شرو شواني: السلام ليس شعاراً وإتلاف الأسلحة رسالة إلى العالم

في مساعي السلام، غالباً ما تتصدر النساء الصفوف الأولى، إذ يدركن تماماً تبعات الحروب ومعاناة الضحايا، وعلى امتداد التاريخ، جسدت حركة حرية كردستان جوهر دور المرأة وبرزت حقيقتها بكل وضوح.

هيرو علي

السليمانية ـ في 11 تموز/يوليو الجاري، وضمن إطار دعوة السلام وبناء مجتمع ديمقراطي، عبّرت مجموعة "السلام والمجتمع الديمقراطي"، بخطوة رمزية ذات دلالة تاريخية، عن صدق نواياها تجاه عملية السلام من خلال إتلاف اسلحتها في كهف جاسنة بإقليم كردستان، في مشهد يجسد الرغبة الحقيقية في إنهاء الصراع والمضي نحو مستقبل يسوده السلام والديمقراطية.

موقف ومبادرة بَسي هوزات الرئيسة المشتركة للهيئة القيادية لمنظومة المجتمع الكردستاني، كان له تأثير كبير على النساء الكرديات في جميع أجزاء كردستان الأربعة، وفي هذا السياق تحدثت الناشطة شرو شواني لوكالتنا، مبينة بأن السلام الطريق الانجح لتحقيق المكاسب بأقل خسارة.

 

"دائماً أصحاب القامات الكبيرة المبادرون بخطوات السلام"

أشارت شرو شواني إلى أهمية السلام في مسار القضية الكردية "إذا أردنا تحقيق أهدافنا، ينبغي أن نضاعف الجهود عبر طريق السلام، لأنه السبيل الأنجح لتحقيق المكاسب بأقل الخسائر، فالحكمة تقول: أقل ضرر، أكثر فائدة، ولهذا، غالباً ما يكون أصحاب الرؤية والنضج هم من يبادرون إلى السلام، لأن من يمد يده بالتسامح يُنظر إليه باعتباره الأسمى والأكثر نبلاً".

وأضافت "على امتداد تاريخ نضال الشعب الكردي، لم يكن حمل السلاح خياراً نابعاً من رغبة، بل كان رداً اضطرارياً على سياسات القمع والإنكار التي مارستها القوى الاستعمارية، والتي سعت إلى طمس الهوية والثقافة الكردية، لقد فُرضت على الكرد مواجهات قاسية، ليس لأنهم اختاروا الحرب، بل لأنهم دافعوا عن وجودهم في وجه محاولات الإبادة الثقافية والسياسية".

وقالت "من هنا، جاء القرار التاريخي بإنهاء الكفاح  المسلح، تعبيراً عن رغبة حقيقية في السلام، وإذا نظرنا إلى الأجزاء الأربعة من كردستان، التي قُسمت بين أربع دول، نجد أن الشعب الكردي سعى دائماً للحفاظ على لغته وهويته وثقافته بأساليب سلمية، لكن حين فشلت السبل السياسية والدبلوماسية، اضطر إلى اللجوء إلى المقاومة المسلحة كخيار أخير".

 

"اضطرّ الشعب الكردي إلى حمل السلاح"

"لا رغبةً في الحرب، بل نتيجةً لانسداد السبل السياسية أمامه"، هكذا أوضحت شرو شواني سبب حمل الكرد للسلاح، مشيرةً إلى أنه "نحن اليوم أمام عملية سلام مهمة تتبلور في الأفق، وتحظى باهتمام عالمي واسع، بقيادة ومبادرة القائد عبد الله أوجلان، وإذا عدنا إلى بدايات النضال في شمال كردستان، نرى أن الحركة التي أسسها انطلقت بخطوات سياسية، لكن الدولة التركية الفاشية لم تفسح المجال لهذا الخيار، مما دفع الكرد إلى المقاومة المسلحة كخيار اضطراري".

وأضافت "حتى بعد المبادرات السلمية ومراسم إتلاف السلاح، جاء تصريح أردوغان ليؤكد بوضوح كيف تعاملت الدولة التركية مع القضية الكردية، رافضةً الاعتراف بحقوقهم عبر الطرق السياسية، الأمر الذي أجبرهم على اللجوء إلى السلاح، وبعد أكثر من أربعة عقود من الكفاح المسلح، أصبحت هذه الحركة اليوم في طليعة مساعي السلام، تتقدم بثبات نحو تحقيقه، وما يميزها عن الحركات الكلاسيكية هو أنها جمعت بين النضال السياسي والمقاومة المسلحة، حيث تمتلك إرثاً يمتد إلى خمسين عاماً من العمل السياسي، وواحد وأربعين عاماً من الكفاح العسكري، ما يجعلها نموذجاً فريداً في تاريخ الحركات التحررية".

 

"طرق النضال والخطوات نحو عملية السلام صعبة وشاقة"

وأشارت شرو شواني إلى أن طريق السلام لم يكن يوماً سهلاً، بل كان محفوفاً بالعقبات والتحديات "لطالما كانت خطوات النضال السلمي ومسارات الوصول إلى السلام شائكة ومعقدة، وغالباً ما يقف في وجهها أولئك الذين يرفضون السلام ويستفيدون من استمرار الصراع، هؤلاء يشكلون عقبة دائمة أمام أي تقدم في العملية السلمية، لقد شهدنا في السابق محاولات عديدة لتحقيق السلام، لكنها لم تُكلل بالنجاح".

ولفتت إلى أن "كردستان، التي قُسمت بين أربع دول، يجب أن تُفهم ضمن سياقاتها المختلفة، ففي الجزء الذي انطلقت فيه حركة حرية كردستان، واجه الشعب الكردي أشكالاً قاسية من القمع والاضطهاد، وصلت في بعض المناطق إلى حد الإبادة الجماعية، ولهذا، لم يكن أحد يصدق في البداية أن هذه الحركة ستنجح، حتى أن البعض خاطب القائد عبد الله أوجلان قائلاً كيف تُحيي شجرة يابسة؟ لكن بالإيمان الراسخ، والصبر، والتسامح، بدأوا النضال، واليوم وصلوا إلى مرحلة متقدمة من المسيرة".

وأوضحت أنه "بات واضحاً اليوم، على مستوى العالم، أن الحروب لا تحقق الأهداف المرجوة، وأن السلام هو السبيل الأنجح، وعندما نرغب في التقدم نحو أي قضية، لا بد أولاً من بناء قاعدة قوية لها، وفي هذا السياق، قال القائد أوجلان لقد أسسنا القاعدة، وحان الوقت للانتقال إلى مرحلة جديدة، إذا لم يكن الوقت مناسباً في السابق، فهو الآن الأنسب لتحقيق الهدف الذي ناضلنا من أجله، ولن يتحقق ذلك إلا عبر طريق السلام".

 

"إنها رسالة موجهة إلى العالم وليست فقط إلى أمة واحدة"

قالت شرو شواني إن مراسم إتلاف السلاح لم تكن مجرد خطوة داخلية تخص شعباً واحداً، بل كانت رسالة قوية موجهة إلى العالم بأسره "اليوم نرى أن الشعب الكردي يسير بثبات نحو عملية السلام، خطوةً بعد خطوة، في تعبير واضح عن إرادة جماعية تتنامى باستمرار، لقد شكّلت مراسم إحراق الأسلحة حدثاً رمزياً عميقاً، أثار تفاعلات مختلفة في أجزاء كردستان الأربعة، لكنه في جوهره حمل رسالة عالمية مفادها أن هذه الحركة، منذ تأسيسها وحتى الآن، واجهت التحديات وتجاوزت العقبات بإصرار لا يلين".

وأضافت "لا يمكن تجاهل حقيقة أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الدولة التركية الفاشية، كانت تصف هذه الحركة سابقاً بالإرهابية، لكننا نشهد اليوم تحولاً غير مسبوق، حيث بدأت تلك الدول نفسها تجلس إلى طاولة الحوار مع من كانت تعتبرهم إرهابيين، وتناقش معهم سبل السلام".

ولفتت الانتباه إلى أن "المبادرة نحو السلام لم تأت من تلك الدول، بل من داخل الحركة نفسها، التي كانت السباقة في مدّ يد الحوار، وهذا ما غيّر نظرة العالم تجاهها، وتجاه القائد عبد الله أوجلان، الذي بات يُنظر إليه اليوم رمز للسلام والحكمة، وإن تقدم هذه الحركة في مسار السلام، بقيادته لم يكن وليد لحظة، بل جاء عبر مراحل متتالية من النضال والتضحيات".

 

"في جميع الحروب تكون النساء أولى الضحايا"

وعن نصيب النساء من الحروب، قالت شرو شواني "لطالما كانت النساء أولى ضحايا الحروب، لكنهن أيضاً كنّ في طليعة الساعين إلى السلام، لأنهن يدركن تماماً ما تعنيه التضحيات وما تخلفه من آثار، وعلى امتداد التاريخ، أثبتت حركة حرية كردستان أن قضية المرأة ليست هامشية، بل جوهرية، إذ تأسست على مبادئ المساواة بين الجنسين، وحماية البيئة، وصون الثقافة، والفكر الحر. ولم تكن هذه المبادئ مجرد شعارات، بل تجسدت في الممارسة والسلوك اليومي".

وأضافت "من هنا، يجب أن ننظر إلى عملية السلام باعتبارها من أعظم وأهم المراحل التي نخوضها، لا باعتبارها مجرد خطوة عابرة، وقد كان لقيادة امرأة لمراسم حرق السلاح دلالة رمزية عميقة، تؤكد أن مسؤولية نجاح هذه العملية تقع على عاتقنا نحن النساء، في جميع أجزاء كردستان الأربعة".

وشددت على أنه "على شمال وإقليم كردستان أن يتحملا مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة، خاصة أن وجود قنديل في إقليم كردستان أصبح ذريعة تستخدمها الدولة التركية المحتلة لتبرير تدخلها واحتلالها المستمر، ورغم إدراكنا أن خلف هذا الاحتلال دوافع أخرى، فإن قنديل بات يُستغل كواجهة سياسية، لذلك، حين نتحدث اليوم عن السلام، يجب أن نرفض أي مبرر لاستمرار الاحتلال، فنجاح هذه العملية مسؤولية جماعية، وعلى وجه الخصوص مسؤولية النساء، لأن كل خطوة تبدأ بها امرأة تحمل في طياتها بذور النجاح، ونحن النساء في إقليم كردستان نمتلك الإرادة والخبرة، ولدينا القدرة على توحيد جهودنا واغتنام الفرص، لنشكل ضغطاً حقيقياً يضمن دفع هذه العملية نحو النجاح المنشود".

 

"لإنجاح العملية لا بد من توفير أرضية قانونية وسياسية"

وأكدت شرو شواني أن المرحلة الحالية تشهد تحوّلاً نحو التغيير، بقيادة الولايات المتحدة، مما يضع على عاتقها وعلى الدول الأخرى مسؤولية الضغط على تركيا لإنجاح عملية السلام، ورغم صعوبة الأمر على المجتمع التركي، الذي تربّى على مدار قرن من الزمن على الفكر القومي المتشدد، فإن القضية الكردية لم تعد شأناً داخلياً بل أصبحت جزءاً من المشهد السياسي التركي.

وقالت شرو شواني في ختام حديثها أن "تركيا تكبدت خسائر بشرية ومادية خلال 41 عاماً من الصراع، ما يجعل السلام مصلحة مشتركة للكرد وتركيا على حد سواء، وإذا فشلت العملية، فإن تركيا ستكون أول المتضررين، لذا، يجب أن تتخذ تركيا خطوات عملية تبدأ بتشكيل لجنة برلمانية، لأن التصريحات وحدها لا تكفي، فالكرد أثبتوا جديتهم من خلال رسائل أوجلان، قرارات حزب العمال، ومراسم حرق السلاح، والآن، على تركيا أن تبادر بالفعل، وتوفر أرضية قانونية وسياسية داخل البرلمان لضمان نجاح عملية السلام".