"سرديات نسوية مناهضة للرأسمالية"... معاناة النساء وسبل المقاومة
في ظل تعقيدات اقتصادية واجتماعية متزايدة، يبرز كتاب "كيف نفهم العدالة الاجتماعية من منظور نسوي: سرديات مناهضة للرأسمالية" كأداة فكرية نقدية تعيد طرح قضايا النساء في تونس من زاوية جديدة.
زهور المشرقي
تونس ـ سلط كتاب "كيف نفهم العدالة الاجتماعية من منظور نسوي: سرديات مناهضة للرأسمالية"، الضوء على أشكال القهر والاستغلال الذي تعانيه النساء في ظل الأنظمة الرأسمالية المتداخلة مع الهياكل الذكورية.
شهد مهرجان لينا بن مهني، الذي انطلق في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير الجاري، نقاشاً موسعاً حول الكتاب الذي أعدته مجموعة من الكاتبات الشابات تحت عنوان "كيف نفهم العدالة الاجتماعية من منظور نسوي: سرديات مناهضة للرأسمالية".
والكتاب يتناول موضوعات شائكة تشمل استغلال النساء في القطاع الفلاحي، العمل المنزلي غير مدفوع الأجر، والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الأدوار الجندرية التقليدية، كما تطرق إلى مفهوم "اقتصاد العاطفة" الذي يعكس العبء النفسي والاجتماعي الذي تتحمله النساء يومياً دون أي اعتراف به كعمل حقيقي.
يرى الكتاب أن مواجهة هذا الاستغلال تتطلب إعادة تسييس الفكر النسوي وربطه بالنضالات الاجتماعية العامة، كما يشدد الكتاب على أهمية توسيع نطاق الوعي النسوي ليشمل قضايا مثل المساواة في الإرث، ظروف العاملات في القطاعات الهشة، وتمكين النساء اقتصادياً، كما يسلط الضوء على كيفية تكريس المجتمع للأدوار الجندرية التقليدية، التي تضع النساء تحت ضغط اجتماعي ونفسي هائل.
وفي هذا السباق، أكدت هندة الشناوي، رئيسة المهرجان ومدرسة لينا بن مهني النسوية، أن الكتاب يمثل "صرخة احتجاج" ضد الاستغلال المنهجي للنساء "الرأسمالية تتحالف مع الأنظمة الذكورية لتكرس الهيمنة على النساء، سواء من خلال الأجور المتدنية أو استنزاف أجساد النساء في القطاعات الهشة كالفلاحة دون أي ضمانات قانونية أو اجتماعية".
وأكدت على أن الكتاب يدعو إلى "تفكيك قوى الهيمنة من جذورها" من خلال فهم التقاطعات بين الرأسمالية والأنظمة الذكورية والعنصرية، وربط القضايا النسوية بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية.
وأوضحت أن الكتابة النسوية ليست مجرد أداة لتوثيق المعاناة، بل هي فعل مقاوم ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي "الكتابة هي دعوة لبناء حراك نسوي جامع يعزز التضامن بين النساء ويدفع نحو تغيير جذري في الأنظمة التي تستغل النساء".
وأشارت إلى أن المدرسة لا تهدف إلى تقديم "دروس تنويرية"، بل تسعى إلى مشاركة المشكلات مع النساء والعمل على حلول جماعية تعزز العدالة الاجتماعية، لافتةً إلى أن التحدي الأكبر هو بناء حراك نسوي جامع يركز على العدالة الاجتماعية، ويواجه الاستغلال الرأسمالي الذي يستنزف النساء.
ومن جانبها، قالت فاطمة محجوبي، إحدى المساهمات في إعداد الكتاب "منذ الطفولة، يتم تلقين الفتيات أنهن كائنات عاطفية مفعمة بالرعاية، مما يجعلهن يتحملن أعباء منزلية وعائلية غير مرئية، دون أن يحتسبها النظام الاقتصادي كجزء من الإنتاج".
وأضافت "وفق الإحصائيات، تقضي النساء في تونس حوالي ثلاث ساعات يوميًا في أعمال الرعاية المنزلية، مقارنة بـ 0.3 ساعة فقط للرجال، هذا الفارق يعزز التمييز الجندري ويكرس استغلال النساء على الصعيد العاطفي والاقتصادي".
ولفتت إلى أن "المرأة المثالية، وفقاً للمعايير الاجتماعية، هي التي تتحمل كل الأدوار العاطفية والذهنية دون كلل أو مطالبة بمساعدة، وهو تصور يجعل النساء يشعرن وكأنهن محاصرات داخل قوالب تقليدية تؤدي إلى استنزافهن نفسياً وجسدياً".
وأكدت باقي مداخلات منظمي مهرجان لينا بن مهني، أن الكتاب رؤية جريئة تعيد التفكير في دور النساء داخل النظام الرأسمالي وتدعو إلى مقاومة الأطر الجندرية التقليدية.
وبينت مختلف النقاشات أن الهدف من فتح هذا النقاش هو بناء وعي جماعي ومشترك حول النضالات النسوية وربطها بقضايا أوسع مثل العدالة الاجتماعية، في خطوة نحو بناء حراك نسوي تحرري في تونس والمنطقة ككل.