زيارة طبيبة النساء في شرق كردستان امتياز مؤجل حتى الزواج
زيارة طبيبة النساء يُلقي بظلاله الثقيلة على صحة الفتيات العازبات في كرماشان بشرق كردستان، ففي مجتمع يحدد فيه النظام الذكوري الخطوط الحمراء، لا تزال زيارتهنّ للطبيبة النسائية من المحظورات غير المكتوبة.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ في المفهوم اللغوي، لا يوجد فرق كبير في المعنى بين كلمتي "امرأة" و"فتاة"، لكنهما تكتسبان مفهوماً مختلفاً تماماً عن القاموس، بسبب التعريفات التي تنبع من هيمنة المعتقدات الخاطئة، حيث تعتبر المرأة أثنى متزوجة، بينما يطلق لقب "فتاة" عليها إذا لم تكن متزوجة أي العذراء.
في مجتمع يخضع بالكامل لهيمنة النظام الذكوري، لا يُسمح للفتيات بالقيام بالعديد من الأنشطة حتى يتزوجن ويتحول اسمهن من "فتاة" إلى "امرأة"، ومن بين هذه الأنشطة زيارة طبيبة النساء، وبما أن كلمة "امرأة" تُستخدم بعد كلمة "طبيبة"، يعتقد الكثيرون أن من يحق لها زيارة هذه الطبيبة هن فقط النساء المتزوجات، وفكرة أن فتاة غير متزوجة تزور طبيبة النساء تُعد غير مفهومة، وأدى هذا القيد إلى أن العديد من الفتيات يخفين أمراضهن النسائية خوفاً من وصمة العار أو تغير نظرة المجتمع تجاههن.
الخوف من نظرات المجتمع والشائعات
نسرين بيامي (اسم مستعار)، سكان إحدى قرى كرماشان تقول "لم أتزوج، وإذا ذهبت إلى طبيبة النساء في المدينة ورآني أحد من معارفي، فبالتأكيد سيختلقون الشائعات".
وأضافت "قبل فترة، إحدى فتيات القرية التي كانت مخطوبة زارت طبيبة النساء، وقد رآها أحد أبناء القرية، وبعد ذلك انتشرت شائعات عنها تقول إن فلانة أصبحت امرأة أي فقدت عذريتها، وأن خطيبها لا بد أن يكون على علاقة بها قبل الزواج".
الإحصائيات تحت ظل التابو
وفقاً للإحصائيات والمصادر المعلوماتية، فإن أكثر من 75 % من النساء يصبن خلال حياتهن مرة واحدة على الأقل بأنواع مختلفة من الالتهابات، والتي تستدعي العلاج من قبل طبيبة مختصة في أمراض النساء.
وبالنظر إلى هذه الإحصائيات والقيود المفروضة على زيارة طبيبة النساء، يمكن القول إن معظم الفتيات غير المتزوجات يُجبرن على تحمل ألم ومعاناة شديدة أثناء الإصابة، ويكبتن حاجتهن لزيارة الطبيبة، لأن التابوهات السائدة تمنعهن من ذلك.
معتقدات تصنع الألم
سارا إيماني (اسم مستعار)، طبيبة نساء في كرماشان، قالت "لقد شهدت مراراً وتكراراً حالات لفتيات يزرن عيادتي وهن يعانين من التهابات فطرية شديدة، ولم يلجأن إلى العلاج إلا بعد أن أصبحت حالتهن حرجة للغاية، معظمهن ينتمين إلى عائلات تعتبر زيارة الفتاة لطبيبة النساء أمراً محرّماً، خوفاً من أن يتعرض غشاء بكارتها لما يسمونه "ضرر" أثناء الفحص".
وأضافت "من جهة أخرى، يعتقدون أن الفتاة لا تصاب بالتهابات إلا بعد الزواج وتمزق غشاء البكارة، وأن الغشاء في حالة العذرية يمنع دخول العدوى إلى المهبل، وبالتالي فإن الفتاة العذراء لا ينبغي أن تُصاب بأي التهاب، لقد شهدت أيضاً حالات كانت فيها الأم أو خالات الفتاة حاضرات أثناء الفحص، للتأكد من أن غشاء بكارة ابنتهم لن يتعرض لأي ضرر أثناء المعاينة الطبية".
السيطرة على الجسد أداة للهيمنة
التمييز تجاه زيارة الفتيات غير المتزوجات لطبيبة النساء متجذرة في المعتقدات الأبوية، لأن التحكم بالأعضاء التناسلية للمرأة وامتلاكها من قبل الرجال جزء من مبادئ الأبوية، ووفقاً للتعريفات الأبوية، فإن الفتيات غير المتزوجات لا تملكن أي حق في أعضائهن التناسلية إلا بعد الزواج، أي بعد أن يستحوذ عليهن أزواجهن، يُسمح لهن بالقلق بشأن صحتها، لأن هذه الأعضاء أصبحت ملكاً لرجل، وتكتسب أهميتها من قدرتها على الإنجاب وخدمة الرجل.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن الخوف من زيارة طبيبة النساء هو نتاج للذكورية، وأداة للسيطرة على النساء، فكلما شعرت المرأة أن جسدها محظور عليها، أصبحت أكثر قابلية للطاعة والخضوع للرجال.
سنواتٌ ضائعة في صمت
وأضافت "تلجأ إليّ العديد من النساء لعلاج العقم، ومعظمهن يعانين من تكيسات والتهابات حادة يعانين منها منذ سنوات، والآن تزوجن وينتظرن الإنجاب، يلجأن إليّ أملاً في العلاج، تشير معظم مشاكل الرحم لديهن إلى مسار مرضي طويل الأمد تفاقم على مدى سنوات طويلة بدلاً من محاولة علاجه، وعندما أسألهن عن سبب عدم اتخاذهن أي إجراء مبكر، يقلن إنهن عازبات ويخشين على سمعتهن والقيود المفروضة عليهن؛ في الواقع، بالإضافة إلى الرقابة الذاتية، فإن الموقف السلبي لمن حولهن وردود الفعل السلبية من النساء المحيطات بهن عند إثارة مشاكلهن أصبح أيضاً مشكلة كبيرة ورادعة لهن".
أن تكوني امرأة جريمة صامتة
في المجتمع الأبوي، عادةً ما تُحاط معظم العوامل الطبيعية المتعلقة بالمرأة بهالة من الخوف والتكتم والغموض، لأن سنوات من الهيمنة الذكورية، وكلمات "أن تكوني عيباً" و "أن تكوني امرأة"، جعلت النساء يعتبرن مشاكلهن الأنثوية عيباً رئيسياً، ويشككن حتى في أبسط العمليات الطبيعية لأجسادهن.
وتبدأ عملية الكبت هذه منذ بداية التغيرات الجسدية الأولى، مثل الدورة الشهرية للفتاة، فبالإضافة إلى تحمل آلامها، لا يحق للفتاة تغيير أنشطتها اليومية المعتادة خشية أن يلاحظها رجال الأسرة.
وتوجد أيضاً مسألة التكتم نفسها فيما يتعلق بأمراض النساء، فإخفاء العديد من الفتيات لعدم انتظام الدورة الشهرية والالتهابات والتكيسات المختلفة، وما إلى ذلك، خشية أن يُجبرن على زيارة طبيب أمراض النساء والتحدث عن مشاكلهن الجسدية، ليس سوى جزء بسيط من هيمنة المعتقدات الخاطئة على أبسط القضايا المتعلقة بالمرأة.
تُظهر كل هذه العوامل مدى قدرة القوانين التي تُحدد من قبل النظام الأبوي على التغلغل في أدقّ القضايا المتعلقة بحياة المرأة، واستغلالها، من خلال السيطرة على أبعادها وزواياها، هذه القوانين وضعها الرجال بجميع طبقاتهم، والنظام الأبوي يحكم ويُصدر الأوامر لترسيخ أسسه.