سوريا... من نظام استبدادي إلى سلطة جهادية تقمع النساء

في ظل المشهد المأساوي الذي تشهده سوريا من فرض جهاديي هيئة تحرير الشام سيطرتهم على السلطة، وارتكابهم مجازر ممنهجة بحق مختلف المكونات، تعيش السوريات مأساة مستمرة.

مقال بقلم الصحفية برجم جودي

خلال عام، أحكم جهاديي هيئة تحرير الشام قبضتهم على مراكز الإدارة والسلطة في سوريا، ومنذ مطلع عام 2025 وحتى اليوم، تُرتكب يومياً جرائم حرب تستهدف النساء الكرديات والعلويات والدرزيات وغيرهن، لتجعل من هذه الهجمات المستمرة واقعاً مأساوياً يفتقر إلى أي رادع.

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر2024، خرج الشعب السوري محتفياً بسقوط النظام السوري السابق الذي حكم سوريا لأكثر من 53 عاماً، واضعاً آماله في بداية جديدة، لكن سرعان ما اصطدم هذا الشعب، الذي كان ينتظر التغيير بفرح، بواقع مغاير؛ إذ إن الجماعات الجهادية التابعة لهيئة تحرير الشام، التي قدّمت نفسها كقوى تحرير وحكومة بديلة، حولت تلك الآمال والأحلام إلى مشروع قائم على الذكورية والعنصرية والطائفية، وهكذا دُفعت سوريا نحو مسار غامض محفوف بالمخاطر.

 

الهجمات الأولى

ومع هذا التحول المفاجئ، سارعت الجماعات الجهادية، تحت شعار "تحرير كامل الأرض السورية"، إلى السيطرة على العديد من المراكز الحيوية، هذه الجماعات المرتبطة بدول خارجية استغلت الوضع كفرصة لتوسيع نفوذها، فسيطرت على مواقع إدارية وشنّت هجوماً واسعاً على منطقة منبج، امتد حتى جسر قرقوزاق وسد تشرين.

وفي الوقت نفسه، تصاعدت هجمات الجماعات الجهادية على الأحياء الكردية في حلب، خاصة في الأشرفية والشيخ مقصود. أمام هذه الاعتداءات، خرج أهالي المنطقة بمقاومة واسعة بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، وأظهروا صموداً كبيراً في الدفاع عن أنفسهم وأحيائهم، ورغم القصف العشوائي الذي استهدف المدنيين، تحولت اللحظة إلى مشهد بطولي حيث تصدت النساء بأجسادهن والشباب بقوتهم، ليتصدوا للهجوم بإيمان راسخ وإرادة جماعية.

 

حرب طائفية ومجازر منظمة

بعد أن فشل جهاديي هيئة تحرير الشام في تحقيق أهدافهم من خلال شن الهجمات على إقليم شمال وشرق سوريا، وتراجع نفوذهم الذي كانوا يبررونه باسم "تحرير سوريا"، اتجهوا إلى المدن السورية الأخرى، فبدأوا بشن هجمات عنيفة ومعقدة على مناطق الساحل، حيث يتركز فيها أبناء الطائفة العلوية.

ارتُكبت مجازر ممنهجة أودت بحياة المئات من الأطفال والنساء والشباب وكبار السن، حيث أُبيدت عائلات بأكملها، ومورست أعمال وحشية من تعذيب وتشويه وتهجير، هذه الجرائم المروعة مثّلت انتقال الهجمات إلى مرحلة حرب طائفية مفتوحة.

 

السويداء ومجازر بحق الدروز

بعد المجازر التي ارتُكبت في الساحل، دخلت المكونات والشعوب في سوريا حالة من التعبئة العامة ومحاولات الدفاع عن النفس ضد هجمات الإبادة. وفي تموز/يوليو الماضي، شنّ جهاديي هيئة تحرير الشام هجوماً جديداً على مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وخلال الساعات الـ 48 الأولى من الهجوم، قُتل أكثر من مئة شخص من أبناء المدينة، وتعرضت ممتلكاتهم للنهب والتدمير.

لكن السويداء، التي سرعان ما تحولت إلى ساحة مقاومة، تمكنت من صدّ الاعتداءات وإفشال هجمات الجماعات الجهادية، ورغم ذلك، تكبدت المدينة الواقعة في جنوب سوريا خسائر جسيمة، وارتُكبت فيها مجازر واسعة تركت آثاراً عميقة في وجدان أهلها.

 

عام اتسم بالمجازر المروعة وسياسة الإنكار 

ارتكب جهاديي هيئة تحرير الشام في شمال وشرق وجنوب سوريا مئات المجازر التي تُصنَّف كجرائم حرب، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل مئات النساء من الكرد والعرب والعلويين والدروز. لكن معاناة النساء كانت أشد قسوة؛ إذ لم يُستهدفن فقط بسبب هويتهن القومية أو الدينية، بل لكونهن نساء جعل منهن هدفاً للقتل والاغتصاب والتهجير والتعذيب، وهكذا، وبصرف النظر عن المجازر الجماعية، واجهت النساء السوريات في ظروف وأماكن مختلفة السياسات الوحشية ذاتها.

وتفرض الحكومة المؤقتة في دمشق على النساء قوانين قاسية تُدخل حياتهن في دائرة من الخوف وانعدام الأمان، وفي ظل غياب قيادة حقيقية، وجيش منظم، ودستور ديمقراطي في سوريا، تتعرض النساء في بيوتهن ومدنهن لشتى أشكال العنف؛ من تهجير وقتل وتعذيب واغتصاب إلى بيع واستغلال بطرق وحشية، وهكذا يمكن القول إن النساء السوريات يعشن منذ ما يقارب أربعة عشر عاماً نفس المأساة المستمرة دون انقطاع.

 

مقاومة جماعية سياسية وقانونية

تحمل السوريات في مسيرة نضالهن ومقاومتهن إرثاً عريقاً يمتد إلى ما قبل تأسيس الجمهورية السورية الحديثة، حيث سجّلن حضوراً بارزاً في التاريخ من خلال دورهن الريادي في المقاومة، وكانت الملكة زنوبيا مثالاً ساطعاً على ذلك، وفي الوقت نفسه، تمتلك نساء إقليم شمال وشرق سوريا تجربة نضالية متواصلة منذ أكثر من 12 عاماً، يمكن أن تترك أثراً عميقاً على واقع المرأة ومستقبلها.

إن طريق تحرر النساء السوريات من مختلف أشكال الهجمات يمر عبر بناء منظومة تضمن حقوقهن السياسية والقانونية والاجتماعية. وفي ظل الظروف المعقدة التي تشهدها البلاد، يصبح من الضروري أن تمتلك النساء منظومة خاصة للدفاع عن ذاتهن، فإذا تمكنّ من تحقيق خطوة متقدمة في هذا المجال، فإن ذلك سيمهد الطريق لترسيخ وجودهن في الساحة السياسية والقانونية داخل سوريا.

وقد بدأ هذا المسار بالفعل في إقليم شمال وشرق سوريا عبر ميثاق اجتماعي، لكنه يحتاج إلى أن يتحول إلى حضور دائم يشمل جميع أنحاء البلاد.