سوريا على جوانب مدينة عامودا المدينة التي بُنيت من قبل الهوريين والميتانيين والتي تحتل موقعاً مهماً بحسب ما جاء في كتابات هبات.
مقاومة نساء غرب كردستان وآثار الطقوس النسائية من الناحية الثقافية هي ما تبقى من تلك الأوقات. فالإيمان المقدس برؤية الشمس والإيمان بأن الاستيقاظ كل صباح قبل شروق الشمس يجلب البركة يعتبر من رموز احترام قوانين الإيمان بثقافة هبات.
يوجد القليل من المصادر التاريخية عن هبات. امتدت عقيدة هبات من البحر الأبيض إلى لبنان وإلى غرب سوريا وروج آفا في يومنا الحاضر، وعبرت من شمال كردستان لتصل إلى الأناضول ومن هذه الأماكن وصلت إلى الحضارة الحيثية وهي صاحبة نظام واسع جداً للغاية. وبالإضافة لكونها "إلهة الأرض والسماء" وصفت في الألواح المكتوبة على أنها إلهة البركة.
ذُكر في الكتب التاريخية أنها إلهة الهوريين ولكن المصادر الحيثية تحوي معلومات مفصلة وأكثر دقة عن هبات.
قبل الميلاد بـ 3000 سنة وما بعد ظلت الحضارة الهورية حاكمة على كل من سومر، أكاد، الحيثة وأوغاريت وأيضاً على بلاد ما بين النهرين والمناطق المحاذية لأعالي نهر دجلة بحسب المعلومات التي وردت في المصادر المصرية. كما أوضح المؤرخون أن الهوريين هم أسلاف الكرد. وقد استمر وجودهم حتى القرن السابع قبل الميلاد. 
توجد في دول المدن التي بناها الحيثيون آثار تعود إلى هبات. فبعد انحسار واختفاء تأثير حضارة الهوريين بدأ تأثير نظام عقيدة هبات بالظهور على الحيثيين. فقد كان تأثير حضارة الهوريين على حضارة الحيثيين عن طريق نظام عقيدة هبات. 
وفقاً لتحليلات المؤرخين فإن هبات تزوجت بالملك الحيثي تشوب إله الرياح والأعاصير بعد انضمامه إلى المحفل (معبد بانثون). ولأن هبات كانت لا تزال في أوج قوتها مثلت البركة أيضاً بالإضافة لكونها "إلهة الأرض والسماء".
أيضاً في نفس الوقت وُصفت هبات بأنها "حامية الجيوش". ولطالما استطاعت هبات أن تحافظ على وجودها ضمن عقيدة الألوهية لوقت طويل.
في القرن الثالث عشر قبل الميلاد أعلنت الملكة الحيثية بودوهبا نفسها كابنة وخادمة للإلهة هبات.
كانت الملكات يسمين في اللغة الحيثية "تافاناننا" وكانت بودوهبا تنادى بهذا الاسم أي أن اسم بودوهبا جاء من اللغة الهورية. بودو ككلمة هورية لم يعرف بعد أصلها ومعناها، هبا مشتق من اسم الإلهة الأساسية الأولى للهوريين هبات.
ووفقاً لبعض المؤرخين يقال إن بودوهبا كانت كاهنة في معبد الإلهة هبات.
قامت بودوهبا في كيزواتنا (التي تشمل كلاً من عفرين وهاتاي وأضنة في يومنا الحاضر) بنسخ الألواح المكتوبة التي تحتوي على دين وعقيدة وثقافة الهوريين وأنشأت مكتبة خاصة لهذه الألواح.
حدث أنه وللمرة الأولى ووفقاً لنفس التمثيل قادت وأدارت بلادها مع زوجها وسمحت لثقافة الألوهية بالاستمرار. يتم عرض الألواح الكتابية والتماثيل والمنحوتات التي تخص بودوهبا في المتحف الوطني السوري ومتحف أضنة في تركيا. مؤخراً في عام 2016 تم العثور على ختم بودوهبا التي كانت تختم به القرارات التي توافق عليها أثناء حكمها.
في القرن الثاني عشر قبل الميلاد استمرت كيزواتنا والدول الميتانية بسلطتها السياسية لما يقارب 500 عام في العالم الغربي موطن السلالة الآرية (الشعوب المهاجرة التي جاءت من منطقة بحر إيجا).
لذلك كانت الأسماء المحلية للعديد من أماكن المنطقة من بينها عفرين مشتقة من الأصول الآرية الشرقية.
في يومنا الحاضر وفي البداية من عفرين وصولاً إلى البحر الأبيض فإن أسماء المناطق على طول هذا الشريط مؤنثة، نستطيع القول إن الآثار التاريخية المستخرجة من هذه الأماكن وآثار الآلهة التي تم العثور عليها، تُعرّف ببريق ميراث هبات وابنتها بودوهبا.