تحدت حاجزي الهجرة واللغة ودعمت الحضور النسائي في المسرح

كسرت الفنانة الكردية فرميسك مصطفى الأصنام المتمثلة بالذهنية الذكورية التي تمنع المرأة من تحقيق أحلامها إلى جانب العديد من الصعوبات كحاجز اللغة والهجرة خارج بلادها، لتحقق حلمها بعد ٢٣ عاماً وتصعد على الخشبة لأداء دور طالما حلمت به.

رجاء خيرات
مراكش ـ
أكدت الكاتبة والممثلة الكردية فرميسك مصطفى أن الحضور النسوي في المسرح الكردي كان باهتاً وأن الفتيات اللواتي خضن تجارب قليلة في هذا المجال كن مجبرات لمغادرة المسرح بسبب الذهنية الذكورية.
أستضاف الملتقى الدولي لمبدعات المسرح في مدينة مراكش بالمغرب، الفنانة الكردية فرميسك مصطفى التي تحدثت عن رحلتها الفنية وتجربتها الإبداعية المتفردة وعشقها للمسرح الذي غادرته لظروف اجتماعية ثم عادت من جديد لتعانق شغفها الأول.
وخاضت تجربة مسرحية متفردة، وانخرطت بشكل مبكر بهذا المجال، سواءً من خلال النصوص التي كتبتها أو العروض التي مثلت فيها التي سلطت الضوء على قضايا النساء الكرديات وتحررهن من الذهنية الذكورية، حيث سبق لها أن قدمت عرضاً عن النساء اللواتي تعرضن للقتل من طرف ذويهن.   
وتحدثت خلال عرضها عن تجربتها الإبداعية التي امتدت لسنوات داخل موطنها إقليم كردستان وبلد المهجر ألمانيا أثناء "الماستر كلاس" الذي استضافها أمس السبت 24 شباط/فبراير، على هامش الملتقى الدولي لمبدعات المسرح بمدينة مراكش، عن رحلتها الفنية وتجربتها الإبداعية المتفردة وعشقها للمسرح الذي غادرته لظروف اجتماعية ثم عادت من جديد لتعانق شغفها الأول. 
وعن تجربتها الأولى في المسرح قالت فرميسك مصطفى "كانت أمي دائما تنصحني بأن أكون عاشقة، حتى بدأت رحلتي في البحث عن العشق الذي اتخذ بداية شكل القراءة في الكتب الموجودة في مكتبتنا المتواضعة ببيتنا، إلى أن جاء شقيقي ذات يوم والذي يعمل عازفاً بفرقة موسيقية في إحدى الفرق المسرحية، طلب مني أن أمثل بسبب النقص الحاصل في التواجد النسوي بالمسرح الكردي، وبمجرد أن صعدت على الخشبة لأول مرة وأنا لا أزال مراهقة استشعرت ذلك العشق الذي كانت أمي تحدثني عنه". 
وعن التحاقها بجامعة بغداد كلية الفنون لأول مرة أوضحت أنها لم تكن تتحدث اللغة العربية في بدايتها، وأن التجربة لم تكن سهلة، حيث شعرت أنها كما لو كانت طائر نورس تتقاذفه الأمواج، كما أن والدها الذي كان خريج معهد موسيقي ببغداد نصحها بالابتعاد عن مجال الفن لأنه ليس سهلاً وسيتبعها "كنت أقول لنفسي يجب أن تكملي في هذا الطريق الذي بدأته، لأنك جندية دخلت حرباً وأنتِ اليوم مطالبة بأن تتسلحي بكل الأسلحة وتخوضي هذه الحرب لتحقيق الفوز".
وأشارت إلى أنها كانت تعيش حالتين متناقضتين، من جهة العشق الذي وجدته في معانقة خشبة المسرح، ثم عائق اللغة الذي يجب أن تتجاوزه، لتخوض بعد ذلك أولى تجاربها المسرحية، بعد أن شاركت في مسرحية "الملك لير"، ولم تكن لتجيد اللغة العربية لولا مساعدة زميلاتها. 
وأكدت أنها في بداية تجربتها المسرحية كانت ممثلة كلاسيكية، ثم بعد ذلك قررت أن تخوض جميع التجارب المسرحية وتتطلع على جميع المدارس حتى تختار الاتجاه الذي يروق لها، مشيرة ً إلى أن الطريق الذي سلكته في مسارها التكويني الجامعي لم يكن وردياً، خاصةً وأن الفترة كانت صعبة بسبب تزامنها مع الحرب العراقية الإيرانية من جهة والثورة الكردية بمدينتها السليمانية بإقليم كردستان من جهة أخرى. 
وقالت فرميسك مصطفى أنها مع أربع طالبات كرديات حصلت لأول مرة على جوائز، لافتة إلى أنه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بدأ المسرح الأكاديمي النسوي الكردي يظهر، إلى نهاية الثمانينات وبعد مرور أربع سنوات وتخرجها من المعهد، عادت إلى مدينتها السليمانية، لتبدأ في العمل الإذاعي والمسرحي كأستاذة في معهد الفنون ومعهد المعلمات، ثم عملت على إدخال المسرح للإعداديات والثانويات لتشجيع الفتيات على ولوج المجال المسرحي. 
وبينت أنها عملت في مجال السينما لكن مسارها سيأخذ اتجاهاً آخر بعد الانتفاضة الكردية عام ١٩٩١، حيث أصبح الوضع أكثر صعوبة وتعقيداً، لتقرر الزواج والهجرة نحو ألمانيا.
وعن حياتها الجديدة ببلاد المهجر أضافت "كنت أعيش اغتراباً حقيقياً، بسبب ابتعادي عن بلدي الأم وعن أهلي ولغتي، أما الخسارة الكبرى فكانت ابتعادي عن المسرح والجمهور"، مؤكدةً أنها خلال ثماني سنوات من الغربة لم تفعل شيئاً باستثناء تكوين أسرة ورعاية الأبناء، وفي داخلها حلم الإبداع والمسرح، إلى أن انخرطت من جديد في مشروعها الفني عن طريق الكتابة والنشر.
وأوضحت "كنت أقضي الليل في كتابة نصوص ومقالات أنشرها في الجرائد والمواقع الإلكترونية، وحتى في الصباح عندما يذهب أبنائي إلى المدرسة استفيد من الوقت في الكتابة، إلى أن استعدت من جديد ما ضاع مني خلال السنوات الثمانية التي قضيتها في الالتزامات العائلية، وعدت من جديد على عالمي المسرحي". 
وذكرت أنها استطاعت بعد ذلك أن تتقرب من المسرحيين الكرد المهاجرين، وكانوا يستضيفونها أما كضيفة أو عضوة لجنة تحكيمية، وبعد ذلك أنشأت برفقة أحد المسرحيين المهاجرين فرقة مسرحية باللغة الكردية، لكن التجربة لم تستمر بسبب بعد المسافة التي تفصل المدينتين اللتين يقيمان بهما. 
وعن المسرح الكردي أكدت أنه بشكل عام كان مسرحاً ثورياً دفاعياً عن الهوية الكردية، وهو ما كان يجعل  العاملين الكرد في المسرح تحت مراقبة شديدة في ظل النظام العراقي السابق، لافتةً إلى أنها كانت في مرات عديدة عرضة للاستجوابات الخاصة إذا كانت ترتدي زياً كردياً أحمر، وحتى بعد أن تخلت عن ألوانها الكردية لم تسلم من الملاحقة، فقط لكونها كردية وممثلة مسرح. 
ونوهت إلى أنها قررت أن تعود لموطنها تاركة وراءها أسرتها بألمانيا، واستقرت بمدينة أربيل وعادت لتدريس المسرح للطلاب، لكنها اصطدمت بواقع مؤلم، وهو أن الفتيات في المسرح تكتفين بأداء الأدوار التي تمنح لهن كممثلات ثم تنصرفن إلى حال سبيلهن، دون أن تخضن تجربة الكتابة والإخراج أو السينوغرافيا، موضحةً أنها سوف تلتحق بوزارة الثقافة كمستشارة في مجال المسرح، لتبدأ في التفكير في إمكانية مساعدة الفتيات على ألا تكتفين بتمثيل الأدوار التي يمنحها لهن المخرجون الرجال.
وأكدت أنه بعد ذلك جاءتها فكرة تأسيس ملتقى نسوي للفنانات الكرديات داخل إقليم كردستان، فكان ميلاد الملتقى الأول للفنانات الكرديات الذي شكل فرصة لهن للحديث عن تجاربهن ومعاناتهن وتواجدهن في المسرح، إلى أن جاءت الحرب التي فرضت على المنطقة بسبب "داعش" وتوقفت النشاطات، لتقرر العودة من جديد إلى ألمانيا عام ٢٠١٦، وتخوض تجربة جديدة مع الكاتبة والإخراج بمسرح "تريبين" بشتوتغارت، ليتحقق حلمها بعد ٢٣ عاماً وتصعد على الخشبة لأداء دور طالما حلمت به. 
وفي ختام حديثها قالت فرمسك مصطفى "إننا جميعاً محاطون بالعديد من الأصنام التي يجب أن نكسرها لتحقيق أحلامنا ومشاريعنا، إننا بحاجة لتحطيم كل الجدران وتحويلها لأبواب يمكن الخروج منها وهو أمر ليس بالسهل بالطبع لكنه ممكن".