تاريخ تربية الدواجن في أفغانستان والدور البنّاء للنساء في تطويرها
لطالما شكّلت تربية الدواجن في أفغانستان جزءاً لا يتجزأ من الحياة الريفية، حيث ارتبطت بأسلوب معيشة بسيط يعتمد على الاكتفاء الذاتي.

بهاران لهيب
كابول ـ تربية الدواجن في أفغانستان متجذّرة في الأساليب التقليدية، في السابق، كانت معظم الأسر تحتفظ بعدد من الدجاج لأغراض الاستهلاك المنزلي، حيث كانت هذه الطيور تتجوّل بحرّية في باحات المنازل، وتُستخدم بيضها ولحومها في موائد العائلات.
تربية الدواجن ترتكز على تلبية الحاجات اليومية، ولم يكن هناك اهتمام بسلالات الدجاج، ولا بالجوانب الصحية أو الإنتاج الواسع، وقد تسببت أمراض مثل النيوكاسل والطفيليات في خسائر كبيرة، لكنّ هذه الخسائر كانت تُعد جزءاً طبيعياً من الحياة اليومية ما دامت التربية ليست لأغراض تجارية.
في عقدي السبعينيات والثمانينيات، بدأت بعض المشاريع التجريبية لتطوير قطاع الدواجن في أفغانستان بالتعاون مع منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، شملت هذه المشاريع استيراد سلالات دجاج محسّنة، وإنشاء مزارع صغيرة تعليمية، وتدريب السكان على أساليب التربية الحديثة، لكن مع اندلاع الحروب الأهلية، توقفت تلك المشاريع وتعرّضت البُنى التحتية للتدمير.
في الفترة الأولى من حكم حركة طالبان، كانت مزارع الدواجن تشكّل المصدر الوحيد لدخل العائلات، وقد لعبت النساء دوراً أساسياً فيها، إذ لم يُسمح لهنّ بالعمل أو التعليم آنذاك، وتم تأسيس اتحادات نسائية لتدريب النساء، وكان لها دور فعّال في تشغيل هذه المزارع.
بعد سقوط نظام طالبان عام 2001، وبدخول المجتمع الدولي، استُؤنفت برامج إعادة الإعمار وتنمية الزراعة والثروة الحيوانية من جديد، وقد حظيت تربية الدواجن باهتمام خاص، كونها قطاعاً سريع العائد، منخفض التكاليف، ومتوافقاً مع البيئة الريفية، حيث نُفِّذت مشاريع متعددة من قِبل وزارة الزراعة، وزارة شؤون المرأة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ومنظمات غير حكومية، لتعزيز تربية الدواجن خصوصاً لدى النساء في المناطق الريفية.
في بلدٍ تقليدي ومحافظ كأفغانستان، حيث تواجه مشاركة النساء في الاقتصاد قيوداً صارمة، اعتُبرت تربية الدواجن المنزلية نشاطاً مقبولاً ومتوافقاً مع القيم الثقافية، وأداةً فعّالة لتمكين النساء اقتصادياً، حيث استطاعت العديد من النساء، خاصة في ولايات مثل بلخ، ننكرهار، هرات، باميان، دايكوندي وكابيسا، أن يحصلن على دخل مستقل من خلال مشاريع تربية الدواجن.
من نشاط منزلي إلى وسيلة تحمل إمكانات كبيرة
نفيسة نواب، المقيمة في إحدى مناطق العاصمة كابول، وعلى الرغم من أنها خريجة الصف الثاني عشر، إلا أنها ممنوعة من العمل أو متابعة الدراسة خارج المنزل، لذلك تدير مزرعة دواجن صغيرة تُعيل بها أسرتها المكوّنة من ستة أفراد، تقول "بعد إنهاء المدرسة، كان يجب أن ألتحق بالجامعة، لكن للأسف عادت طالبان إلى الحكم، عانيت من التوتر الشديد في المنزل، وكانت الحالة الاقتصادية لعائلتي سيئة، وفي النهاية، قررت أن أجد لنفسي عملاً أساعد به نفسي وأسرتي، أنشأت مزرعة صغيرة بعدد قليل من الدجاج".
وأوضحت "كنت أرغب في أن أصبح طبيبة لأساعد نساء قريتنا اللواتي تواجهن الموت يومياً، لكن الآن، رأس مالي الوحيد هو هذا العيش البسيط والمهنة التي أوجدت فيها تسليةً لي، ومساعدةً اقتصاديةً لعائلتي".
لقد تحوّلت تربية الدواجن في أفغانستان من نشاط منزلي تقليدي إلى وسيلة تحمل إمكانات كبيرة، لعبت النساء دوراً محورياً في هذا التحوّل، وقد أصبحت تربية الدواجن مصدراً للرزق وبوابةً للتمكين، ورغم التحديات، خصوصاً في ظل الوضع السياسي والاجتماعي الراهن، ما تزال تربية الدواجن تُعد من الوسائل الموثوقة لتنمية الاقتصاد لدى النساء الأفغانيات.