وريشة مرادي: طريق إنقاذ شعب إيران هو إعادة تشكيل السياسة من داخل المجتمع

في رسالة جديدة من سجن قرتشك، ألقت وريشة مرادي، السجينة السياسية الكردية المحكوم عليها بالإعدام، نظرة نقدية على الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وبنية الدولة القومية، والأيديولوجيات الحاكمة، داعية إلى العودة إلى إرادة الشعب ومسار الأمة الديمقراطية.

مركز الأخبار ـ في ظل التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، نشرت وريشة مرادي، السجينة السياسية الكردية المحكوم عليها بالإعدام، رسالة من سجن قرتشك في وارمين. تتناول الرسالة، المنشورة على صفحة "حملة الحرية لوريشة مرادي" على "انستغرام"، الحرب الإيرانية الإسرائيلية ودور الدول القومية في قمع الشعوب، وضرورة إعادة بناء السياسة القائمة على المشاركة الشعبية.

 

النص الكامل لرسالة وريشة مرادي من سجن قرتشك:

الآن، وبعد أن هدأت مؤقتاً ألسنة اللهب في حرب الأيام الاثني عشر بين إيران وإسرائيل، أصبح بوسعنا أن نرى بوضوح أكبر الطبقات العميقة من هذه المواجهة؛ وهي حرب تبدو وكأنها انتهت، ولكنها في الواقع استمرار لصراع تآكلي وهيكلي: معركة بين مشروعين أيديولوجيين يواجهان سرديات متعارضة حول القوة والهوية ومستقبل الشرق الأوسط.

إن المواجهة والحرب الإيرانية الإسرائيلية، على المستوى الذي تُصوّره وسائل الإعلام الرسمية، هي صراعٌ على الحدود الجيوسياسية، والقضايا النووية، والنفوذ الإقليمي، ولكن على مستوى أعمق، يعكس هذا الصراع تقاطع مشروعين أيديولوجيين لتشكيل مستقبل الشرق الأوسط؛ مشروعان يُخرجان المجتمع في نهاية المطاف من دائرة النشاط السياسي ويأخذان إرادة الشعب رهينة.

إسرائيل ليست مجرد دولة قومية، بل هي نتاج إعادة تصميم جيوسياسي بعد الحرب العالمية الثانية، تصميمٌ استهدف، بدعم من الهياكل الرأسمالية الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة وبريطانيا، إنشاء قاعدة إمبريالية دائمة في قلب الشرق الأوسط، وكما أظهرت التحليلات الحضارية، لم يكن تأسيس دولة إسرائيل استجابةً لمعاناة اليهود، بل كان استغلالاً لتلك المعاناة لإنشاء دولة، دولةٌ تُصبح، من خلال الجمع بين رأس المال والعسكرة والدين، أداةً لاحتواء أي انتفاضة مستقلة في المنطقة.

من الأهمية بمكان أن هذه البنية وضعت إسرائيل منذ البداية في مواجهة مع مفاهيم التعايش والمشاركة الاجتماعية والتعددية الثقافية؛ مشروعٌ استند إلى التطهير الوطني والاحتلال وبسط السيطرة بدلاً من إعادة بناء الحياة. ولهذا السبب، فإن القضية الإسرائيلية ليست قضية فلسطينية فحسب، بل أزمة هيكلية في المنطق العالمي للدولة القومية الحديثة.

من ناحية أخرى، تُقدّم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تُعرّف نفسها على أنها جبهة مقاومة، مشروعاً مختلفاً، ولكنه لا يتعارض بالضرورة جذرياً مع منطق الهيمنة. يرفع هذا النظام راية معارضة الإمبريالية، بينما يُخضع مجتمعه في الداخل للقمع الممنهج، وكراهية النساء المُؤسسية، والقضاء على مختلف الأمم واللغات والأديان وأنماط الحياة.

آلة الإعدام، إحدى الأذرع الرئيسية لحكم الجمهورية الإسلامية، أودت بحياة آلاف الأشخاص منذ ستينيات القرن الماضي: من المعارضين السياسيين إلى متظاهري الشوارع، ومن النشطاء العماليين إلى النساء المتظاهرات، ومن الأقليات الدينية والقومية، من الكرد والبلوش والعرب إلى البهائيين والدراويش والسنة. لسنوات، لم يُحرموا من حقوقهم المدنية فحسب، بل إن وجودهم السياسي والثقافي معرض للخطر باستمرار.

ومن خلال استخدام لغة المقاومة، نجحت إيران في إرساء شكل جديد من أشكال السلطة الإيديولوجية؛ سلطة تخدم بقاء الدولة القومية، وفي الوقت نفسه، تعمل على تحويل المجتمع إلى أداة للشرعية، وليس موضوعاً للسياسة، في منافسة مع الغرب.

ومن منظور حضاري يتجاوز التفكير في التحالفات الدولية، فإن كلا المشروعين، سواء إسرائيل أو الجمهورية الإسلامية، يشكلان جزءاً من أزمة أكبر؛ أزمة ناجمة عن هيمنة منطق الدولة القومية، والقضاء على التنوع، وتدمير إرادة الشعب.

لقد أشار القائد عبد الله أوجلان مراراً وتكراراً في دفاعاته الحضارية إلى أن البديل الحقيقي الوحيد للنظام العالمي الرأسمالي والاستبداد المحلي هو مشروع الأمة الديمقراطية؛ أمة لا تتشكل من حدود جغرافية، أو لغة واحدة، أو دين رسمي، بل من الاتحاد الطوعي للبشر، مع قبول الاختلافات، والمشاركة السياسية المباشرة.

من منظور هذا التحليل، لا يكمن سبيل إنقاذ الشرق الأوسط في الاعتماد على الجيوش، ولا في التدخل الأجنبي، ولا في بقاء الدول القمعية. السبيل الوحيد هو العودة إلى القوة الكامنة للشعوب، وهي قوة لطالما همّشتها الدول، لكنها لا تزال حية: في اللغات الممنوعة، وفي الاحتجاجات الشعبية، في شبكات التضامن، في فن المقاومة، وفي ذاكرة النضالات المنسية.

الشعب الإيراني، بكل تنوعاته، وصل الآن إلى مرحلةٍ يتحتم عليه فيها، بدلاً من انتظار الخلاص من الأعلى، التفكير في إعادة بناء السياسة من الأسفل. في مواجهة نظامٍ يعيش على الموت والإبادة، وفي مواجهة نظامٍ عالميٍّ يهيمن بالسلاح والمال، لا سبيل إلا إلى بناء خطٍّ ثالث: طريق الأمة الديمقراطية، والتنظيم الذاتي، والمجتمع، والسياسة التي تنبع من صميم الحياة.

هذا الطريق ليس سهلاً، ولكنه ممكن. والأهم من ذلك، أنه الطريق الوحيد الذي يجمع بين الحرية والكرامة الإنسانية.